أجرى رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري، محادثات مطولة مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تناولت اخر تطورات الاوضاع في المنطقة وانعكاسات الازمة السورية على لبنان وخصوصا ما يتعلق منها بتداعيات النازحين السوريين وسبل مساعدة لبنان لمواجهة هذه الازمة والنهوض بالاقتصاد اللبناني.

وكشف الرئيس الفرنسي بعد المحادثات انه تقرر عقد مؤتمرين في فرنسا خلال الفصل الاول من العام المقبل، الاول لدعم الاقتصاد اللبناني والثاني لبحث مسألة النازحين السوريين.

وكان الرئيس الحريري وصل عند الساعة الحادية عشر الا ربعا بالتوقيت المحلي الى قصر الاليزيه حيث كان في استقباله عند المدخل الرئيسي الرئيس ماكرون وبعد ان ادت له التحية ثلة من حرس الشرف عقدت خلوة بينهما استمرت اربعين دقيقة ثم عقد اجتماع موسع حضره عن الجانب اللبناني القائم بالاعمال غدي خوري ونادر الحريري والمستشار بازيل يارد وعن الجانب الفرنسي كبار مستشاري الرئيس ماكرون ومساعديه.

لقاء صحفي

بعد انتهاء المحادثات عقد لقاء صحافي القى خلاله الرئيس الفرنسي كلمة قال فيها:
“اود قبل كل شيئ ان اشكر رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على زيارته باريس، وقد التقيت ايضا عددا من اعضاء الوفد اللبناني، وتبادلنا الحديث لبعض الوقت، كما اود ان اشكره على المناقشات والمباحثات المثمرة التي اجريناها. وكنا قد التقينا في بيروت في كانون الثاني الماضي في اطار حملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية، ولم انس اللقاء الحار الذي خصني به، واود ان اشكره بشكل خاص على ذلك اليوم”.

أضاف: “ان استقبالي رئيس الوزراء اللبناني اليوم في باريس، يرمز الى هذه العلاقة القوية بين بلدينا واود ان احيي هذه العلاقة الخاصة التي تتجذر ايضا في كافة المواضيع التي بحثناها والمواضيع التي نريد ان نعززها في اطار هذا الوضع الاقليمي المتوتر الذي يواجهه لبنان ايضا.اود هنا ان اقول وان اؤكد لكم دولة الرئيس ان فرنسا ستستمر بالطبع في الوقوف الى جانب لبنان وهذا سيحصل من خلال العلاقات الاقتصادية والثقافية واللغوية الثنائية بين البلدين والتي تحدثنا عنها مطولا والرغبة ايضا في هذا الاطار استعادة مبادرات حسية وسنستمر ونتابع هذا التعاون ايضا خلال زيارة الدولة التي سيقوم بها الرئيس اللبناني ميشال عون الى باريس بعد بضعة اسابيع، وزيارة الدولة هذه ستكون الاولى التي منذ انتخابي وهي ترمز ايضا الى العلاقة التي تربط بلدينا”.

وأردف: “خلال الاشهر الاخيرة خطا لبنان خطوات ومراحل مهمة في سبيل استعادة عمل المؤسسات وتم تشكيل الحكومة ووصل الرئيس عون الى سدة الرئاسة وبعد ذلك وخلال الفصل السابق تم وضع قانون للانتخابات بعد انتظار وقد عملتم كثيرا على ذلك مع الرئيس عون، كل ذلك ساهم في ايجاد الحلول للازمة وللحياة الدستورية والعودة الى الاوضاع الطبيعية. وانتم تستمرون ايضا في اجراء اصلاحات مهمة واود ان اؤكد هنا كم ان فرنسا تعتبر هذه الاصلاحات ايضا اساسية، وبالتأكيد فان اعادة تجديد مجلس النواب ستعتبر ايضا ضمن اطار اعادة الزخم الى لبنان، وفرنسا مصرة على متابعة ومرافقة هذه التحولات.
وما نحن بحاجة اليه واود ان اقوله هنا بشكل واضح جدا، هو اننا نشجع اعادة تعزيز الدولة اللبنانية وضمن هذه الفلسفة سنضع سياستنا للتعاون الاقتصادي بين بلدينا والتطوير ومشاركة المؤسسات والشركات الفرنسية في لبنان، وتطوير تعاوننا الثنائي ومشاركتنا”.

واضاف: “لقد تطرقنا ايضا الى التحديات الامنية وبشكل خاص التهديد الارهابي الذي يشكل ايضا موضوع اهتمام لبلدينا، وفي هذا الاطار اود ان احيي ايضا الاجهزة الامنية العسكرية اللبنانية التي تعمل دون توقف لحماية لبنان من العنف الاعمى الذي يضربه، وحماية حدوده ايضا. وهذه القوى هي التي تحمي وتحافظ على قوة وسيادة بلادكم وعلى الدولة اللبنانية التي ذكرتها منذ لحظات. واود هنا ان اجدد دعم فرنسا الكامل، وذلك من خلال قوات الطوارئ الدولية التي تم تجديد التفويض الممنوح لها وكما تعلمون فان فرنسا ساندت هذه المسالة بقوة، وهي منخرطة بها بشكل كبير ايضا من خلال تواجد 800 جندي فرنسي ضمن اطار قوات الطوارئ وهذا بهدف متابعة تعاوننا في النواحي الامنية والعسكرية ولنتمكن مع شركائنا الايطاليين ايضا وعبركم من مواصلة ما كنا قد بدأناه من خلال مؤتمر روما -2 الذي من الممكن ان يعقد اذا تمكن الجميع من الانتهاء من وضع اللمسات الاخيرة عليه وانا اعلم انكم ستزورون ايطاليا خلال الاسابيع المقبلة”.

تابع: “كذلك تطرقنا الى ازمة اللاجئين ونتائجها على الاوضاع في لبنان جراء الاوضاع الاقليمية، وقد رأيت ذلك بأم عيني في شهر كانون الثاني الماضي عندما زرت مخيما للاجئين، وشاهدت انخراطا فعليا للسلطات العامة اللبنانية ولشركائها وخاصة المنظمات غير الحكومية.
فلبنان يستضيف 1،2 مليون لاجئ على اراضيه ومقارنة بعدد السكان فيه فهذا يشكل عبئا كبيرا والتزاما كبيرين يظهران معا التزام بلادكم الاخلاقي في المنطقة واهمية لبنان في استقرار كل المنطقة في الظروف التي نعرفها. يوجد 9 مليون لاجئ في عدد من الدول المجاورة يعيشون اليوم خارج سوريا ولكنهم يشكلون جزءا من حل الازمة، واود ان اذكر هنا بعدة عناصر، اولا ان فرنسا ملتزمة كليا في اطار التنسيق بمكافحة الارهاب وستستمر بذلك حتى نهاية الدرب، في العراق وسوريا مع تصميمنا على وضع حد لكل اشكال الارهاب في المنطقة. كما ان فرنسا ترغب وكما اعلنت عن ذلك قبل يومين في مؤتمر السفراء، في اطلاق عمل دبلوماسي لبناء السلام والاستقرار السياسي لسوريا وهذا شرط لا بد منه للعودة الى الوضع الطبيعي. وفي هذا الاطار قمنا بمبادرة لتشكيل فريق اتصال يجمع كل الاطراف المعنية بالنزاع، ومن الواضح ان السوريين الذين يعيشون خارج سوريا وان الدول المضيفة لهم، هم جزء من هذا النزاع وسيكون لهم دور هام يلعبونه في اطار فريق الاتصال هذا”.

وأردف: “رغبتنا هي في ان نتمكن من ايجاد مخرج سياسي وعملية انتقال سياسية تسمح بالعودة الى الوضع الطبيعي واستئصال نهائي ودائم لكل اشكال الارهاب في هذه الدولة واعادة عملية البناء السياسي. وفي هذا السياق كررت لدولة الرئيس الحريري ان لبنان هو الان وسيبقى اول متلق للمساعدات الفرنسية كرد على ازمة اللاجئين السوريين ولمساعدتكم على تحمل اعبائها، وانه سيشارك بشكل كامل في العملية الانتقالية”.

وقال: “ولكي نحقق تقدما حقيقيا في هذا المجال، اود ان نتمكن خلال الفصل الاول من العام 2018 عقد مؤتمر للمستثمرين في باريس اذا رغبتم، يهدف الى جمع تمويل خاص للبنان وتمويل عام حكومي لمساعدة لبنان في تنميته الاقتصادية في كل المجالات التي ستسمح للبنانيين وللاجئين المعنيين بالتطور من خلال مشاريع جديدة وتمويل مخصص لها.
وكذلك خلال الفصل الاول من العام 2018 نود ان ننظم مؤتمرا لعودة اللاجئين الى بلادهم بمشاركة الدول الرئيسية المستضيفة لهم في المنطقة لكي يؤخذ هذا الموضوع بالاعتبار بشكل كامل في العملية السياسية وفي المواكبة الاقتصادية والمالية للمنطقة وان تكون هناك معطيات اساسية لاستقرار مستدام لسوريا وللمنطقة كلها،
اضافة الى كل هذه المواضيع نود ان نعزز مع الرئيس الحريري الاساس الذي قامت عليه العلاقات الاستثنائية التاريخية الثنائية، فبلدانا يجمعهما ارث مشترك من الثقافة واللغة، وهذا التراث هو الذي جعل من لبنان همزة وصل بين الشرق الاوسط وبين فرنسا والعالم العربي وهذا ما نريد الحفاظ عليه، وهذا الارث يسمح لنا بالعمل يدا بيد بشكل وثيق مع اصدقائنا اللبنانيين لمواجهة تحديات العالم الحديث كما قلت منذ بضعة ايام. ولهذا السبب اتفقنا مع دولة الرئيس على اعداد خريطة طريق للفرنكوفونية تتبنى عددا من التدابير والاجراءات العملية لنشجع اكثر الفرنكوفية في لبنان ولنعزز مكانة لبنان في الفرنكوفونية وللاستجابة للتطلعات المشروعة للبنانيين تجاهنا”.

وختم قائلا: “نحن مصممون على ان نضع هذا التعاون في المدى الطويل خاصة مع مشاركة كل القطاعات التي ذكرتها لكي يترجم ذلك العلاقة المتميزة بين البلدين. ان زيارة الدولة التي سيقوم بها الرئيس عون في 25 ايلول المقبل ستسمح بلا شك على اعادة التأكيد على الارادة المشتركة لتجديد هذه الشراكة وترجمتها عمليا، ولمناسبة المؤتمرين اللذين ذكرتهما سازور لبنان انا شخصيا عام 2018 لمتابعة واعادة اطلاق المشاريع التي نكون قد بدأناها معا.
دولة الرئيس هذا ما اردت ان اقوله هنا عن فحوى محادثاتنا ومرة اخرى اود ان اعبر لكم عن مدى سروري لاستقبالكم هنا مع الوفد المرافق لك في قصر الاليزيه واكرر لكم ان فرنسا تقف الى جانب بلدكم، دولة لبنانية قوية وتدعم برنامج الاصلاحات في بلادكم”.

الحريري

ثم تحدث الرئيس الحريري فقال: “ان زيارة فرنسا وباريس مصدر سعادة دائم لنا، وكذلك واللقاء بكم والعلاقة بين لبنان وفرنسا كانت دائما علاقة تاريخية وعلاقة ثقافية واقتصادية وفرنسا كانت دوما الى جانب لبنان في الحرب الاهلية وفي السلم، واليوم وكالعادة فان فرنسا تقف الى جانب لبنان.
لقد تكلمتم عن كل المواضيع التي تطرقنا اليها، واعتقد ان هذه العلاقة بين بلدينا متميزة اليوم معكم سيدي الرئيس وعليناان نعزز العلاقة في كل المجالات الثقافية والفرنكوفونية على وجه الخصوص، في هذا الوقت وفي هذه الايام التي نرى فيها الانترنيت ووسائل الاتصال والتكنولوجيا الجديدة التي هي بتصرفنا وربما يمكننا ان نخرج من الاساليب القديمة وان نبث روحا جديدة في الفرنكوفونية بين بلدينا”.

اضاف: “ان موضوع اللاجئين الذي تكلمتم عنه سيدي الرئيس هو موضوع صعب جدا بالنسبة للبنان، فنحن لدينا اكثر من 1,2 مليون لاجئ من سوريا وهذا يشكل عبئا كبيرا على الاقتصاد اللبناني وعلى الامن والبيئة ايضا ويشكل تحديا لكل القطاعات، واعتقد ان النهج الذي سنتبعه الان هو نهج علمي حول سبل حل هذه المشكلة والعمل على ايجاد حلول حقيقية بالنسبة لمؤتمر المستثمرين ومؤتمر عودة اللاجئين وهذه الفرص سوف تسمح لنا بحل هذه المشاكل”.

وختم: “اود ان اشكركم ايضا على دعمكم للتجديد لقوات اليونيفل وعلى دعمكم لعمل المحكمة الدولية من اجل لبنان ولطالما كانت فرنسا داعمة لهذه المحكمة ونشكركم ايضا على كل الدعم الذي تقدمونه للجيش اللبناني ونأمل ان تستمر هذه العلاقة وفي هذا الامل واتمنى ان نراكم قريبا في لبنان بين كل اللبنانيين الذين يكنون لكم الكثير من المحبة”.

مجلس الشيوخ

ثم زار الرئيس الحريري مجلس الشيوخ الفرنسي حيث استقبله رئيس المجلس جيرار لارشيه في حضور اعضاء الوفد اللبناني المرافق وجرى تبادل لوجهات النظر حول سبل التعاون بين لبنان وفرنسا في مختلف المجالات.