أفلح الضغط السياسي في فتح التحقيق في ملف أحداث عرسال عام 2014 وتكليف مديرية المخابرات في الجيش به. التحقيق العسكري يخضع للموجبات التي تقتضي جلاء ملابسات ما حصل قبل خطف العسكريين وبعده. والبداية بالتحقيق مع موقوفي رومية

كشفت معلومات أمنية موثوقة لـ«الأخبار» أن التحقيق العسكري في أحداث عرسال عام 2014، الذي بدأته مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، يتركز على شقين: الأول عسكري داخلي، والثاني يتعلق بالمدنيين الموقوفين في سجن رومية والمتورطين في هذه الأحداث وفي خطف العسكريين وقتلهم.

أما الشق الثالث الذي يفترض العمل به ويتعلق بما أحاط بمعركة عرسال سياسياً من اتصالات ومفاوضات وقرارات حكومية، فمتروك حالياً للقرار السياسي، في ضوء حملة التجاذب السياسي بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، وزيارة قائد الجيش السابق جان قهوجي للسرايا الحكومية، ودخول الرئيس نبيه بري على خط الدفاع عن قهوجي والرئيس تمام سلام، وضغط نواب تيار المستقبل ووزرائه لطيّ ملف التحقيق، لتترك هذه الحملة جملة أسئلة عن المسار الذي قد ينعكس مستقبلاً على مستوى القرار الذي قضى حتى الآن بعدم شمول التحقيق المستوى السياسي من المسؤولية عن أحداث عرسال، ورمي كرة النار بين يدي الجيش وحده.
وفي انتظار جلاء نتيجة هذا الضغط، باشرت مديرية المخابرات فتح ملف التحقيق بناءً على تكليف القضاء، والعمل على جملة عناصر أمنية وعسكرية:
أولاً، باشرت المخابرات إعادة درس وفتح ملفات نحو مئة موقوف، في سجن رومية، منهم من سبق أن اعترف بصلته بخطف عسكريين وذبحهم، وحوكم على هذا الأساس، وبعضهم من كانت له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بأحداث عرسال قبل خطف العسكريين وبعدها. وتنكب مديرية المخابرات حالياً على درس هذه الملفات والتحقيقات التي أُجريت مع أصحابها، لأن جزءاً أساسياً من التحقيق يقوم على توضيح كل ما أحاط بتلك المرحلة وكشف كافة المتورطين فيها من مدنيين أسهموا بطريقة أو بأخرى في خطف العسكريين وقتلهم.

وإعادة درس هذه الملفات هي توطئة لإعادة التحقيق مع من ترى الأجهزة المختصة أنهم متورطون وقادرون على إضافة معلومات تفيد في جلاء كافة الملابسات. وهذا الجزء أساسي ومهم ومتشعب، ولا سيما أن إعادة التحقيق مع المتورطين ستكون على خلفية المستجدات الأخيرة وما انكشف من أحداث يعتقد أن لهم صلة بها. وهذا التحقيق يحتاج أشهراً لإعادة رسم العملية كلها وما دار قبلها وخلالها وبعدها، كما يحصل خلال أي عملية إرهابية تحصل في دول العالم.
ثانياً في الشق العسكري، تنكبّ مديرية المخابرات حالياً على تركيب «الصورة العامة» للتحقيق العسكري الداخلي، ورسم إطاره واتجاهه وتحديد من ستستدعيهم المديرية للتحقيق. وفقاً لذلك، لم يبدأ التحقيق بعد أخذ مساره في شقه العملاني، والأهم بحسب ما أكدت مصادر عسكرية بارزة لـ«الأخبار»، أن كل ما يقال عن مسار التحقيق وما يجري فيه عارٍ من الصحة، وبالتالي إن المديرية لن تدخل في تفاصيل التحقيقات، لا الآن ولا لاحقاً، وكل ما تضعه من معلومات سيبقى في الإطار العام لا أكثر ولا أقل، لأن السرية في هذه المرحلة واجبة وضرورية لسلامة التحقيق، وتأتي حرصاً على الوصول إلى نتائج مرضية وواضحة.
ثالثاً، إن التحقيق العسكري الداخلي واجب أساسي على الجيش، لتحديد المسؤوليات وكشف «الثغرة العسكرية» إذا وجدت. وحتى الآن لا يتحدث الجيش عن أخطاء ارتكبت ليجري التحقيق على أساسها أو عن توجيه اتهامات، إنما يتكلم عن حادثة كبيرة حصلت في 2 آب عام 2014، هوجمت خلالها مراكز عسكرية وخطف عسكريون وحصلت تطورات خطرة، يجب التحقيق فيها ومعرفة حيثياتها. وأي تطور يكشفه التحقيق لاحقاً سيظهر الملابسات كافة، وسيبين ما إذا كانت هناك أخطاء أو ثغرات، ومعرفة لماذا لم يجرِ التحقيق حينها في هذه المسائل، كما حصل في التحقيق الذي أُجري إثر معركة نهر البارد. أما الآن، فالتحقيق سيركز على جلاء الحقيقة المتعلقة بكل ما دار حول معركة عرسال قبل اندلاعها وبعده، من دون اتهامات مسبقة بأخطاء وارتكابات.
رابعاً، يحق للجيش خلال التحقيق استدعاء الضباط والعسكريين لمساءلتهم، ووضع الإطار العام واستيضاح تلك المرحلة، وصولاً إلى التحقيق معهم، علماً أن بعض الضباط والعسكريين أصبحوا مدنيين، وتالياً إن التعامل معهم ــــ حتى أولئك الذين لا يزالون في الاحتياط ــــ سيكون على أساس أنهم عسكريون سابقون.
خامساً، لا جواب حالياً لدى الجيش حول استدعاء قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي إلى التحقيق. هذا الأمر لم يُطرَح بعد، كذلك لم تُطرَح أسماء الضباط الذين يمكن أن يُستمَع إليهم أو استيضاحهم، علماً أن الضباط الذين يتركون الخدمة العسكرية يوقعون أوراقاً يتعهدون فيها بعدم التصريح عن أي معلومات عسكرية حصلت خلال أدائهم لوظيفتهم. لكن يختلف الأمر حين يستدعون إلى التحقيق.
سادساً، لا شك في أن عملية تحقيق واسعة ومتشعبة بهذا الحجم، تحتاج إلى فريق عمل كبير، وحالياً بدأت المديرية تحديد إطار عام لهذا الفريق، علماً أنها تحتاج إلى جهد استثنائي لتوزيع مهماتها بين متابعة مجرياته ومتابعة ملف الإرهاب. وما شهدته الأيام الأخيرة في ملف الإرهاب، سواء عبر كشف شبكات إرهابية أو متابعة الخلايا النائمة، والذئاب المنفردة التي تحدث عنها قائد الجيش جوزف عون في احتفال تكريم الوحدات التي شاركت في عملية فجر الجرود، يدل على أهمية العمل الأمني الاستخباراتي حالياً لمواكبة ما قد يتسلل عبر الشبكات الإرهابية مجدداً إلى الساحة الداخلية.

المصدر: هيام القصيفي - الأخبار