التحذيرات الأمنية الأخيرة التي عممتها سفارات غربية في لبنان عن إمكانية تعرض بعض الأماكن لهجمات واعتداءات تركت انزعاجا لدى بعض المسؤولين اللبنانيين الأمنيين، الذين كانوا يفضلون لو أن تلك السفارات وفي مقدمها سفارات أميركا وفرنسا وبريطانيا توجهت فقط لرعاياها، ولم تعمم تلك التحذيرات التي دفعت الرئيس اللبناني العماد ميشال عون إلى الطلب من المواطنين عدم الإصغاء للشائعات.
المدير العام لمديرية أمن الدولة في لبنان اللواء طوني صليبا شرح في لقاء مع عدد من الصحافيين الملابسات التي أحاطت بتلك التحذيرات، مؤكدا أن عناصر أمن الدولة أوقفوا عددا من الإرهابيين كانوا يخططون لتفجيرات في مناطق لبنانية عدة.
وانطلق صليبا في شرحه للأوضاع الراهنة في لبنان من تداعيات "دحر الظلاميين خارج الحدود، يجب علينا الحذر من خلاياهم النائمة، وهي ما تسمى "بالخلية الفردية المكتفية ذاتيا التي تسمى "الذئب الوحيد" وهو شرس، خطير، ويفاجئ بضرباته الوحشية غير المتوقعة. فالذئب المنفرد، من خصائصه أنه معزول، يداهم بدافع الفكر المتطرف والدموي، يملك القدرة على اختيار أهداف محددة. يحضر وينفذ عملياته من دون اللجوء إلى خط تراتبي، مما يجعل اختراقه صعبا من قبل عناصر مكافحة الإرهاب.
" الذئب المنفرد" يتحول من الحال الخامدة إلى الحال الهجومية في أية لحظة، ما يجعل تحييده وتعقبه أمراً صعباً".
وأكد المسؤول الأمني اللبناني أن البلاد "اليوم أمام مفهوم جديد من حرب الإرهاب في العالم، (الأمثلة الأخيرة في لندن وغيرها) خير دليل على ما أقوله. إنه إرهاب "الذئاب المنفردة" المستوحى من العقيدة الحربية الثورية التي لا حدود لها، بحيث يقوم بالتخطيط والتنفيذ بعيداً عن الهيكلية القيادية والتراتبية، أي من دون تلقي الأوامر والتوجيهات، وبأقل دعم مادي ممكن، وبأسلحة تتراوح ما بين استعمال السكاكين أو الدهس بالشاحنات وغيرها".
لكن إزاء هذه الاستراتيجية التي تعتمدها الحركات التكفيرية الإرهابية لابدّ من التنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية اللبنانية واعتماد استراتيجية مضادة هي "خنق الذئاب المنفردة في جـحورها".
توقيف 65 داعشياً
قبل تحرير جرود البقاع من الجماعات الإرهابية كانت الأجهزة الأمنية توقف وبشكل يومي عناصر ومناصرين لتلك الجماعات. وفي السياق أوقفت وسجنت المديرية العامة لأمن الدولة خلال 6 أشهر العشرات من عناصر داعش، وجبهة النصرة، وغيرها من التنظيمات الإرهابية الأخرى الذين اعترفوا بتحضيرهم للقيام بعمليات إرهابية في البلاد.
وأكد صليبا التمسك "بالكفاح والنضال ضد ما يمس ذرّة من أرض وطننا العزيز، حفاظاً على دماء شهدائنا وذكراهم، وإنفاذا لقسمنا العسكري، وتصميم العهد على قطع اليد التي تمتد للنيل من سيادة واستقرار وأمن هذا البلد الحبيب".
أما عن المعلومات عن استهداف أماكن معينة فأوضح صليبا أنه تمّ توقيف 65 شبكة إرهابية منذ أذار/ مارس الفائت. وهناك دائماً جهد دؤوب لاستثمار هذه المعلومات في حينها، مشدداً "علينا أن نقوم بواجباتنا بسرية، ونحن نقوم بها بالتعاون مع الجميع للوصول إلى النتيجة المرجوة".
وإذ أشار إلى التعاون مع السفارات بالنسبة للموضوع الأمني، كشف صليلبا أن السفارات ضخّمت مسألة التهديدات الأمنية، علماً أننا كنا على علم بما عممته، وقلنا إنه عمل روتيني نعمل عليه، وقد توقعناه سابقاً وتكلمنا عن الموضوع في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع. وتابع فبعد معركة "فجر الجرود" علينا أن نتوقع ردات فعل وهو أمر طبيعي. هذا عملنا، والمطلوب أن يكون عملنا استباقياً.
وأسف مدير عام أمن الدولة لتعاميم السفارات التي تضرّ بالموسم السياحي. أما بالنسبة للمحاسبة، فأشار إلى أن هناك وزارة الخارجية والمغتربين وهي السلطة التي ستتولى هذا الأمر. وتابع "بالنسبة للرسائل الصوتية التي تصلنا عبر الهاتف، تكون أحياناً صادرة من بعض العناصر الأمنية موجهة لأصدقائهم وأقاربهم لتحذيرهم بالابتعاد عن أماكن معينة، هل هذه الرسائل تكون صحيحة ويمكن تصديقها؟ جواب: كل هذا يندرج في السياق نفسه، فبرأيي المعلومة أخذت صفة رسمية ربما لأنها صدرت من موقع رسمي وأصبح الناس يتناقلونها. هذا الخوف غير مبرر، نحن كنا معرضين ليس خلال هذه الفترة وحسب، بل حتى قبل المعركة أي منذ حوالى الأربعة أشهر وحتى اليوم. وقد استطعنا في خضم ما يحصل في المنطقة أن نكون أفضل من دول كثيرة (أعطي مثالاً على ما حدث في دولة مصر الشقيقة منذ فترة ليست ببعيدة). فقد ضبطنا شبكات، كما ضبطت غيرنا من المديريات أيضاً شبكات كانت في طور التحضير والتنفيذ، وكانت أهدافها أخطر بكثير من التي تكلموا عنها خلال اليومين الماضيين. أعود وأقول إنه علينا أن نكون بعيدين عن جلد أنفسنا وأن نضع أيدينا بأيدي بعض (أجهزة أمنية، أجهزة إعلامية، سلطات، وشعب. الحمدلله لقد مرت المرحلة الصعبة ونحن اليوم في مرحلة المخاض).
مدير عام أمن الدولة تابع قائلاً "لقد أعطيت مثالاً ما حصل في مصر، أي في كنيسة الأقباط، فهل يعني ذلك إننا كنا سنشهد تفجير كنائس في لبنان؟ لا أريد أن أسمي، من الضروري أن نطمئن شعبنا، بمرحلة ما كانت هناك كنائس معرضة لمخاطر، وبمرحلة أخرى جوامع ومساجد. كان هناك تحضير لأعمال تؤدي الضرر، كما قلنا باتت الاستراتيجية لديهم واضحة، ولا توجد خيارات أخرى لديهم فقد "انكسر ظهرهم" بالمعركة التي حصلت ولم يتبق لهم سوى خيار "الذئب المنفرد والوحيد"، ونحن نسهر على هذا الموضوع ونحقق نتائج..".
وختم قائلاً "عسى أن تمر مرحلة المخاض التي تكلمت عنها في المنطقة ككل ونكون البلد الوحيد الذي لم يدفع أثماناً".