منذ افتتاحه شركة محبة، قام البطريرك الراعي بخطوات ذات أهمية بالغة في تأكيد المؤكد الذي يقول إن من شبّ على شيء شاب عليه، وإنه لا يصلح العطّار ولا الكلام المنمّق ما أفسد الدهر.

سمى الراعي العملاء رعية له ذات زيارة إلى الكيان الصهيوني، الذي احتلّ الأراضي الفلسطينية. احتضنهم هناك، بحماية العدو وتكلم عن "ظلم ابعادهم إلى خارج الوطن". تحدث عنهم وكأنه يتحدث عن أسرى احتجزهم العدو فيما كانوا يدافعون عن أرضهم محاولين تحريرها من دنس المحتل. وهو يعرف جيدا، وربما أكثر من غيره، أن هؤلاء مجرد خونة، ويعرف انهم لو كانوا أوروبيين مثلا وخانوا بلادهم لكان مصيرهم الإعدامات الميدانية. لكن معرفته بجرائمهم لم تمنعه من اعتبارهم رعيته التي يدافع عنها، ليس بدافع المسامحة والمحبة، إنما بدافع مختلف تماما، هو أنه لا يرى في كل ما فعلوه جرما.

واليوم، يطالب كما دائما، بالسماح لكافة المسيحيين أن يفعلوا ما فعل، بحجة حقهم بالحج إلى الأراضي المقدسة في فلسطين، ولولا الحياء، بل لولا الأرشيف والصور لقال بأن بشير الجميل كان قد ذهب إلى أحضان الاحتلال كي يحج ويتمم واجباته الدينية. إذاً، يكتفي الراعي باعتبار أن المسيحيين ممنوعون من الحج إلى مقدساتهم لاعتبارات سياسية. ولو استمر بالكلام قليلا لتحدث عن "مظلومية" تقع على المسيحيين بمنعهم من الحج. هذه الاعتبارات التي شاء تسميتها سياسية، هي اعتبارات أخلاقية ووطنية اصلا، وهي اعتبارات محمية ليس فقط بالقوانين، بل بالدم وبسنين طوال من المقاومة ومن التضحيات. هي اعتبارات كرستها قوة السلاح اولا، وبيئة المقاومة ثانيا، وهذه الاعتبارات هي التي منعت وستمنع كل محاولات التطبيع، وان نجح بعضها نسبيا وعلى صعيد فردي كتجربة المطبّع زياد الدويري. من هنا، يمكن الجزم بأن الخطاب "التطبيعي" بدأ يلبس عباءة دينية، بالتزامن مع قيام السعودية بالتحالف العلني مع العدو الصهيوني.

حسنا، ما قاله الراعي في لقائه التلفزيوني ليس جديدا على خطابه، وربما يضمر أكثر بكثير مما صرح به، وهنا يسقط مفهوم الذهول بما قال،  وتلقائيا يأخذنا الحديث إلى مكان آخر، إلى السياق الذي يقع فيه هذا الكلام وفي هذا التوقيت بالذات  وقبل زيارته إلى الكيان السعودي المحتل لأرض الحجاز. 
شركة المحبة إذاً تحتاج إلى تمويل ربما. وربما، إلى اعتمادات جديدة لذا وجبت الزيارة إلى حيث لا رعية ولا من يصلي بهم ولهم. كيف لا، فالسعودية القادرة على تمويل الإرهاب، تستطيع أن تموّل كل شيء آخر.. والسعودية القادرة على منافسة الصهاينة في قتل الأطفال وارتكاب المجازر، قادرة حتما على دعم المحبة التي يحملها الراعي لرعيته التي ما زالت تتباهى بزيارته، اقصد العملاء الفارين إلى الكيان الصهيوني.

قال الراعي إن لبنان مع كل مشاكله ما زال ممسوكا. وان أراد أن يتابع جملته مضيفا إليها القليل من الضمير الوطني ورشّوة، رشوة فقط من الوفاء والكرامة، لقال بأن ما يجعل لبنان ممسوكا، وما يجعل "مسيحيي لبنان" في مأمن فهو سلاح حزب الله، الذي قاتل ويقاتل من تفنن في ذبح المسيحيين وغيرهم في العراق وفي سوريا، وفي كل أرض تمكن اصدقاؤه السعوديون من بث سمومهم الإرهابية فيها. لو امتلك هذا الرجل القليل من "الخوف الذي يدعيه" على رعيته في لبنان وسائر المشرق، لشكر كل مقاتل في حزب الله، ولو امتلك كل الخوف الذي يدعيه لطالب رعيته تلك بأن تقاتل دفاعا عن هذه الأرض، لكنه، شبّ على ما شاب عليه، منذ أن كان مطرانا.

 

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع