مُسلّحون في وضح النهار يُطلقون النار على مرأى من القوى الأمنية. قضاءٌ عاجز عن فضّ نزاع عقاري يكاد يُشعل حرباً في طريق المطار. كرٌّ وفر، لكنّ الدولة «لم تقطع نزاع القوم» بعد. ضباطها وسياسيّوها يلعبون دور الوسيط بين عدد من رجال الأعمال

أن تشتعل الهواتف بين أركان الأجهزة الامنية والعسكرية ووزارتي الدفاع والداخلية، فذلك يعني، للوهلة الأولى، أنّ حرباً توشك أن تقع، قبل أن يتبين أنّ كل ذلك من أجل إنهاء نزاع عقاري تسبب تراخي الدولة وإهمالها في تطوّره إلى اشتباك مسلّح سقط فيه جريحان أحدهما في حال الخطر.

أن تستنفر أجهزة الدولة اللبنانية، بأمّها وأبيها، وأمنها وقضائها، وتتوسّط أحزاب ويدخل على الخط النائب العام التمييزي ونجله ومحامٍ عام وقاضي أمور مستعجلة والعميد رئيس مكتب أمن الضاحية ويُرسل قائد الشرطة القضائية عناصره في دورية، وكل ذلك من أجل عقار، لكن من دون أن يتمكن أيّ من هؤلاء من توقيف أحد من مطلقي النار أو يُنهي النزاع حتى، فتلك مهزلة ما بعدها مهزلة. أن يظهر المسلّحون على شاشات التلفزة ويُهدَّد أمن المطار وتطبل الرسائل العاجلة هواتف المواطنين باشتباك طريق المطار وتجدّده على مدى أسبوع، فيما يستمر المسلّحون في الاحتشاد في السيارات بانتظار المواجهة، فتلك فضيحة برسم الدولة اللبنانية من رأسها حتى أخمص قدميها.
يوم الأحد الواقع فيه ٨ تشرين الأول، وعلى مرأى من عناصر قوى الأمن الداخلي، ظهر مسلّح يُطلق النار من رشّاش حربي وكأنه في حرب، لكن مع عمّال وجرّافة. أطلق رشقات متقطّعة، فأصاب رجلين أحدهما إصابته خطرة، ثم وجّه بندقيته ناحية سائق الجرّافة التي اقتحمت العقار. هذا ما ظهر في الفيديو الذي جرى تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات الواتساب.

