إن مصائب وأزمات الأكراد وشعوب المنطقة في الشرق الأوسط وغيرهم في بقاع آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، هي من صنع سياسات الاستعمار الغربي بكافة أساليبه القديمة والحديثة.
فبعد الحرب العالمية الأولى لجأ الحلفاء الى رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط فرضت تقسيم المنطقة العربية الى كيانات مستقلة تحت نظام الانتداب. وشمل هذا التقسيم الأكراد أيضاً إذ باتوا موزعين بين تركيا وسوريا والعراق وإيران وغيرها.
ما هو الهدف إذن من تقسيم المنطقة؟ من الواضح والثابت تاريخياً أن الهدف كان إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين (وعد بلفور)، إذ تزامنت اتفاقية سايكس بيكو مع وعد بلفور وتزامنت قضية دولة اليهود في فلسطين مع قضية الأكراد وإقامة دولة كردستان الكبرى.
وبعد قيام دولة "إسرائيل" عام 1947 ظلت سياسة الدول الغربية تهدف الى تعميق الانقسامات ودعم الحركات الانفصالية بما فيها الأكراد وضرب أي دولة أو جهة تكنُّ العداء لـ"اسرائيل" وترفض الاعتراف بها. فكان العدو الأول، القومية العربية بقيادة عبد الناصر وكانت ضربة1967 ، والعدو الثاني، كان التضامن العربي وسلاح النفط إبان حرب تشرين 1973 فكان كامب ديفيد وسياسة كيسنجر: الخطوة خطوة من أجل تغيير وجه الصراع  وتعميق الانقسامات في المنطقة وبدا ذلك من خلال إشعال حروب الخليج الأولى والثانية وتغطية اعتداءات  "إسرائيل" على المقاومة في لبنان وفلسطين. أما العدو الثالث، فكان الجمهورية الاسلامية في إيران بعد الثورة (1979) والتي أعلنت دعم المستضعفين في العالم وبخاصة دعم فلسطين وتحرير القدس. 
لذا أصبحت الدول الممانعة والرافضة للتسوية مع "إسرائيل" والداعمة لحركات المقاومة ( ايران وسوريا والعراق واليمن وكانت ليبيا في مرحلة من المراحل والسودان)، مستهدفة من قبل المشروع الأميركي الصهيوني على مستوى الشرق الأوسط.
وفي ظل هذه الأجواء والتطورات استفاد الأكراد من السياسات الغربية وراحوا يوظفونها من أجل دعم حركاتهم الانفصالية ودعواتهم الاستقلالية. وظهر ذلك جلياً في العراق بعد حرب الخليج الثانية وعاصفة الصحراء إذ نعموا بمنطقة حظر جوي بحماية الحلفاء، وبعد احتلال العراق عام 2003 حصلوا على كيان فيدرالي بموجب "دستور بريمر".
وأخيراً نراهم يرفعون الصوت عالياً، سواءٌ في العراق أو سوريا إبان ما تشهده المنطقة من أحداث منذ عام 2011 ، مطالبين بالانفصال التام عن الحكومات المركزية من أجل تحقيق حلمهم القديم في إقامة دولة كردستان الكبرى. 
وها هم اليوم يستفزون الجميع بالخطوة التي يذهبون اليها نحو إجراء استفتاء لانفصال إقليم كردستان عن العراق في الموعد المحدد بتاريح 25 ايلول الجاري، وما سيترك ذلك من أثر سلبي وتقسيمٍ للعراق، اذ حذر المالكي من تداعيات استفتاء كردستان مؤكداً عدم الشسماح بـ"اسرائيل" ثانية .
وإيران تعتبر انفصال اقليم كردستان عن العراق عامل تهديد لأمنها القومي، لما لذلك من ارتباطات مباشرة للإقليم مع "إسرائيل" وخطوة نحو الاستعداد لبناء الدولة الكردية التي ستطل على إيران كعين ساهرة ومراقبة لها وهذا بالطبع ما لا يمكن أن تقبله إيران على الإطلاق. 
وكذلك تركيا التي ترى هذا الانفصال مصدر قوة للأكراد، إن حصل، ففي ذلك يتأثر أكراد تركيا فيطالبون ببناء دولة مستقلة لهم إضافة الى الخوف الذي ينتاب تركيا من أكراد سوريا في ظل الاوضاغ الأمنية والعسكرية في سوريا ومطالبتهم ببناء دولة كردية.
لذا نرى اليوم التغيرات السياسية التي تطرأ في المنطقة والتي ستولد تحالفات جديدة حيث الدولة الاكثر قلقاً فيها هي تركيا، التي شعرت بالخطر الكردي لتتحالف مع إيران لردع بناء أي دولة كردية لإدراكها أن لعبة الأمم تغيرت لصالح محور المقاومة والتي على رأسها إيران. 
فالأكراد، كغيرهم من شعوب المنطقة يراهنون على الأحداث، ليحددوا مصيرهم، فحلم الدولة الكردية الكبرى هو حلم كل الأكراد. سننتظر ردود الأفعال لكل الدول المجاورة  لكردستان العراق وردود أمريكا التي لا تعمل الا لصالح أجندتها في الشرق الأوسط وطبعاً المستفيد الأول "إسرائيل" التي سيكون رد فعلها جلياُ.
فكردستان ما بعد الانفصال حتماً هي ليست كما قبل الانفصال وحلم مسعود البرزاني إن تحقق، يعني ذلك تحقيق حلم "إسرائيل".


 

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع