بالتزامن مع المناورة الإسرائيلية الموجهة ضد حزب الله، وبعد انتصار المقاومة على الإرهابيين عند الحدود، وجّهت السعودية تهديداً إلى اللبنانين: ما يفعله حزب الله ستنعكس آثاره على لبنان حتماً
كما بعد حرب تموز 2006، كذلك عقب تحرير الجرود عام 2017. في الحالتين، تضع السعودية نفسها في موقع من يريد الثأر من حزب الله. بعدما هُزِم المشروع الإسرائيلي الذي كان مرسوماً للبنان قبل 11 عاماً، خاضت السعودية «مقامرة» غير محسوبة، وصلت إلى حدّ تسليح لبنانيين لمواجهة الحزب، لكنها خسرت المقامرة.
واليوم، وبعدما تمكّنت المقاومة، ومعها الجيش، من هزيمة المشروع الداعشي الذي أراد تحويل لبنان إلى ممر نحو البحر المتوسط (بحسب المعلومات التي كشفها رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون عام 2014، وتحقيقات الجيش اللبناني حينذاك) عادت السعودية لتُسقِط الهدنة التي أعلِنت غداة زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون للرياض بعَيد تنصيبه رئيساً. وهذه المرة، لم تتخذ المواجهة السعودية شكلاً مستتراً، بل إنها لجأت إلى تهديد اللبنانيين علناً، أمس، بتغريدة صادرة عن وزيرها لشؤون الخليج ثامر السبهان على موقع «تويتر». السبهان الذي سبق أن طُرد من العراق الذي كان يشغل فيه سفيراً لبلاده، والذي يتولى حالياً مسؤولية ملف المواجهة مع إيران في كافة دول المنطقة، كتب أمس: «ما يفعله حزب الشيطان من جرائم لا إنسانية في أمّتنا سوف تنعكس آثاره على لبنان حتماً، ويجب على اللبنانيين الاختيار معه أو ضده. دماء العرب غالية».
وفيما اعتمد السبهان تعبير «حزب الشيطان» الذي لطالما استخدمته المجموعات الارهابية التي تقاتل في سوريا، يبقى السؤال الأهم حول الرسالة السعودية من وراء هذا التصريح. فهل أن مرحلة الهدوء والابتعاد عن الملفات الخلافية التي رافقت تشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري قد طويت بقرار خليجي لتعود الأمور الى ما كانت عليه قبيل التسوية الرئاسية؟ وهل اتخذ قرار من الرياض بإطاحة حكومة الحريري وتفجير الوضع الداخلي اللبناني غداة سقوط الرهان السعودي على محاصرة حزب الله من قبل «داعش» و«النصرة»؟ واذا صحّ ذلك، فكيف سيتصرف رئيس الحكومة سعد الحريري إزاء ما سبق، خصوصاً أن حزب الله هو عنصر أساسي في حكومته؟ علماً بأن الوزير السعودي كان قد استثنى رئيس الجمهورية من قائمة الزيارات الرسمية التي قام بها في لبنان منذ نحو 10 أيام وشملت عدداً من المسؤولين، من بينهم رئيس الحكومة سعد الحريري.
في موازاة ذلك، تتزامن تغريدة السبهان والتصعيد السعودي مع محاولات رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع نسف التحقيق القضائي الذي نادى به الرئيس عون لكشف حقائق أحداث عرسال واختطاف العسكريين ومحاسبة المتواطئين. فقد آثر جعجع يوم أمس استقبال وزير الدفاع السابق سمير مقبل في رسالة دعم واضحة له، ذيّلها بتصريح خلال العشاء السنوي للقوات في حدشيت يدعو فيه الى التحقيق في قضية العسكريين «من الفصل الأخير لنرى من عمل على تهريب داعش». وهو بذلك لا يهدف الى تمييع القضية فحسب، بل الى الهجوم على قيادة الجيش التي اتّهمها بالتواطؤ ضمنياً عبر القول: «البعض يقولون إنهم أجروا صفقة مع «داعش» ليعرفوا مصير العسكريين المخطوفين، ولكن كل العالم يعرف أن هؤلاء العسكريين المخطوفين كانوا مع «داعش» ومحاصرين. وبالتالي لو أطبق الجيش عليهم كان سيعرف مصيرهم، سواء كانوا أحياءً أو شهداء، لذا كان يكفي الإطباق على «داعش» لمعرفة مصير العسكريين». ويبدو أن كلمة السر السعودية لمّت شمل 14 آذار من جديد، حيث هاجم حزب الكتائب في بيانه الأسبوعي أمس «السلطة» التي «تقاعست عن اتخاذ الإجراءات الكفيلة باعتقال الإرهابيين وإحالتهم على القضاء المختص؛ وهي بدلاً من ذلك انصاعت لصفقة حاكها حزب الله والنظام السوري خارج الحدود وقضت بخروج الارهابيين سالمين، مفرّطة بذلك بالإنجاز العسكري الذي تحقق، وممعنة في ضرب المرجعية السيادية للدولة اللبنانية». على مقلب آخر، وفي ما أشيع عن صدور نتائج فحوصات الـ«دي أن إي» للجثث التي تم العثور عليها في عرسال، اليوم، نفت مصادر أمنية لـ«الأخبار» الأمر، مؤكدة أنها ما زالت بحاجة إلى وقت إضافي حتى تعلن عنها.
