كأنه كُتِبَ على منطقتنا العربية أنْ لا ترتاح منذ مطلع القرن الماضي عندما كانت تحاول التخلُّص من براثن وأدران الاستعمار العثماني البغيض الذي أعاد العرب والمسلمين إلى ما قبل القرون الوسطى، فجاءت خديعة دول الحلفاء في الحرب العالمية الأولى متمثِّلةً بدايةً بمراسلات الشريف حسين - مكماهون والوعود الغربية بإنشاء حكومة عربية مستقلة لكنها انتهت بالانتداب (الاستعمار) الأجنبي وتقسيم بلادنا إلى كيانات مسخ لا تمتلك مقوِّمات الحياة وذلك عبر اتفاقية سايكس - بيكو المشؤومة وقبلها "وعد بلفور". 
وفي العصر الحديث هبَّت هجمة تكفيرية همجية وحشية تكاد تضاهي الهجمة الاستعمارية والاستيطان الصهيوني في قلب منطقتنا، منبعها تعاليم الوهَّابية ومصدرها استخباراتي إمبريالي هدفه تشويه فكرة الأديان والإنسانية عامةً معتمدةً على بربرية التاريخ الدموي في الإسلام والذي اختطه الأمويون الدواعش وغيرهم من الخلفاء السفَّاحين المنحرفين، نقول ذلك ونحن نحيي هذه الأيام ذكرى سيِّد الشهداء الإمام الحسين الذي فدى القيم الإسلامية بنفسه مع أهل بيته. وكادت المؤامرة الظلامية تنجح لولا محور المقاومة العظيم الممتد من اليمن والمنطقة الشرقية في الحجاز والبحرين إلى العراق وسوريا ولبنان حيث قام هذا المحور، وما زال مستمرَّاً، باجتثاث جذور دولة الخرافة الإبليسية وذلك في لحظة تاريخية التقت مع التهاء رعاتها الظالمين بأنفسهم وبمشاكلهم وخلافاتهم فتخلوا عن هذه "الدولة" المزعومة بعد أنْ انتهى دورها! 
والآن جاء دور استخدام الأكراد في رسم المؤامرة الجديدة لتقسيم المنطقة من خلال إصرار البرازاني المتصهين على إعلان استقلال "كردستان" في العراق. ولكن هذا بمثابة انتحار للكرد وسيجر عليهم الأهوال. والحقيقة أنَّ البرازاني، صاحب الباع الطويل هو وعائلته في التعامل مع اسرائيل، بالواقع "يوهم" الكرد في المنطقة ويضحك عليهم أنَّ تل أبيب ستهب لنصرته رغم أنها أثبتت مراراً وتكراراً عدم اهتمامها لا بالعرب ولا بالكرد ولا بالمسلمين ولا بالمسيحيين بل بمصلحتها العليا فقط والقاضية بشرذمة دولة العراق القوية والدليل على عدم نصرتها للأقليات ما فعلته للميليشيات اليمينية المارونية في لبنان خلال الحرب الأهلية فيه حيث تخلت عنهم في معركة الجبل وتركتهم فريسة لقوات وليد جنبلاط والفصائل الفلسطينية (التي باعها جنبلاط فيما بعد)، ممَّا أدَّى إلى تهجير المسيحيين من الجبل وتحمّلهم أوزار المعركة حتَّى اليوم. فعلى الكرد الذين يزهون بعلم الكيان الغاصب اليوم ويفرشونه كسجادة صلاة يسجدون عليها، أنْ يتعظوا من المتعاملين مع اسرائيل في لبنان، هذا التعامل الذي جر عليهم الويلات!
ويُستشف من مسارعة تل أبيب وبني سعود لتأييد خطوة الكرد الانفصالية وجود مخطَّط مشترَك قد يكون دُبِّر بليل زيارة محمَّد بن سلمان السرية إلى تل أبيب والتي أصبحتْ سرَّاً مكشوفاً بسبب الإعلام الاسرائيلي. فالحكم استتب لابن سلمان بعد الاعتقالات في مملكته لكي يتفرغ بعد ذلك للسياسة الداخلية والخارجية. فعلى صعيد الداخل "حلَّل" للمرأة قيادة السيَّارة بقيود تكاد تكون أفظع من عدم السواقة لكنَّها خطوة سُوٍّقَتْ للخارج على إنها "ليبرالية منفتحة" تعكس "رؤية" ابن أبيه مع العلم أنَّ السيارات اختُرعت عام 1900 وفي عام 2017 سُمِح للنساء بالسواقة وعقبال الديمقراطية في السعودية، ربَّما عام 3017! 
