منذ مقتل رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في العام ألفين وخمسة وخليفته في السياسة ابنه سعد يعمل عن قصد وعن غير قصد على التأثير سلباً في الطائفة السنية في لبنان. فسعد، ومن معه ومَن خلفه، اتهم حزب الله بالوقوف وراء عملية اغتيال والده، حتى قبل أن تخمد نيران عملية التفجير، ومن الطبيعي، في بلد كلبنان، أن ينجرّ معظم أبناء طائفته معه في هذا الاتهام، لا سيما وأن القتيل شخصية سنية سياسية واقتصادية وشعبية كبيرة، فرضت هيمنتها ومحبتها على أبناء الطائفة، ومن الطبيعي أن تعهد نفسها منكوبةً بسبب عملية الاغتيال هذه.
ثم تكرّرت الاتهامات الحريرية والآذارية لحزب الله عند كل عملية اغتيال تعرضت لها شخصيات من 14 آذار. وحزب الله هدف كبير لمثل هذه الاتهامات، فهو خصمهم الأول والأكبر، وصديق عدوهم السوري، بعد أن تناسوا أن الكثيرين منهم كانوا رائحين راجعين على خط بيروت دمشق.
هذه الاتهامات وما رافقها من حملات إعلامية ضد حزب الله أدت إلى تباعد الكثيرين من أبناء الطائفة السنية عن الحزب، وإلى بغض آخرين له، وإلى عدّ بعضهم الحزبَ العدو الأول لهم، وكانت الآلة الإعلامية الحريرية والحليفة تطرق أسماعهم ليلاً نهاراً ناشرة الحقد على الحزب.
وكان لابتعاد السنة عن حزب الله تأثير في العلاقة بينهم وبين زعماء الطائفة السنية المقربين من الحزب والأصدقاء له، كالرئيس سليم الحص والرئيس الراحل عمر كرامي، وآخرين كثر، فابتعد الجمهور السني عنهم، وبالتالي لم يعد هؤلاء، بنظر الجمهور، زعماء للطائفة.
ثم جاءت أحداث السابع من أيار من العام ألفين وثمانية، فجيّشت جماعة 14 آذار أهلَ بيروت وغيرهم ضد حزب الله، متهمينه بالاعتداء على أهل السنة في بيروت وغيرها، وهكذا كبر الشرخ بين الحزب والسنة، وبالتالي بين الشيعة والسنة.
ثم توالت الأسباب الّتي زادت من هذا الشرخ، دون أن يتوقف الإعلام الآذاري عن صب الزيت على نار الفتنة، والفتنة حصان أهوج يركبه كل مغامر ومستفيد، فظهر بعض المغامرين وكان منهم أحمد الأسير.
ظهر أحمد الأسير من المجهول تقريباً، مدفوعاً من الداخل والخارج، اللذين احتاجا إلى وجود شبيه عسكري لحزب الله، يناكف الحزب ويشاغله، و"يتولدن" عليه، قاطعاً طريق الجنوب، شريان المقاومة ووريدها، أو مهدداً بقطعها، مهاجماً حزب الله وشاتماً زعماء الشيعة، مستقوياً على الجيش الوطني، فظهر لنفسه ولمؤيديه منفوخاً أكبر من حجمه الوضيع، إلى أن كان ما كان من عدوانه على الجيش وقتله لعناصره ثم اعتقاله والحكم عليه بالإعدام، ليخرج بعض الجمهور مندداً بالحكم على "زعيم السنة" في لبنان.
بالتأكيد لن يكون مثل أحمد الأسير، ولا أمثاله، زعيمَ طائفة كبيرة كان منها سياسيون ومقاومون كبار، لا سيما وأنه كان دمية صغيرة في يد من أراد اللعب بمصير لبنان، وفي لبنان لن يكون مصير اللاعب ضده والدمية إلا كمصير أحمد الأسير، وقريباً كمصير الذين شغّلوه..