على مسرح النهاية المشرفة التي انتهت إليها معارك الجرود والقلمون تستوقفني ثلاثة مشاهد متعارضة:
الاول مشهد بعض الوزراء من التيار الأزرق وحلفائه ومن التيار البرتقالي على حد سواء، وهم يتسابقون أمام كاميرات التلفزة لكي يدلوا بتصريحات يخلطون فيها السماوات بالقبوات، ويبرطمون ويغمغمون لكيلا يذكروا الدور الأساسي الذي قامت به المقاومة في تحرير الجرود والقلمون بالتنسيق مع الجيش اللبناني والجيش السوري باعتبارها واسطة العقد بينهما.
المشهد الثاني رؤية بعض شخصيات التيار الأزرق وحلفائهم المعادين للمقاومة، وهم يكدحون في إقناع جمهورهم بأن ما قام به حزب الله من قتال تنظيمي النصرة وداعش الإرهابيين ما هو إلا مسرحية لخدمة مخططات النظام السوري وإيران. فإذا كان الأمر كذلك كان ينبغي لهم أن يشكروا النظام السوري وإيران لأنهما أوعزا إلى حزب الله بأن يطرد الإرهابيين من الأراضي اللبنانية. لكن الحماقة أعيت من يداويها.
المشهد الثالث يقف على طرفي نقيض من هذين المشهدين الكاريكاتوريين، وهو المشهد المهيب لأهالي الشهداء العسكريين الذين غدر بهم ارهابيو داعش، ويتحمل قدرا كبيرا من المسؤولية عن مصيرهم عدد من المسؤولين والوزراء والنواب المنتمين إلى 14 اذار ممن كانت لتدخلاتهم في قضية العسكريين المخطوفين آثار سلبية أدت إلى نهايتهم المأساوية.
أهالي هؤلاء الشهداء كم كان رد فعلهم نبيلاومتساميا، في صمتهم البليغ، وفي حزنهم العميق، وألمهم الذي انهدت له قواهم، وانحنت تحت وطأته اكتافهم، وهم يتلقون أخيرا النبأ الفاجع عن استشهاد أبنائهم. لقد مضت اكثر من ثلاث سنوات على صبرهم وتحركاتهم لمعرفة مصير أبنائهم المخطوفين لدى داعش من دون ان يحصلوا على أية نتيجة. وهكذا بقوا معلقين بين اليأس والأمل والشوق والتوجس فيما تتلاعب بأعصابهم مناورات المصطادين في المياه العكرة والمتواطئين مع الخاطفين، والعجز المعيب الذي أظهره المسؤولون في أعلى مراتب الدولة. أكان ينبغي إطالة أمد عذابهم كل هذه المدة؟ وهل يأتي يوم قريب يحاسب فيه كل متورط في قضية العسكريين المخطوفين في بلدة عرسال التي حررها الجيش والمقاومة من سيطرة الإرهابيين وحان الوقت للثواب والعقاب؟
ولا أدري لماذا خطر على بالي بإلحاح وأنا أتألم لألم أهالي الشهداء الذي كان يتعاظم في قلق الانتظار يوما بعد يوم، بيتان للملك الضليل امرىء القيس الكندي بعد أن صار مرضه الذي قضى فيه ينتشر في أنحاء جسده شيئا فشيئا وهو يتألم شاعرا باقتراب أجله فقال من قصيدة يصف فيها حاله: 
وبُدّلتُ قرحاً دامياً بعد صحّةٍ
فيا لكِ من نُعمى تحوّلنَ أبؤسا 
فلو أنها نفسٌ تموتُ جميعةً
ولكنّها نفسٌ تقطّعُ أنفُسا

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع