من بيروت إلى بغداد، بدا القرار الأميركي واضحاً في اليومين الماضيين، لإسقاط مفاعيل التقاء القوى المقاومة للإرهاب من على جانبي الحدود اللبنانية السورية رغماً عن «فيتوات» واشنطن، وترحيل ما بقي من المسلحين باتجاه ما بقي لهم في البادية السورية، وبالأخص في مدينة البوكمال في ريف دير الزور الشرقي.
في بيروت، ربما لم تكن مستغربة الجدالات السياسية (المعتادة) إزاء انتصار «التحرير الثاني»، لكنّ الوقع في بغداد جاء ثقيلاً ومحملاً بكثير من الرسائل السعودية ــ الأميركية.
حين خرج رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أول من أمس، منتقداً حزب الله، إذ إنّه رأى أنّ «صفقة الترحيل» تهدّد العراق، سريعاً شعر البعض بأنّ «فتنة البيت الشيعي» التي تسعى إليها السعودية والدوائر الأميركية، قد انطلقت شرارتها من العاصمة التي أوقفت قبل ثلاثة أعوام «التمدد الداعشي» عند أبوابها، في وقت كان فيه الأميركيون يرفضون مساعدتها في أي شيء قبل أن تنفذ طهران وحلفاؤها شروطاً محلية وإقليمية.
وبعدما جاء موقف العبادي «صادماً» لجمهور محور المقاومة، أكملت واشنطن هجومها على الانتصار، لكن من الميدان هذه المرة. إذ استهدفت طائرات «تحالفها الدولي»، ليل أوّل من أمس، طريق الحافلات التي تقل عناصر «داعش» وعائلاتهم باتجاه البوكمال في البادية السورية الشرقية، فيما ظلّ الخبر بعيداً عن الإعلام إلى أن خرج المتحدث الرسمي باسم قيادة «التحالف» الكولونيل ريان ديلون، ليقول: «إننا، في سياق مَنْعِنا القافلة من التقدم شرقاً أحدثنا فجوةً في الطريق، ودمرنا جسراً صغيراً». وعلّقت مصادر مطلعة على الأمر، قائلة إنّ الأميركيين يريدون من هذا الاستهداف القول للعراقيين: «نحن من يحميكم، وذلك بهدف إشعال فتنة بين الشعب العراقي ومحور المقاومة».
الولايات المتحدة التي لا ترغب في تقديم «نصرٍ مجاني» إلى محور المقاومة، خصوصاً إذا كان الإنجاز يساهم في تعزيز الاتصال الجغرافي الممتد من بيروت إلى طهران مروراً بدمشق فبغداد، سعّرت عبر بعض من «أدواتها الافتراضيين» الأجواء حتى تخرج «الجيوش الإلكترونية العراقية» بصورة طبيعية «دفاعاً عن أمن العراق الذي أصبح حزب الله يهدده».
وهكذا اشتعلت نيران الهجمات على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تزامنت تقريباً مع المؤتمر الصحافي الأسبوعي لحيدر العبادي. وقاد الهجوم بعض وجوه «التيّار المدني» العراقي، المدعوم من واشنطن، إضافةً إلى عددٍ من «قادة الرأي» المقربين من السفارة الأميركية في بغداد.
وتشير مصادر عراقية إلى أن بعض «النخب» السياسية العراقية تجد في ما جرى مناسبة للتقرّب من السعودية بذريعة «تحسين اقتصاد العراق»، علماً بأن السفارة السعودية في بغداد شجّعت في الأيام الأخيرة على صدور مواقف معادية لحزب الله وأمينه العام. ولم تستبعد المصادر أن تشهد العاصمة العراقية تظاهرات معادية للمقاومة اللبنانية!.
وقادت واشنطن والرياض خططهما، فيما من المعروف أنّ في محيط مدينتي البوكمال السورية والقائم العراقية، توجد قوات من «الحشد الشعبي»، غرب محافظتي نينوى والأنبار، لكن على بعد يزيد على 80 كيلومتراً (القوة المعادية لداعش، الأقرب إلى البوكمال والقائم، هي قوة تابعة للجيش السوري وحزب الله). إلا أنّ «الحشد» لم يخرج بأيّ بيان يوضح موقفه إزاء المفاوضات والترحيل، فيما تقول مصادر قيادية فيه إنّ «سبب الركون إلى الصمت تبعيتنا المؤسساتية إلى هيئة رئاسة الوزراء». ويشير قائد بارز في «الحشد» أثناء حديثه إلى «الأخبار»، إلى «التسليم بما قاله نصرالله... ورفض مواقف العبادي، خاصة أنّ عدد الدواعش الذين سيُنقَلون لا يشكّل خطراً حقيقياً، والبوكمال بعيدة عن المناطق الحدودية الآمنة».
وتشي مواقف العبادي بوجود ضغوطٍ أميركية (وليس نصائح) دفعته إلى الخروج بتلك التصريحات، وفق عددٍ من المصادر السياسية العراقية. وتأسف وجوه عراقية «لانجرار العبادي وراء الحرب الإلكترونية التي شُنّت على حزب الله ونصرالله... إذ إنّ ركوبه موجة منصات التواصل يعني مجاراته لبعض السابحين في الفلك الأميركي في بلاد الرافدين».
من جهة أخرى، وجد رئيس «ائتلاف دولة القانون» نوري المالكي، في ما جرى فرصةً للدفاع أمام هجمات العبادي، وذلك من باب «الدفاع عن المقاومة ورؤيتها».
وأعلن المالكي في بيانٍ، أنّ «نقل عدد من مقاتلي داعش إلى دير الزور جزء من استراتيجية المعركة»، موضحاً أن «لكل معركة ظروفها وأدواتها الساعية لتحقيق النصر».
واستنكر نائب رئيس الجمهورية العراقي ورئيس الوزراء السابق، الحملة الممنهجة ضد السيد نصرالله، واصفاً إياها بـ«الجهل، والحقد، والانسياق خلف الرأي العام الموجّه عدائياً». وقال إنّ «القرار الذي اتخذه حزب الله قرار صائب، فالحديث عن دير الزور والبوكمال شأن سوري وليس عراقياً».
وتجدر الإشارة إلى أن إتمام صفقة التبادل بين المقاومة وتنظيم «داعش» في منطقة البادية السورية، جرت عرقلتها لسببين: التدخل الأميركي بالطائرات، من جهة، وخلاف داخل تنظيم داعش من جهة أخرى، بسبب مطالبة بعض «الأمراء» في البوكمال برفض استقبال زملائهم المهزومين في القلمون.