في المقابل، كان لافتاً أمس الخطاب الناري الذي ألقاه عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب نواف الموسوي، والذي هاجم فيه كلاً من الحريري ورئيس حزب الكتائب سامي الجميّل (من دون أن يسمّيه) ورئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان كما كل قوى 14 آذار. فخلال رعايته حفل تكريم الناجحين في الشهادات الرسمية في بلدة حانين الجنوبية، ردّ الموسوي على تصريحات الحريري حول اللاجئين السوريين من باريس، مؤكداً أنها «مواقف تمثل شخصه وحزبه وتياره ولا تمثل الحكومة اللبنانية»، إذ إنها لم تناقش في مجلس الوزراء. ووفقاً للموسوي، تجاوز الحريري الدستور بالتعبير عن رأيه الشخصي، وبالتالي «من حقنا عرض آرائنا الشخصية (...) نعتبر النظام السوري نظاماً شرعياً وحليفاً ومقاوماً (…) ندين أفعال النظام السعودي الإجرامية الإرهابية في حق الشعب في الجزيرة العربية التي تسمى المملكة السعودية، كما ندين إجرامه في حق اليمن دولة وشعباً (…) ندعو العالم المتحضّر إلى محاكمة آل سعود على جرائمهم التي ما زالوا يرتكبونها».
وعن معارك جرود عرسال، لفت الموسوي إلى أن فريق 14 آذار لم يتعامل يوماً مع هذه الأرض على أنها «محتلة»، بل آثر المطالبة سابقاً بمحاكمة الجيش اللبناني. أما عن تحريض رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان على موضوع عدم السماح لداعش بالخروج وضرورة محاكمته، سأل الموسوي سليمان: «أين ذهب شاكر العبسي عندما قاتلت أنت في مخيم نهر البارد ولماذا لم تحاكمه؟ وأين باقي المقاتلين ولماذا لم تحاكمهم وتسوقهم إلى العدالة؟». وبشأن ادّعاء سليمان أنه لم يكن رئيساً حين خُطِف العسكريون، سأل موسوي: «عندما دخلت دورية المخابرات إلى عرسال وجرى سحل جثث الجيش اللبناني في الشوارع، والصور والأسماء معروفة عند مديرية المخابرات، ألم تكن خلال الفترة التي كنت جاثماً فيها على الكرسي؟ فلماذا لم تتحرك لإلقاء القبض على الفاعلين في عرسال؟ ولماذا لم تسقهم إلى المحاكمة؟». كذلك الأمر في ما يتعلق بأحمد الأسير الذي كان «تكفيرياً وداعشياً»، «هل يمكن أن تخبر اللبنانيين لماذا كنت تقدم له طوال فترة وجوده التغطية السياسية والأمنية، وكنت تصدر له بطاقات حمل السلاح؟». وأضاف: «أليس أنت من أفشيت لأحمد الأسير خبر إنهاء حالته؟».
وتحدّث الموسوي عن الطعن الذي قدّمه نواب حزب الكتائب وبعض النواب الآخرين في قانون الضرائب، مشيراً الى أن «المخاض الذي جرى التطبيل والتزمير به هو من أجل الضرائب التي فرضت على أرباح المصارف والشركات العقارية، ولا يدافع عن حقوق المواطن اللبناني بل يسعى إلى حماية أحد أطراف التخمة المالية». وأعلن أنه أياً يكن قرار المجلس الدستوري «لن نقبل أن تنفذ المصارف من فرض ضريبة على أرباحها، وإذا لم تكن بهذا القانون فستكون بقانون ثان سوف نعمل له».