ليس غريباً أن يكون لإطلالة السيد نصر الله في العاشر من محرم هذا الوقع المضيء في عيون الناس. وليس غريباً أن تنهمر قلوب الحاضرين وتحيط يالشاشة التي يطل عبرها بألف صلاة، وأن تتجمع الف الف تمتمة من دعاء كي لا يطاله مكروه. فذلك الرجل، الذي احتوى في صوته قضايا الأمّة الأصدق يمثّل بالنسبة للناس رمز الانتقال من زمن الخوف "والعين لا تقاوم المخرز" الى زمن الانتصارات.. يظهرون نحوه كل عاطفة لديهم، ويهبونه كل ثقتهم ويقينهم بأن لا يؤتمن على الأرواح احدٌ غيره، هو الحاضر في كل ساح، الذي لم يترك السلاح، ولن يتركه.
تجهزت الضاحية، عاصمة الاباء، للحدث السنوي الذي يجعل طرقاتها تسطع بأسود الحزن الجميل، وتنفتح دروبا للسيل البشري الآتي من كل المناطق ليجدد الولاء ويزلزل الأرض في أذهان الأعداء، وحلفائهم، المحليين والدوليين.
يلقي الأمين المنتصر السلام، وأمامه موج بشري منظّم يصغي بكل حواس القلوب لكل كلمة فيما ترتفع القبضات وتتسارع النبضات: "يا سيدنا لبيك..". ها هو.. قريب كما دائما، محسوس وسط نظرات تهرع للمسه كما لو أنه ملاك تجسّد في بطل.
بعيدا عن السياسة، بعيدا عن التدين، يمثل هذا البطل حكاية من ضوء يواصل السطوع انتصارا تلو انتصار. يرتبط اسمه بالعز، ويتصل تواضعه بسلّم من قيم ومعايير لم تجتمع في تاريخنا الحديث بشخص. لذلك تجد بين الحشود من يتمنى لو يكون درعه ولو كان ينتمي إلى طائفة أخرى أو منظومة مختلفة. تجد حتى من يخالفه في السياسة ينحني لجلال حضوره الصادق، الواثق والامين.
لذلك كله، يأخذ حديثه عن الحرب وعن الانتصارات الآتية أكثر الدروب استقامة إلى مسامع الجميع، محبين ومبغضين. تجد محبيه يرفعون القبضات في صيحة واحدة "لبيك.." ومبغضيه يتحسّسون رؤوسهم، ويدققون في لغته لعلهم ينفذون إلى نقطة وهن يبنون عليها استراتيجيات هجومهم عليه. لكن هيهات، فذاك الذي يردد "هيهات منا الذلة"، مرهبا كل عدو، يربك سامعيه من كل وادٍ معادٍ ببسمة ملؤها التواضع، والثقة واليقين.
انقضى النهار ولم يصمت صدى الخطاب. ما زالت الضاحية التي من وفاء وإباء تردده فيضا من نور، من إيمان ساطع بغدٍ خالٍ من الصهاينة، خالٍ من التكفيريين، وما زالت، بطرقاتها التي حفظت خطو الشهداء، بهوائها الذي تنفس عبير مرورهم، بناسها الذين سمّاهم الأمين ذات انتصار "أشرف الناس"، تعد الكون بأن تتباهى مدى الدهر، أن هنا اعتلى الأمين منبر الصدق، وهنا صاحت الجموع "لبيك.."
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع