لا يمر الوزير السابق أشرف ريفي في أفضل أيامه السياسية. القصة لا تتعلّق فقط بفشل رهانه الإقليمي، وانطفاء وهج خطابه السياسي، والأزمة المادية التي يمّر فيها؛ فالخلافات بين أعضاء فريق عمله تكثر، وتنسحب أيضاً على المناصرين له في الشارع، الذين بدأ «الوازنون» منهم يُعبّرون عن امتعاضهم من تصرفات «المسؤولين الريفيين»

هادئة كانت طرابلس في بحر الأسبوع المُنصرم. المدينة التي استُعملت كـ«طريق عبور» لمحاربة الدولة السوريّة، تلتقط أنفاسها في لحظة تبدل إقليمية. رويداً رويداً، انتفت مطالب إسقاط الرئيس السوري بشّار الأسد، لتحلّ محلها مُخطّطات إعمار بلاد الشام انطلاقاً من لبنان.

وطرابلس ليست إلاّ إحدى البوابات لتحقيق هذا الهدف. الأهالي يتنفسون الصعداء، بعد أن أثقلت أكتافهم شعاراتٌ انتخابية، لم تزدهم إلاّ فقراً وعوزاً. «سقطت هذه الخطابات، وتحديداً خطاب (الوزير السابق) أشرف ريفي»، تقول مصادر سياسية طرابلسية لا تُعتبر من خصوم اللواء المتقاعد. ففي كلّ مرّة رفع ريفي الصوت «مُهدّداً» بعدم السماح، مثلاً، بانتخاب رئيسٍ للجمهورية من فريق 8 آذار، «كان يحصل العكس. أدّى ذلك إلى تراجع ثقة الناس به». ليست المواقف السياسية والتحولات في العالم العربي وحدها التي «انقلبت» على ريفي. هناك عاملٌ آخر، أشدّ وطأةً عليه، هو «الشحّ في الخدمات، ومرور أربعة أشهر من دون أن يدفع رواتب الموظفين لديه». مُعظم القوى السياسية في المدينة، كرئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، تُمارس «التقنين» على مستوى المال السياسي، ولكن «الفرق أنّها لم تقطع رواتب الموظفين». المصادر الطرابلسية ترى أنّ «الحنفية الخليجية» أُقفلت مع ريفي. قسمٌ من المنتفعين السابقين من ريفي حاولوا دقّ باب ميقاتي. وقسمٌ آخر لجأ إلى الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري، الذي كان واضحاً «بأنّه قادرٌ على تأمين الخدمات التي لها علاقة بوزارة الداخلية وقوى الأمن الداخلي، ولكن ليس المادية». مصادر ريفي تُصرّ على نفي أن يكون قد تلقّى «أيّ مال من السعودية أو من الإمارات العربية». القصّة تتعلّق «بأربعة أفراد كانوا يُساعدون اللواء، يمرون اليوم بأزمة مادية».

مشكلة ريفي ليست في ما تقدّم وحسب، بل في الجبهة، الدائمة الاشتعال، بين العاملين معه والمقرّبين منه. تُقسّم المصادر الطرابلسية «جماعة» ريفي إلى مستويين؛ الأول، يضّم مدير المكتب رشاد ريفي، ورئيس جمعية «الناشطون» أحمد خوجة، وأحد مستشاريه العميد فواز متري، ومسؤول «شباب اللواء أشرف ريفي» علي صبحة، والمسؤول عن العلاقة مع أبناء «المناطق الشعبية» المؤهل عمر البحر. هؤلاء «تربط علاقة سيّئة بعضهم بالبعض الآخر. وكُلّما اجتمع اثنان منهم، حاولا «الحفر» للثالث». أما المستوى الثاني، فيتعلّق بـ«مفاتيح» الأحياء المحرومة في طرابلس. علاقتهم «سيّئة بالبحر وخوجة، وهم يُعبّرون عن هذا الأمر علناً، إما في الشارع أو من خلال المجموعات على تطبيق الواتساب». تُقدّم المصادر مثالاً على ذلك، توجيه كلّ من «يوسف بكّور، وحسام مراد، وطلال شعبان، تهديدات إلى البحر عبر الواتساب». تقول المصادر إنّ الشباب المذكورين من «الأساسيين مع ريفي في الأحياء الطرابلسيّة. بعد الوساطات، سُرّبت صورة لهم وهم يُقبّلون يد البحر مُعتذرين». كذلك انتشر فيديو للشاب يوسف حمدان، المُقرّب من ريفي، يرد فيه على اتهام البحر له بأنّه تلّقى أموالاً من مكتب نجيب ميقاتي، بعد زيارته له. تحدّى حمدان البحر قائلاً له: «أنا زلمي. بطلّع مصاري مش بحاجة لمصاري. أنا زلمة أشرف ريفي، وإنت ما بتجبلو إلا المسبّات». يُضاف إلى ذلك، «انشقاق» عمر الشامي عن ريفي والتحاقه برئيس الحكومة سعد الحريري. الشامي زار الوزير السابق قبيل توجّهه إلى الحجّ. وفي حين تقول مصادر ريفي إنّ «الهدف كان الاعتذار بعد مؤتمر الشامي الصحافي»، تؤكد المصادر الطرابلسية أنّ «الشامي بقي ملتزماً خيار الانفصال عن ريفي». كان من المفترض أن ينضم إلى الشامي في مؤتمره الانشقاقي هيثم فرحة والمختار السابق عبدالله البقّار. نتيجة «التهديدات التي تلقّياها، تراجعا عن خطوتهما»، قبل أن يُعلنا قبل أيّام «ابتعادهما عن ريفي»، بحسب المصادر الطرابلسية.
لا يجمع بين المحيطين بريفي سوى ريفي نفسه. ولكن تأثيرهم السلبي عليه هو «نقلهم صراعاتهم إلى الشارع، وعمل كلّ منهم على خلق جماعته». لمصادر ريفي رأيٌ آخر. لا تنفي الأخبار المتناقلة، بيد أنّها تُحاول تبسيطها، عبر الإيحاء بأنّ «الحالة التنظيمية لم تؤطّر بعد. لم يتركنا سوى شخص أو اثنين. وعمر الشامي أصلاً أبعدناه قبل فترة». ترى أنّ «المناوشات موجودة دائماً. لعبة مدّ وجزر بين أفراد يتنافسون»، تقول المصادر عن فريق عمل ريفي. لا أحد يعرف مصدر الأرقام التي تستند إليها مصادر ريفي لتأكيد ثبات شعبيته، «واقتناع الناس بمن يتكلّم عن وجعهم»، فتقول إنّ ريفي يحظى بـ«26% من الناخبين الطرابلسيين كقوة تجييرية، في مقابل 20% لميقاتي، و18% لتيار المستقبل».


ميقاتي وريفي: أنا وابن عمّي على الحريري

قبل أشهر، طلبت السعودية من الوزير السابق أشرف ريفي تحييد رئيس الحكومة سعد الحريري عن هجماته السياسية، وعدم مواجهته. أعاد الوزير السعودي ثامر السبهان «إملاء» الأمر نفسه على ريفي، خلال زيارته الأخيرة للبنان. تزامن ذلك مع الشحّ المالي الذي يُعاني منه اللواء المتقاعد، وتراجع خطابه السياسي، ليظهر كأنه «يعيش حالة ضعف وفراغٍ»، بحسب مصادر طرابلسية. أمام هذا الواقع، وجد أنّ من الضروري «القيام بحراكٍ ما، فكان الانفتاح على رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي». وللمناسبة، فإنّ الحديث عن تقارب بين الرجلين بدأ قبل قرابة سنة. زار ريفي بلدية طرابلس، وترك أعضاءها في حالة ذهول بعد أن أشاد بميقاتي، «مُبشّراً» بتعاون إنمائي بينهما، لا سيّما في ملفات الكهرباء والمستشفيات والعمل البلدي. كبّر ريفي الهالة حول تعاونه مع ميقاتي، علماً بأنهما لم يتفقا سوى على التعاون لتسهيل عمل البلدية لما فيه مصلحة المدينة. تتحدّث المصادر الطرابلسية عن اتفاق علني وسرّي، بين ميقاتي وريفي، «على عدم الاشتباك أحدهما مع الآخر في الشارع. مصلحتهما ضدّ الحريري تقتضي ذلك». ما المدى الذي ستصله هذه العلاقة سياسياً؟ «لن ترتقي إلى أيّ مستوى»، تؤكد المصادر.

المصدر: ليا القزي - الأخبار