مرة جديدة، يتفوق سعد الدين رفيق الحريري على نفسه في تحدي "كيف تكون حديث الناس" و"نكتة وسائل التواصل". لقد برع الشاب الذي خسر منذ فترة بسيطة أعماله في شركة اوجيه، إلى التحول إلى نجم " الانفصام السيادي " (مصطلح جديد يفي بغرض توصيف الحالة التي تصيب موظفاً برتبة رئيس حكومة حين يغادر إلى بلد المنشأ ويعلن استقالته من هناك مدافعا عن السيادة الوطنية).
لقد جهد سعد الدين الحريري في محاولات إخفاء علاقته الوظيفية بآل سعود طيلة السنوات الماضية. وللأمانة حاول مرارا إظهار وجهه اللبناني من خلال ولعه بالتقاط صور السلفي مع جمهوره، لكن السبهان وأعوانه من حاشية ال سعود لم يعاونوه في ذلك، بل تعاملوا معه  كأجير أو حتى كعبد مأمور لا يملك إلا أن ينفذ ما يؤمر به، مجانا أو مقابل حفنة من الريالات.

إذاً، من أرض الحجاز المحتلة من قبل آل سعود، وعبر الشاشات السعودية ومن ضمنها "العبرية الناطقة بالعربية" هجّأ رئيس حكومة لبنان بيان استقالة حكومته، وبدا، والله العليم، كمن لم يتسنّ له الاطلاع على محتواه قبل الظهور على الاعلام. ومن على المنبر المتحالف مع الصهاينة، الداعم للإرهاب والمدان بدم أطفال اليمن، وقف يهدد ويتوعد الجمهورية الإسلامية في إيران، واستشاط غضبا متذمرا من حزب الله، الجهة التي سمحت له ذات تسوية بأن يعود رئيسا للحكومة بناء على مجموعة من التنازلات التي قدمها مقابل الوصول إلى سدة الرئاسة الوزارية.

وتوخيا للانصاف، سعد الدين بن رفيق الحريري متمسك بهذا المنصب لاعتبارات عديدة بعضها شخصي كحفظ ماء الوجه وإثبات قدرته على النجاح في وظيفة ما وحفظ إرث والده، وبعضها وظيفي بحكم أهمية المنصب لجني الأرباح محليا ورفع سعر صرفه في بورصة الرياض والعالم. إلا أن المشغّل السعودي يبدو أنه ملّ وسئم من الاتكال عليه، فأخرجه من اللعبة خالي اليدين ومفرغا حتى من الكرامة الوطنية التي أقل ما فيها أن يُسمح له بالظهور بمظهر الراغب بالاستقالة، وباعلانها من بيروت، العاصمة السيدة الذي تقع فيها السرايا الحكومية اللبنانية.

لكن السعودي لم يمتلك الوقت لتركيب المسرحية فبدا مربكا لا سيما بعد الهزائم المتتالية والفشل الذريع الذي مني به في حربه على اليمن وفي سوريا والعراق. فيحاول، بعجلة بالغة، إعادة خلط الأوراق على الساحة اللبنانية مستدعيا وجوه فريق الرابع عشر من آذار، وليس آخرهم البطريرك الراعي صاحب شركة محبة في لبنان وسائر المشرق. 
بعد بيان الاستقالة، حطت طائرة أشرف ريفي في مطار بيروت عائدا من الرياض، و"يا خبر بفلوس، بكرة يبقى ببلاش"!

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع