رغم وجود أصوات اعتراضية على أداء العهد، إلا أنه حتى الآن لم نشهد جبهة معارضة يمكن أن تغير موازين القوى، إلا إذا قررت السعودية إيجادها لخوض الانتخابات
تزامنت بداية السنة الثانية للعهد مع تحرك السعودية المباشر تجاه لبنان، وزيارة الرئيس سعد الحريري لها، وترقُّب ما يمكن أن تحمله من تأثيرات على الوضع الداخلي، بعدما توّجت السعودية مساراً بدأته قبل أسابيع باستقبالها شخصيات لبنانية وبمواقف عبّر عنها وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان، وصولاً إلى استدعاء رئيس الحكومة في صورة عاجلة إلى الرياض.
تتحدث شخصيات سياسية عن مقاربة وضع العهد والاستدعاء السعودي للحريري من باب رسم خريطة جديدة للوضع قائمة على تحديد واضح للموالاة والمعارضة.
حتى الآن، وبعد مضيّ سنة على انتخاب الرئيس ميشال عون، لم تتضح بعد صورة المعارضة، في الشكل الذي اعتاده لبنان، في ظروف الحرب والسلم، قبل الطائف وبعده. صحيح أن أصواتاً عدة اعترضت على تسوية عون ــــ الحريري، إلا أن هذه الأصوات ظلت مشتّتة، ولم تتوحد ضمن إطار متماسك قادر على التأثير المباشر في أداء العهد والحكومة معاً. وكان يفترض، خلال مرحلة الاستعداد للانتخابات النيابية، أن تظهر ملامح هذه المعارضة في صورة أوضح. لكن حركة الانتخابات في صفوف المعارضين بقيت خجولة، وظهر تحرك المرشحين افرادياً، ومبعثراً، رغم الملاحظات الكثيفة على أداء السلطة والأخطاء المرتكبة. إذ لا يمكن التقليل من أهمية الانتقادات التي واجهت عون، كما لم يحصل مع أي رئيس سابق في سنته الأولى، وهذه الانتقادات تتضاعف قيمتها، لأن المستهدف هو الشخص الذي عارض كل العهود السابقة وفنّد أخطاءها ومحسوبياتها ومشاكلها. لكن ما يرد على ألسنة رؤساء حكومات سابقين ووزراء ونواب، حاليين وسابقين، لم يتخطّ إطار تسجيل المواقف على العهد ووزيره الأول جبران باسيل، ورئيس الحكومة. وكان يمكن هذه المواقف أن تصبح أكثر جدية وفعالية، لو أن أصحابها شكّلوا نواة معارضة حقيقية، كما كان يحصل في العهود السابقة، فيما لم نشهد بعد حركة شبيهة على غرار «الحلف ثلاثي»، قادرة على تكرار سيناريو عام 1968 بتغيير المعادلة الداخلية. لذا لم تشكل هذه الانتقادات قلقاً فعلياً للعهد وإزعاجاً له، إضافة إلى أن الأصوات المعترضة داخل الحكومة لم تصل إلى حد تهديد التسوية القائمة والخروج من الحكومة، كما غلبت تفاصيل الاتفاق مع الحريري على أي محاولة ضغط لتغيير اتجاهه.
هنا يدخل العامل السعودي، المتزامن مع حملة أميركية لفرض عقوبات اقتصادية ومالية على حزب الله بهدف تطويقه. وإذا كانت الأيام المقبلة ستحمل توضيحاً أكثر لماهية العقوبات، فإن الرياض بدت واضحة أكثر في قطف ثمار مواقفها من حزب الله، ولن يكون العهد بمنأى عن ذلك. لكن، بحسب أوساط سياسية لبنانية، فإن الموقف السعودي لا يزال كما هو منذ أشهر، أي دفعه في اتجاه تنظيم معارضة للعهد (التيار الوطني الحر) ولحزب الله، عبر الانتخابات النيابية.
وبخلاف الكلام عن قرار سعودي بتفجير الحكومة والطلب من الحريري الخروج منها، فإن هذه الأوساط تتحدث عن أن الرياض تميل إلى لمّ صفوف المعارضين من كل الاتجاهات، والعمل من خلال الانتخابات كأحد الأبواب الرئيسية لتغيير وجه السلطة عبر تشكيل كتلة نيابية وازنة عددياً. وهي لا تحصر رغبتها هذه بطرف مسيحي أو سني، ولا سيما أنها باتت تستقطب أطرافاً سنية كانت لا تزال على تباعد معها. والحديث عن احتمال جمع أطراف كالنائب وليد جنبلاط والقوات اللبنانية والكتائب والمستقبل ومستقلين لا يزال طرحاً متقدماً، لأن الدفة التي تميل في اتجاه العهد وحده، لم تعد مقبولة. أما ملف حزب الله، فدولي وإقليمي، وهو مرجَّح للتفاعل أكثر، والتضييق عليه لبنانياً لا يكون عبر تفجير الحكومة، بل هو متروك للعقوبات الأميركية المتصاعدة وللمصارف أن تعالج وضعها بنفسها. لذا، ستكون الأشهر الفاصلة عن الانتخابات محكاً أساسياً لترجمة الضغط السعودي وكيفية ترجمته عملانياً.
لكن هل هذا يعني أن احتمال تجميع صفوف المعارضة قادر على قلب موازين القوى، وإطاحة غالبية يسعى التيار الوطني الحر إلى تشكيلها مع حزب الله؟
هناك أمران يستفيد العهد منهما في مواجهته أي معارضة محتملة: أولاً، وجوده في السلطة، وهذا أمر يعرفه تماماً جميع من دخلوا جنة الحكم. فما يخسره التيار الوطني الحر من أصوات انتخابية بفعل الاعتراض على الأداء الداخلي وعلى ترتيبات داخل التيار نفسه، يعوضه من خلال شبكة خدمات مترامية، تبدأ برئاسة الحكومة ولا تنتهي بواقع التوظيفات والمحسوبيات في كل الإدارات. وهذا أمر واقعي في بلد تبنى الانتخابات فيه على الخدمات، والتيار الآتي إلى السلطة بشهوة المبعد عنها لسنوات سيستفيد منها إلى الحد الأقصى لتجييرها لمصلحة الاقتراع له. وهذا الأمر ليس متاحاً لخصومه، مسيحيين ومسلمين.
أما الأمر الثاني، فهو حزب الله، الذي يواجه معركة العقوبات الأميركية والضغط السعودي. ولا مصلحة للحزب بالتخلي عن دعم العهد، فما ستحققه المعارضة إذا نجحت في إيصال كتلة نيابية وازنة لن يسمح الحزب بترجمته في الحكومة المقبلة، أو في تغيير صورة العهد. وهذا تماماً ما يجعل العهد مرتاحاً مهما تكثفت محاولات الضغط عليه. ولعل هذا سبب من أسباب إحجام بعض المعارضين عن خوض تجربة الجبهة الموحدة لخوض الانتخابات بجدية لمواجهة التيار الوطني الحر، فضلاً عن عدم رهانهم على الحريري واحتمال فك تحالفه مع العهد حتى انتخابياً. لكن هناك من لا يزال يدفع في اتجاه تشكيل معارضة عبر ترشيحات وحملة انتخابية منظمة، تماماً كما كانت الحال أيام الوجود السوري، على الأقل لإثبات أن هذا الخط لا يزال موجوداً وقادراً على الوصول إلى المجلس النيابي، ولو تغيرت هوية الخصم.