كان هذا المشهد شرارة الاشتباك الذي اندلع بين طرفين متنازعين على عقار.
علي سلامة، مالك «سلامة سيراميكا»، الذي يقول إنه اشترى خمسة آلاف متر من العقار المذكور، ذكر أنّه فوجئ بإبلاغه «أنّ مجهولين ينقلون مستوعبات موضوعة في أرضه إلى جهة مجهولة»، مشيراً إلى أنّه قصد العقار المذكور ليفاجأ بعناصر شركة أمنية أبلغوه بمراجعة أصحاب غالبية أسهم العقار (آل حجيج). ورغم أنّ سلامة أكّد أنّه لا يعرف هوية مطلق النار، تداولت معلومات أنّه يدعى محمد إسماعيل. وكشفت المصادر أنّ اسماعيل مع عدد من المشاركين في إطلاق النار سيُسلّمون أنفسهم غداً لاستخبارات الجيش. وفي موازاة الرواية المسوقة أعلاه، التي يتناقلها أنصار أحد أطراف المشكلة كامل سويدان، تتحدث مصادر مقرّبة من آل حجيج عن وجود مسلحين يتبعون لسويدان كانوا خلف الجرّافة، أطلقوا النار في الهواء في موازاة اقتحام الجرافة الباب الحديدي، ما استدعى ردّ الشبان الذين كانوا داخل العقار. لم تنته القصة عند هذا الحد. تجدّد الاشتباك يوم الجمعة، لكن لم يُؤدّ إلى وقوع إصابات. غير أنّ الاستنفار لا يزال في أوجه. فما هي قصة العقار الذي كاد يُشعل حرباً؟
القصة بدأت قبل سنوات في العقار الذي يعود حق استملاكه إلى شركة «أليسار» المكلّفة بإعادة إعمار الضاحية. تبلغ مساحة العقار ٩١٤٣٨ متراً، موزعة بين مجموعة مالكين، أبرزهم الشقيقان حسن وقاسم حجيج (نحو 2200 سهم من أصل 2400)، وبهاء الدين الحريري (180 سهماً). ويمتد هذا العقار (رقمه ١٢٦٤) من طريق المطار والأوزاعي إلى حرج القتيل والرمل العالي حيث يرتفع عليه أكثر من خمسة آلاف وحدة سكنية متعدية على العقار، بحيث لا يمكن قانوناً إزالة التعديات من دون دفع تعويضات. النزاع العقاري الذي تحوّل إلى اشتباك مسلّح وقع بين قاسم حجيج من جهة وكامل سويدان وعلي سلامة، وكلاهما يقولان إنهما يملكان أسهماً في العقار، علماً بأنّ قاسم وحسن حجيج يملكان الحصة الأكبر في العقار (نحو 2200 سهم) التي تُقدّر مساحتها بـ83 ألف متر مربع بموجب أوراق أبرزها قاسم حجيج لـ«الأخبار». والشقيقان اشتريا الأسهم على دفعات منذ أكثر من عشر سنوات، علماً بأنّ قرابة 45 ألف متر مربّع من هذا العقار لم يكن قد شُيّد عليها شيء حينذاك. أما سويدان فيملك نحو سهمين في العقار، إضافة إلى حيازته حق استثمار عدد من الأسهم، بحسب ما يقول مقرّبون منه. ورواية سويدان تفيد بأنّه «اشترى قسماً من العقار غير المفرز من جعفر حامد وإيهاب حامد وغسان عساف وبلال عساف منذ أكثر من ست سنوات مقابل 600 ألف دولار نقداً، وقصر في بلدة ياطر الجنوبية، أي ما مجموعه مليون و225 ألف دولار»، زاعمين أنّ «ما اشتراه سويدان تعادل مساحته ٨ آلاف متر مربّع». وينقلون أنه يدفع رسوماً بلدية عن حصته في العقار سنوياً. ويذكر هؤلاء أنّ الملكية الأصلية لأسهم سويدان تعود لثائر سويدان (سوري الجنسية) وزوجته رانيا ناصر الدين اللذين يملكان من الأسهم ما يعادل 11500 متر. أما لماذا لم يُسجّل سويدان ملكية أسهمه عقارياً، فيردّ هؤلاء بأنّه «لا أحد يجرؤ على التسجيل خشية من دعوى حق الشفعة من قبل حجيج». وبالتالي، يُصبح لزاماً على من يُسجّل أن يبيع حصته لحجيج.
استعر الخلاف مجدداً منذ ثلاث سنوات. ادّعى حجيج على ثائر سويدان بجرم احتلال أرضه، طالباً إخلاء العقار. وفي بداية العام الحالي، استحصل حجيج على أمر بإخلاء الارض. ولدى وصول مأمور التنفيذ ناصر الأحمدية للسؤال عن ثائر سويدان، قابله كلّ من علي سلامة (مالك معمل سلامة للسيراميك) وسويدان ليبلغاه أنهما اشتريا من ثائر المذكور. وبناءً على تقرير الخبير، قرر قاضي التنفيذ في بعبدا وقف تنفيذ الإخلاء، وحدد موعد في 9 تشرين الاول الجاري لجلسة مواجهة بين سويدان وحجيج. وأُرجئت الجلسة إلى 4 كانون الأول قبل أن يطالب وكلاء حجيج بتقريب الجلسة إلى ١٥ تشرين الثاني. في تلك الأثناء، استدعى المحامي العام في بعبدا كلاً من سويدان وحجيج، طارحاً إجراء مصالحة، لكن ذلك لم يحصل.
ويُبرز آل حجيج نصوصاً لقرارات قضائية (حكم صادر عن القاضي المنفرد في بعبدا بتاريخ 4/2/2014، وحكم محكمة الاستئناف المدني في جبل لبنان الصادر يوم 29/5/2014) تثبت ملكيتهم ولا تثبت ملكية الآخرين لأسهم العقار، ويشكون من كونهم غير قادرين على التصرف بعقارهم، بسبب عدم قيام الأجهزة المعنية في قوى الأمن والبلديات بتنفيذ القرارات، وان «المعتدين» على العقار يمارسون سلطة على الارض، مستفيدين من دعم لهم في القوى الامنية والعسكرية والسلطات النافذة. في المقابل، يُبرز سويدان قراراً قضائياً بوقف تنفيذ حكم إخلاء العقار، وإيصالات من دائرة التحصيل في برج البراجنة.
يقول المقرّبون من سويدان وسلامة إنّ «سويدان صوّن العقار، وزفّت الأرض قبل أن يحتلّها مسلّحون بالقوة وبمؤازرة أمنية»، فيما تنقض الرواية التي ينقلها قاسم حجيج ما يقوله سويدان وسلامة، وترى أنّ «مظلوميته سببها أنّه مالك نحو 2200 سهم من أصل 2400 سهم، لكنه محروم من استثمار أرضه لأن القضاء عاجز عن تنفيذ الإخلاء». وإذ يؤكد حجيج أنّه شيّد السور على طول الأرض الممتدة على 15 ألف متر مربّع، يقول إنّه اكتشف صدفة أنّ هناك أعمال بناء تجري على أرضه استعداداً لإحياء مهرجان اختفاء الإمام السيد موسى الصدر. وذكر أنّه علِم أنّ سويدان بصدد الإعداد لإنشاء 200 محل خضار في العقار المذكور من دون وجه حق، قبل أن تستخدم حركة أمل العقار المذكور لإقامة مهرجان ذكرى تغييب السيد موسى الصدر ورفيقيه نهاية آب الماضي. ويروي حجيج أنّه أبلغ المسؤولين في حركة أمل بمعلوماته عن نية سويدان. وما إنّ انتهى المهرجان، حتى قرر حجيج تكليف شركة أمن تابعة لجهاد العنّان بحماية العقار. وبرز في القضية أيضاً اسم تاجر الهواتف الخلوية المعروف كامل أمهز، الذي حصل من حجيج على حق استثمار الأرض، مقابل 100 ألف دولار سنوياً، لإنشاء ملاعب كرة قدم ومغسل سيارات.
يوم أول من أمس، حضرت قوة من الجيش اللبناني لتطرد الجميع من العقار بذريعة الحفاظ على الأمن. لكن النزاع لم ينته بعد. مطلقو النار لا يزالون أحراراً، والتهديدات متبادلة في ظل تصعيد محتمل. وفيما لم يُسعف القرار القضائي الذي يحمله حجيج في استعادته ما يملكه، يطرح سويدان تسوية تقوم على أن يقبض مليون دولار من مالك الحصة الأكبر في العقار، للخروج منه نهائياً.

المصدر: رضوان مرتضى - الأخبار