يدفع رئيس مجلس النواب نبيه بري باتجاه تقريب موعد الانتخابات النيابية، عبر اقتراح قانون معجل يقضي باختصار ولاية المجلس وإجراء الانتخابات قبل نهاية العام. ويُعدّ موقف بري بمثابة قرار بالمواجهة، وقبول تحدّي العونيين له بتقريب موعد الانتخابات
يبدو الطاقم الحاكم في لبنان أمام استحقاق بالغ الدقة. إما السير بالطرح الذي فجّره رئيس مجلس النواب نبيه برّي بتقريب موعد الانتخابات، أو التجرؤ على الدستور وترحيلها للمرّة الرابعة في حال عدم الاتفاق على كيفية تطبيق القانون. وفي محاولة منه لقطع الطريق أمام أي تأجيل، أطلّ برّي معلناً بعد اجتماع لكتلة «التنمية والتحرير» أمس «تقديم الكتلة اقتراح قانون معجل مكرر لتعديل المادة 41 من القانون 44، واختصار ولاية المجلس النيابي، فتنتهي في آخر العام، أي في 31 كانون الأول، على أن تجرى الانتخابات قبل هذا التاريخ».
ويبدو أن الرئيس برّي اتخذ قرار المواجهة، إذ تُعدّ خطوته بمثابة تحدّ للقوى السياسية، بعدما تحداه التيار الوطني الحر يوم الأربعاء الماضي، في مقدمة نشرة أخبار تلفزيون «أو تي في»، داعياً إياه إلى تقديم اقتراح قانون عبر أحد نوابه لتقصير ولاية المجلس وإجراء الانتخابات في أقرب فرصة ممكنة.
ويبدو تفصيل اعتماد «البطاقة الممغنطة» أو «بطاقة الهوية البيومترية» مناسباً لنسف قانون الانتخاب برمته. فالإصرار على اعتماد بطاقة خاصة للانتخابات يبدو غير مبرر، وغير مفهوم. فإذا رضي المطالبون بالبطاقة بأن تكون بطاقة الهوية هي المعتمدة، فلماذا لا تُستخدم بطاقة الهوية الحالية؟ وإذا كانوا يعترضون على التسجيل المسبق، فلماذا يقبلون تطبيقه على المغتربين؟ أسئلة لا تجيب عنها مصادر التيار الوطني الحر سوى بعبارة واحدة، من دون تقديم إيضاحات عملية لها: نسف البطاقة الممغنطة استهداف للمسيحيين وانقلاب على قانون الانتخاب.
مصادر عين التينة تقول: «لسنا ضد البطاقة الممغنطة، رغم أنها غير مستخدمة في أي دولة في العالم. ولا أحد يُنجز بطاقات هوية لجميع المواطنين قبل 4 أشهر على الانتخابات النيابية. ونحن ضد كلفتها المرتفعة، وضد تلزيمها بالتراضي، ولا نثق بقدرة الدولة على إنجازها في المدة الفاصلة عن موعد إجراء الانتخابات». وعندما سألت «الأخبار» عن سبب عدم اعتراض وزراء حركة أمل على إقرار تلزيم بطاقات الهوية بالتراضي في مجلس الوزراء أول من أمس، أجابت مصادر عين التينة بالقول إن «الوزير علي حسن خليل قال إنه لن يدفع أي ليرة لتمويل هكذا صفقة، من دون إقرار الاعتماد في مجلس الوزراء». فهل هذا يعني أن خليل نصب فخاً لمجلس الوزراء بإحالة الملف على مجلس النواب؟ لا تنفي مصادر عين التينة ذلك، مشيرة في الوقت عينه إلى أن الحل هو إجراء الانتخابات في أقرب فرصة ممكنة، ببطاقة الهوية وجواز السفر، وترك أمر استخدام البطاقة البيومترية أو الممغنطة إلى ما بعد 4 سنوات، ليكون لدى الحكومة الوقت الكافي لإجراء مناقصة شفافة تضمن حصول الدولة على أفضل سعر ممكن للتنفيذ. ولفتت المصادر إلى أن كلفة إجراء الانتخابات، في حال اعتماد البطاقة البيومترية ستصل إلى 186 مليون دولار، منها نحو 53 مليون دولار للوجستيات إرجاء الانتخابات مهما كانت طريقة الاقتراع، ونحو 40 مليون دولار كلفة بطاقات الهوية البيومترية، والباقي للجانب التقني المتصل بهذه البطاقة (أجهزة القراءة، شبكة ربط مراكز الاقتراع، خوادم مركزية كبرى لحفظ البيانات، وبرامج التشغيل، ونحو 1200 مختص، بينهم نحو 600 مهندس لتشغيل البرامج والماكينات).
ورأت المصادر أن اعتماد بطاقة الهوية الحالية وجواز السفر للاقتراع، مع التسجيل المسبق للناخبين الذين يريدون التصويت في أماكن سكنهم، يخفض كلفة الانتخابات إلى أقل من 60 مليون دولار، أي نحو 30 في المئة فقط من الكلفة المقترحة للانتخاب باعتماد البطاقات البيومترية. ولفتت المصادر إلى أن معظم الدول الغربية تعتمد التسجيل المسبق للناخبين، وبعضها يفرض التسجيل المسبق على كل من يريد الاقتراع، لا على من تغيّر مكان سكنه أيضاً.
وأكدت مصادر عين التينة أن اقتراح تقصير ولاية المجلس الممدّدة لن يُطرح على مجلس النواب اليوم، بل سيُرجأ إلى الجلسة المقبلة، بعد نحو 10 أيام، لحين نضوج الاتصالات بشأنه. ورأت أن مختلف القوى السياسية ستكون محرجة في رفض إجراء الانتخابات قبل نهاية العام الجاري.
وأتى طرح بري بعد موافقة مجلس الوزراء في جلسته الاستثنائية منذ يومين، على تطوير بطاقة الهوية الحالية الى هوية بيومترية مزودة ببيانات شخصية عن الناخبين تعتمد في العملية الانتخابية. لكن يبدو أن برّي لن يسهّل هذا الأمر تشريعياً، وخصوصاً أن اكتمال هذه الخطوة يتوقف على ما سيصدر عن المجلس النيابي، في ما يتعلّق بعملية تلزيم طبع البطاقة البيومترية بالتراضي، نظراً الى ضيق الوقت. إذ، بعيداً عن الجانب التقني، أصبح واضحاً أن معركة سياسية تلوح في الأفق بين برّي من جهة، والرئيسين عون وسعد الحريري من جهة أخرى، وخصوصاً أن برّي لن يقبل باتفاق رضائي، ويصرّ على إجراء مناقصة عبر إدارة المناقصات. ويعتبر أن حجّة التلزيم بالتراضي التي تقول بأن الشركة تملك وحدها البيانات المطلوبة غير مقنعة، لأن البيانات هي ملك الدولة، وموجودة في وزارة الداخلية وتستطيع أي شركة الحصول عليها.
في المقابل، أكّدت مصادر وزارة الداخلية أنها «لن تكون قادرة على إجراء الانتخابات بالاعتماد على البطاقة الممغنطة، إلا إذا بدأت إجراءات تنفيذ مشروع إصدار هذه البطاقة في بداية تشرين الأول، وأن أي تأخير يعني أن على المجلس النيابي إجراء تعديل لناحية استخدام البطاقة»، علماً بأن «الوزير نهاد المشنوق يعتبر أن الطريق الأمثل لاقتراع من يشاء في مكان سكنه هو التسجيل المسبق». فيما علق المكتب الإعلامي لوزير الداخلية على اللغط الحاصل حول آليات تنفيذ قانون الانتخابات قائلاً إن «الوزير المشنوق وقوى أساسية في الحكومة صوتوا ضد العقد بالتراضي، لكن وافقوا عليه تحسباً من استحالة تطبيق المادة 84 من قانون الانتخابات». وأكد المكتب في بيان له أن «وزارة الداخلية لم تتهرب من مسؤولياتها، بل يقتصر دورها على تنفيذ ما يقرره مجلس الوزراء بعد اتفاق القوى السياسية عليه».
من جهة أخرى، تشكّل إطلالة الرئيس عون من نيويورك حدثاً لافتاً، باعتبار أنها المرة الأولى منذ 4 أعوام يتمثّل لبنان في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة برئيس الجمهورية. وقد استهل عون زيارته، بلقاءين مع كل من رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر بيتر مورر، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط.
فضل الله يرد على «تحذيرات» السفارات
وتعليقاً على القلق الأمني الذي أثارته بيانات السفارات الأجنبية، أكد عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله أنه «لا يحق لأي سفارة أجنبية في لبنان أن تتحدث عن أمننا الداخلي، وما جرى في الأيام الماضية مخالف للأصول الدبلوماسية». وأضاف: «في لبنان استطعنا أن نحمي أمننا ونحرر أرضنا، وربما يشعر اللبناني بالاطمئنان والأمن أكثر ما تشعر به عواصم السفارات التي أثارت القلق في الأيام الماضية، وكل هذا بفضل تضافر جهود الأجهزة الأمنية وبفضل جهود جيشنا الوطني وتضحيات مقاومتنا الباسلة».