لم يكن مفاجئا أن تلقى مواقف رئيس الجمهورية ميشال عون، التي دافع فيها عن سلاح المقاومة، اصداء مدوية في تل ابيب. بل كان متوقعا ايضا أن يتم توظيفها في التسويق للاستراتيجية العدوانية التي تبنتها إسرائيل منذ ما بعد حرب العام 2006، وتقوم على التلويح باستهداف البنية التحتية اللبنانية في أي حرب مقبلة تشنها على لبنان.
أتت ردود الفعل الإسرائيلية، حتى الان، على لسان عضو المجلس الوزاري المصغر، رئيس البيت اليهودي اليميني المتطرف نفتالي بينت، الذي رأى من الخطأ التمييز بين حزب الله ولبنان في أي مواجهة مقبلة، وهدد أنه في حال اطلق حزب الله الصواريخ على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، «سنعتبر ذلك فتح حرب من قبل الدولة اللبنانية ضد إسرائيل».
وحتى لا تهيمن الرواية الإسرائيلية التي تضع تل ابيب في موقع ردة الفعل ولبنان في موقع المبادر، من الضروري التذكير وتوضيح بعض المفاهيم والمواقف ذات الصلة:
ــــ في كل يوم تعتدي اسرائيل على لبنان، من خلال خرق سيادته الجوية والبرية والبحرية. ومع ذلك، لدى التدقيق في مواقف الرئيس عون، يلاحظ أنها أكدت على حق لبنان في تحرير أرضه وفي الدفاع عن نفسه بمواجهة أي عدوان إسرائيلي.

في المقابل، يعكس الاعتراض والتهديد الاسرائيليان حقيقة موقف تل ابيب التي ترفض مطلقا امتلاك لبنان القدرة على الرد والدفاع عن نفسه، بل ترى فيه تهديدا ينبغي معالجته. وتهدف إسرائيل من وراء ذلك إلى ضمان حرية المبادرة بالعدوان في التوقيت الذي تراه مناسبا، وايضا عدم دفع أثمان مؤلمة.
ـــ الترويج الذي يبدو أنه يتم التسويق له، يقوم على محاولة تقديم المواقف الرسمية الداعمة للمقاومة، كما لو أنها هي السبب الذي سيدفع إسرائيل إلى استهداف مؤسسات الدولة اللبنانية. وهي محاولة فاضحة لقلب معادلة السبب والنتيجة. إذ أن الموقف الإسرائيلي باستهداف البنية التحتية اللبنانية في أي مواجهة واسعة مفترضة لاحقة، لم يتبلور ردا على مواقف الرئيس عون الاخيرة، ولا حتى ما بعد توليه رئاسة الجمهورية. بل هي استراتيجية تبنتها المؤسسة العسكرية والسياسية، على قاعدة استخلاص العبر من فشل حرب العام 2006.
ــــ بدأ مسلسل التهديد الإسرائيلي القائم على التلويح باستهداف مؤسسات الدولة اللبنانية، منذ ما بعد انتهاء الحرب مباشرة. ومن أبرز محطاته خلال السنوات الماضية، التهديد الذي أطلقه رئيس الاركان الحالي، غادي ايزنكوت عندما كان يتولى قيادة المنطقة الشمالية، باعتماد عقيدة الضاحية التدميرية «سندمر لبنان عن بكرة أبيه...


ولن نرعوي عن المس بالبنية التحتية اللبنانية» («يديعوت احرونوت»/ 6/10/2008). ثم استمر ذلك على ألسنة العديد من المسؤولين والخبراء، من ضمنهم وزير الامن في حينه ايهود باراك (عام 2008) الذي اعتبر أن الخطأ الذي ارتكبته إسرائيل أنها ميزت في حرب العام 2006 بين حزب الله والدولة اللبنانية ومتوعدا باستهداف البنية التحتية اللبنانية في أي مواجهة لاحقة. اضافة إلى الحملات التي شنتها إسرائيل طوال السنوات الماضية، وهدفت إلى منع تسليح الجيش اللبناني، والتهديد باستهدافه.
ــــ استند تبني هذا الخيار العملاني الإسرائيلي إلى مفهوم مفاده أن حرب العام 2006، أثبتت انه ليس بالامكان الحسم العسكري مع حزب الله في أي مواجهة لاحقة، وبالتالي فإن البديل لردع حزب الله عن الرد والدفاع، يتم بالتلويح باستهداف بنية ومؤسسات الدولة اللبنانية، من أجل تأليب الرأي العام اللبناني ضد المقاومة وسلاحها. لكن مشكلة اسرائيل، التي ليس لها علاج، أن حزب الله لديه القدرات الهائلة ايضا، لتدمير واسع في المنشآت الاستراتيجية الاسرائيلية الامر الذي أدى حتى الان الى تعزيز معادلة الردع المتبادل.
ــــ ايضا، لم يذهب بينت بعيدا في تبرير هذه السياسة التدميرية، عن المفهوم المتداول في تل ابيب. وهو ما برز في كلامه عن «أننا لن نلعب لعبة من يبحث عن الابرة في كومة قش». وينطوي هذا الموقف على إقرار صريح بأن أحد مكامن قوة المقاومة في لبنان، حتى وهي في موقع صد الاعتداءات الإسرائيلية، أنها ليست جيشا نظاميا، بل تستند إلى صيغة «هجينة» تقع بين نموذجي حرب العصابات والحرب النظامية. وهو ما مكَّن المقاومة – إلى جانب عناصر أخرى – من سلب الإسرائيلي القدرة على ترجمة تفوقه التكنولوجي والعسكري، الذي يتمتع به في مواجهة الجيوش النظامية، أجل الحسم العسكري بتدمير القدرات العسكرية واحتلال الارض.
ــــ لا يخفي الخبراء الإسرائيليون، ومن ضمنهم رئيس مجلس الامن القومي السابق اللواء غيورا ايلاند، أن من الاسباب لتبني التلويح باستراتيجية التدمير الواسع، هو الرغبة في تقصير مدة أي حرب، خوفاً من دك الجبهة الداخلية الاسرائيلية بصواريخ حزب الله المدمرة لفترة طويلة. وخطَّأ ايلاند في هذا السياق ايضا، موقف وزير الامن افيغدور ليبرمان، الذي اعتبر تعقيبا على مناورة الفيلق الشمالي، أن الجيش الاسرائيلي قادر على هزيمة حزب الله، محذراً اياه أنه من الصعب على إسرائيل التعايش مع الاثمان الباهظة التي ستدفعها.

المصدر: علي حيدر - الأخبار