تتجه أنظار العالم اليوم نحو كردستان العراق، ولا زال البرزاني مستمرا في خطواته نحو الاستفتاء من أجل انفصال اقليم كردستان عن العراق، رغم كل الردود المعارضة لقراره، الآتية من الدول المجاورة له على الأخص، إضافة الى الردود الأمريكية بالرفض لهذا الاستفتاء،  علماً أن أمريكا تؤيد بناء دولة كردية لأكراد سوريا. ورغم كل هذا الضجيج الرافض للبرزاني إلا أنه لم يأبه، وها هو اليوم بكل مقومات إقليمه مستعد للمواجهة والتحدي غير مكترث لأي حربٍ أو أي رد فعل عسكري كما تصرح تركيا حتى وصل به الأمر أنه غير مبالٍ لأي خطوات أو عقوبات إيرانية، حيث أغلقت ايران  الحدود الجوية مع كردستان وكذلك تركيا فعلت.
اذاً، من يقف خلف قرارات البرازاني ليكون متحدياً كل المعترضين ومُصرّاً على إتمام إجراءات الاستفتاء؟ هل البرازاني فعلاً سيتجه نحو التطبيق الفعلي للانفصال أم أنه يمارس سياسة المناورة، أننا هنا ونمثل بقدراتنا ومقوماتنا كل عناصر القوة للدولة الكردية؟
إن عدنا قليلاً للفكر الكردي وللتجارب التي مر بها الأكراد نراهم مستعدين لإكمال ما يرونه قد يكون عاملَ قوة ولو بِذَرّةٍ من المكاسب، فإنهم يمضون بها الى تحقيق الهدف الأكبر، وإن وجدوا أنفسهم خاسرين، فإنهم يتابعون طريقهم ويطمحون بأي شي يستطيعون الحصول عليه ولن يوفروه . وهذا ما حصل معهم في كل مراحل نضالهم لبناء الدولة الكردية  وفي اقليم كردستان على الأخص حين حاربوا مع امريكا في وجه صدام (2003) بوعد من امريكا بالاعتراف لهم بإقليم كردستان الفدرالي.
هكذا هم الاكراد لا يملون من التجارب وقد قال البرازاني: نريد بناء دولة مهما كلفنا الأمر ولو اقتضى بالدم .
فمنذ بداية ما سمي "بالربيع العربي " والأكراد لا يهدأون في كل الدول الحاضنة لهم في الشرق الأوسط، ولعل العراق وسوريا كانتا الأكثر تأثيراً لطموحات الأكراد حيث قاموا بمقاتلة داعش في سوريا للحصول على مكاسب الادارة الذاتية في بعض المناطق التي سيطروا عليها ممهدين لإكمال ما يطمحون اليه أي بناء الدولة، اذ نشهد اليوم القصف العنيف بينهم وبين الدولة السورية في تلك المناطق. 
ولكن العراق ولأنه كان الخاصرة الضعيفة بمرحلة ما، نال فيها الأكراد مكاسب لم ينالوها في ايران او تركيا، فيحاولون الاستمرار بالمطالبة ظناً منهم أن العراق لا زال ضعيفاً او أنهم لا يرون أن المعادلة قد تغيرت، حتى لو أنهم انتصروا على داعش في قتالهم لهم وحصولهم على تلك المناطق وآبارها في كركوك، على سبيل المثال، التي تحوي مصادر تمويلية تكفي القدر الاكبر لإنعاش الاقتصاد الكردستاني، فإن الحشد الشعبي قد يقف لهم بالمرصاد في حال فكروا بأي عملية تقسيم للعراق من خلال انفصالهم.
البرزاني حتى في هذا اليوم لا زال يناور وهو المعروف في هذا الموضوع ولكي نكون ولو لمرة واحدة منصفين، إن صح التعبير، فهو "رجل المناورات" مدعوماً من "إسرائيل" المستفيدة الأهم والأبرز من هذا الاستفتاء لتكون لها الأرضية الكردستانية موقعاً آخر أو دولة ثانية بتسمية "كردستان العراق"، أو الى حين يأتيه العرض الأهم من الدول المعارضة حين يُدرك أنه لن يستطيع أن يواجه وحده في ساحة الإقليم، لأن "اسرائيل" مهزومة شرق أوسطياً بفضل إسقاط محور المقاومة لمشروعها في لبنان وسوريا وهي تحاول أن تنتصر عن طريق "كردستان"، حيث لا يهمهم الأكراد من الموضوع إلا بناء دولتهم ولو عن طريق "إسرائيل"،  فإن لم يستطع البرزاني إكمال تطبيق الانفصال عملياً فإنه بمناورته هذه يحاول أن يستدرج الدول المعارضة لنيل مكاسب في المنطقة مقابل العزوف عن الانفصال.
سيكون اليوم حافلاً بالاتصالات لإقناع البرزاني أن يعود عن قراره وإن أصرّ حتى يحقق ما يستطيع تحقيقه فهو ذاهبٌ للمواجهة وهذا الأمر ليس غريباً عليه وتشهد له تركيا وسوريا والعراق، وسابقاً ايران، ويعتبر كل هذا فداءً لبناء الدولة التي ما زالت فاشلة التحقيق من مهاباد ايران (1946) الى استفتاء إقليم كردستان العراق (2017) .


 

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع