المصلحة السياسية في لبنان، والتطورات العسكرية في سوريا، تتطلّبان أن يكون الحزب السوري القومي الاجتماعي خالياً من الأزمات الداخلية التي قد تُعكر تطوره. لذلك، بادر حزب الله إلى التوسط بين «الرفقاء» المتخاصمين علّه يُصلح ما أُفسد

قرابة سبعة أشهر مرّت، من دون أن يتمكن المتخاصمون داخل الحزب السوري القومي الاجتماعي من حلّ خلافاتهم الحزبية، على الرغم من تعدّد الملفات التي تستوجب منهم تحصين ساحتهم الداخلية، كالحرب السوريّة التي يُشارك فيها تنظيمهم العسكري «نسور الزوبعة»، والانتخابات النيابية العام المقبل. ولكنّهم عوض أن يُنظّموا حواراً فعالاً يُجنّبهم خضات هم في غنى عنها، تركوا المدى مفتوحاً أمام أزمتهم الداخلية، إلى أن قرّر حزب الله، قبل قرابة شهر، تلقّف المبادرة والعمل على إيجاد أرضية مشتركة بين الأفرقاء المتخاصمين.

في كانون الثاني الماضي، بدأت الأزمة داخل «القومي»، نتيجة قبول رئيس الحزب علي قانصو تولّي منصب وزاري من دون العودة إلى المجلس الأعلى، الذي عليه أن يُجيز للرئيس المزاوجة بين منصبه وأي منصب رسمي آخر، كما ينص دستور «القومي». قدّم، في حينه، رئيس المجلس الأعلى محمود عبد الخالق، والرئيس السابق للحزب جبران عريجي، ونائب رئيس الحزب السابق توفيق مهنا، والأمين العام للمؤتمر العام للأحزاب العربية قاسم صالح، والنائبان السابقان غسان الأشقر وأنطون خليل، استقالاتهم. ولكن، لم تُتلَ الاستقالات في أول جلسة للمجلس الأعلى بعد تقديمها، لأنّ أصحابها علّقوا العمل بها بعد أن قبلوا إجراء حوارٍ مع النائب (وأبرز قياديي «القومي») أسعد حردان. الحوار الذي بدأه عبد الخالق، وكان هدفه «حلّ الأزمة الداخلية»، لم يُكتب له النجاح.

 

أسابيع طويلة مرّت، من دون أن يتجاوز المتحاورون اعترافهم بوجود مُشكلة إلى مرحلة البحث عن حلولٍ لها. حتّى إنّ «الوسيط» بين الفريقين، وائل حسنية، علّق عمله الحزبي، رافضاً عرض حردان له بأن يتولّى منصب نائب رئيس «القومي»، بعد اعتكاف نائب الرئيس وليد زيتوني في حزيران الماضي عن القيام بمهماته احتجاجاً على «خرق الدستور» من قبل رئيس الحزب، وقد قدّم طعناً إلى المحكمة الحزبية مفاده أنّ قانصو خالف القوانين الحزبية. الاعتكافات لم تقف عند هذا الحدّ؛ فهناك خلافات أيضاً بين رئيس المحكمة الحزبية حسين عيسى، والرئيس الرديف للمحكمة بسام نجيب، الذي يُهدّد بالاستقالة. كلك فإنّ الحزبيين زهير فياض وفارس سعد زارا حردان لإبلاغه نيتهما تقديم استقالتيهما، «ولكنه تمكّن من إقناعهما بالعدول عن ذلك»، بحسب المصادر.
جاء قرار حزب الله بالمبادرة، وبعث أحد أعضاء المكتب السياسي موفداً للقاء المتخاصمين، انطلاقاً من أهمية «إعادة اللحمة بين القوميين وتقوية وضعهم بين لبنان وسوريا التي يُشاركون في تحريرها، ولمّ شمل محور 8 آذار بما يتلاءم مع الاستحقاق الانتخابي المُقبل». الرسول حمل رسالتين إلى الفريق الأول المُمثل بحردان، والفريق الثاني المُمثل بأنطون خليل، مفادهما «ضرورة تهدئة الوضع وعدم التصعيد». تزامن ذلك، مع «اعتراف» حردان وعددٍ من المقرّبين منه بوجود «أزمة ويجب حسم هذا الموضوع. نحن بحاجة إلى كلّ الكوادر، لذلك يجب أن نجلس ونتفاهم»، كما تنقل المصادر. بالنسبة إلى قوميين مناوئين لحردان، «هو غير جدّي، لأنه ما زال يتحدّث عن المشكلة بشكل عام من دون الغوص في التفاصيل». ولكن أيضاً يُسجّل على الأعضاء المستقيلين أنّهم يتغيّبون عن حضور جلسات المجلس الأعلى، لأسباب شتّى.
تقول المصادر المُتابعة لمبادرة حزب الله إنّ حردان «وعد بمعالجة الأزمة». وفي آخر لقاء بين الرئيس السابق لـ«القومي» وموفد حزب الله، الذي حصل يوم الأربعاء، «كانت الأجواء إيجابية، وتشير إلى أنّ الحلّ بات قريباً، ويتمثل باستقالة قانصو من منصبه»، من دون أن تظهر هوية الرئيس البديل، في ظلّ تمسّك حردان برفضه شخصية يطرحها الفريق المُعارض، وضيق الخيارات أمامه بين الموالين له. بحسب المصادر، «حاول حردان قبل فترة تسويق حنّا الناشف، ولكن انقطع التواصل بينهما منذ أسابيع».
قبل لقاء الأربعاء، لم تكن الأمور إيجابية، «بسبب تمسّك القوميين بتفاصيل صغيرة تُعرقل حلّ الأزمة»، كما تقول المصادر المُتابعة. ولكن، يبدو أنّ الجميع استشعر وطأة الخلافات الداخلية، وانعكاسها على الاستحقاقات المُقبلة. النيّة موجودة بالتوصل إلى حلّ يُرضي الجميع، أكان باستقالة قانصو من الوزارة، أم رئاسة الحزب، أو يوافق المجلس الأعلى على بقائه في المنصبين معاً، على أن يطلع الدخان الأبيض، في مهلة أقصاها مطلع تشرين الأول المقبل.

المصدر: جريدة الأخبار