أمَّا على الصعيد الخارجي فالاتفاق الوهَّابي الاسرائيلي يقضي بعودة التصدِّي لمحور المقاومة ومنعه من تحقيق الانتصار النهائي بعد معارك دير الزور والجرود في لبنان وسوريا وتقدم الجيش العراقي والحشد الشعبي وصمود أبطال اليمن وتكبيدهم للمعتدين السعوديين خسائر فادحة، وذلك من خلال الساحة الكردية لتعويض تل أبيب خسارتها في سوريا والعراق ولبنان بإبادة "داعش" وخلق بلبلة وكيان مصطنع جديد يحاكي الكيان المزور في فلسطين، وكذلك من خلال الساحة اللبنانية بالوقوف في وجه المقاومة حيث تُوْجَد قوى ذيلية جاهزة تنتظر "الفرج" السعودي الذي جاءها عبر تغريدة السبهان. من هنا جاء قرار بن سلمان بإعادة ترميم 14 بركيل وإعادة الروح إلى أجداثهم غير الطاهرة، والتي ابتدأت بانتفاضة المشنوق وحملته على الوزير باسيل بعد لقائه مع وزير الخارجية السوري في نيويورك وليد المعلّم، وباستدعاء سامي الجميِّل وسمير جعجع إلى الرياض وربَّما آخرين غيرهم! فاللقاء، حسب المشنوق و"قرطة حنيكر"، مع المعلم حرام ولكن مع بن سلمان حلال زلال! بل الأنكى ان فارس سعيد لا يخجل أنْ يغرِّد بأنَّ الماروني لا يجب أنْ يتعامل مع سوريا أو إيران، بل فقط مع السعودية!
لا شك أنَّ ابن سلمان يتوجس خيفةً من الرئيس ميشال عون منذ انتخابه حيث رغم قيامه في بداية عهده بزيارة الرياض لكنهم أهانوه بعدم دعوته للقمة مع ترامب وجاء السبهان ولم يزر قصر بعبدا. وزادت شكوك بني سعود بعد خطاب الجنرال المقاوِم في الأمم المتَّحدة وحديثه في الدفاع عن المقاومة والجيش في نيويورك وباريس واختبروا عناده وصلابته وثباته على المبادئ، بعكس "تخشيبة" حكم ميشال سليمان من هنا إيذانهم لجماعتهم بالحملة عليه لكنهم "لا يعرفون حالهم مع مين عم يحكوا"! 
إذاً الأمر الملكي صدر بالتصدي للمقاومة وعون وبمنع عودة العلاقات مع سوريا وإيران وهذا يضع سعد الحريري في موقف لا يُحسَد عليه لأن الحكومة قد تطير (درب يسد ما يرد) وحاجته هو لرئاسة الحكومة لأسباب مالية وسياسية أهم بالنسبة له وبالتالي من مصلحته عدم تفجير الوضع وربَّما هذا هو سبب مذكَّرة جلب الحلفاء المسيحيين للسعودية بدل الحريري لكي يتولوا هم إدارة المواجهة مباشرة بينما يبقى هو وراء الستار. كما ان من مصلحة سعد البقاء في الحكم لحماية فريقه من المحاسبة المالية (مغارة وزارة المال السنيوريَّة التي كشفها الوزير علي خليل) والسياسية (التحقيق في فضيحة معركة عرسال) وربَّما منع الانتخابات النيابية.
صفوة القول ان المراد اليوم "استكراد" المنطقة من خلال اعادة خلط الأوراق والفرز وإشغالها من خلال الأكراد والتي قد تتضمن حرباً جديدة تريح اسرائيل، واستفراد المقاومة في لبنان ولو تسبَّب ذلك بانهيار الوضع الهش فيه الا ان إجهاض المؤامرة سيتم بعودة سوريا ولبنان إلى أحضان بعضهما البعض وعودة النازحين لوطنهم رغم أنف الغلمان والأزلام المدفوعي الأثمان!
 

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع