ليلة البارحة استعمل الدكتور بشار الجعفري عبارة رشيقة جدا لوصف التقرير الكيماوي المزعوم قائلا ان ذلك "يثير حفيظة هيتشكوك". علينا فيما علينا، من موقع الرصد والمتابعة والتحليل، أن نذكر بكون التحليل مهما كان مجاله يتفرع إلى مدارس وتنجر عنه مسؤوليات وينطبق عليه ما ينطبق على أي تخطيط عقلي وأي برنامج فكرى مرتبط بمقتضيات واقعية. وعلى ذلك فهو يهندس على خطوط وبنى واحداثيات، إذا بالغنا عمدا في استعمال عبارة غير متناسبة مع السياق. وهو بالنتيجة خطوط متقابلة تقف على خرائط مرسومة كما مرسومة الأرض. ولذلك لا نستطيع القفز على خط التحليل كما لا يمكننا أن نقفز على أي حدود وإن جوا. ولذلك نجيز لأنفسنا استعمال عبارة خط تحليل حدودي مقابل القراءات الانغماسية والتنبؤات القيامية حتى نوضح ما نرمي إليه بأقل مجاز ممكن.
نحن نقف في جبهة مقاومة يقوم وجودها على كل الخطوط التي تفصل قوى المقاومة عن فلسطين المحتلة أو كيان العدو الصهيوني، ولدينا معركة طاحنة متواصلة تدخل عامها الثالث بين الشعب اليمني وتحالف العدوان الأمريكي-السعودي. لدينا قوى رئيسية في محور المقاومة بناء على هذين الخطين تقع عليهما كل سيناريوهات الاستهداف وتقع عليهما كل آمال التحرير هما أنصار الله وحزب الله، مع أن المهمة غير ناجزة بالتمام بالنسبة إلى قوى المقاومة الأخرى في سوريا والعراق.
وبناء على كل ذلك، يبدو أن درجة التهويل السيناريستيكي بلغت مداها بسلوك أساليب الحرب النفسية الواعية وغير الواعية. بلغ مداها الحد الذي جعل البعض يمارس تصعيدا دراماتيكيا على المعنى النفسي إلى درجة اشاحة النظر عما يقع أمام اعينه والقفز إلى هاوية افتراضية لا يحدها سيناريو علمي أو فني أو حتى عسكري ولا يحددها علم ولا عمل. وهنا، وإن كنا نعذر من مسهم الفيروس الترامبي والانفلونزا الاردوغانية معا، ما يعني بلغة أخرى أن هذا البعض الذي يتلظى أيضا بين العصاب الترامبي والحمى الهستيرية السلمانية والحريرية وسائر تأثيرات الطائفية وايديولوجيات الحرب الارهابية، ومهما كانت نواياه، يبحث عن سيناريو خارج الفيلم ويترك قصة الأحداث والمشاهد التي على الشاشة، إلا أننا لا نتقاسم معهم نفس مسلكية التحليل والاستشراف الأخلاقية ولا نفس فلسفة الموضوعية في التقدير والمجابهة الاستراتيجية في نطاق صراع بناء السيناريوهات وتفوق بعضها على البعض الآخر لكسب القلوب وتحصين العقول وتعزيز جبهة الأدمغة والارادات. وفي الواقع، و على الشاشات، يترك ما يحصل في اليمن وعلى حدود السعودية وفي فلسطين المحتلة وكيان العدو وعلى حدود لبنان وعلى حدود سوريا والعراق ويجمع الحدود الثلاثية والرباعية والخماسية والسداسية والسباعية والثمانية والتساعية، إذا أخذنا بالاعتبار أيضا الأردن وتركيا وإيران في يد واحدة مغموسة في فوضى الرسومات وترجف ولا يقيم أي اعتبار لعلاقة التحديد بالتحليل ولا الذات بالموضوع ولا الوسيلة بالغاية...الخ.
سنكتفي بالقول إن المحتمل الجاري واقعيا في كل ما يحدث لا جديد فيه سوى مزيد التصعيد السعودي-اليمني ومزيد الضغط على لبنان بشتى الوسائل. حيث نرى، بالبوصلة، أن العدو الصهيوني هو المدار الأساسي سواء قرأنا من زاوية خط المقاومة أو من زاوية خط العدو. اما خط المقاومة فلا يحتاج في الوقت الحاضر أي إضافات توضيحية زيادة على كل ما يأتي من اليمن ومن لبنان. وأما خط العدو فيحتاج على مدار الساعة رصدا وتحليلا وإن كان الهدف الأدنى من قبيل "اعرف عدوك".
في هذا المجال ذكرت صحيفة إسرائيل اليوم العبرية في 08 تشرين الثاني/نوفمبر 2017 في مقال بعنوان "أدوات اللعب بين السعودية وإيران" لكاتبه شاؤول شاي، ما يلي:
"في سبتمبر 2014 سيطر الحوثيون والقوات الموالية للرئيس اليمني السابق صالح على العاصمة صنعاء، ومنها وسعوا سيطرتهم إلى بقية مناطق الدولة. بعد احتلال صنعاء من قبل الحوثيين فر الرئيس المعين هادي جنوبًا إلى المقاطعات السنية، ومن هناك إلى السعودية؛ هذا التغير الدراماتيكي في موازين القوى الداخلية في اليمن ألزم السعودية - التي اعتبرت على مدار عشرات السنوات اليمن حديقتها الخلفية - بالتجند لإعادة الحكم في الدولة إلى يد الرئيس هادي الذي يعتبر حليفًا لها. لهذا الغرض سخر السعوديون تحالفًا من تسع دول أخرى وهي مصر والأردن والسودان والمغرب والسنغال والامارات المتحدة وقطر والكويت والبحرين. في الـ 25 من مارس 2015 شرع التحالف الذي تقوده السعودية بعملية "عاصفة الحزم" بهدف منع سيطرة الحوثيين وحلفائهم المدعومين من قبل إيران على الدولة وإعادة الحكم للرئيس هادي." هذا كل ما في الأمر. وعليه، ودون ذكر الجبهة الداخلية اليمنية، يجد التحالف السعودي نفسه أمام عجزه الذريع في امية أن يصعد أو أن ينسحب مع حساب اثمان كل الحالات. ما زاد على ذلك لن يكون سوى اتهامات مزيفة وتحليلات ساذجة، إذ يعرف القاصي والداني علاقة اليمن بمحور المقاومة ويعرف رهان المعتدي على فك ارتباطه بها والكل يعرف الحسابات والرهانات من كل الأطراف. وهنا يصبح كاتب المقال الصهيوني سعوديا بامتياز فيما تبقى مما كتب بلغة التزييف والتهويل. وبالمقابل، اذا افترضنا ان كاتبه سعودي سلماني فسيصبح للتو صهيونيا بنفس المضمون.
يضيف صاحب المقال، بصرف النظر عن الدقة: "الحرب في اليمن حصدت إلى الآن أرواح أكثر من 40 ألف إنسان، وتسببت بالكثير الكثير من الإصابات وثلاثة ملايين نازح، حوالي 14 مليون من بين 26 مليون من سكان اليمن يحتاجون إلى المساعدات، وحوالي 7 مليون يعانون من نقص خطير في المواد الغذائية. في بداية العام 2017 انتشر في اليمن وباء الكوليرا، وهناك تخوف من خروج هذا الوباء عن السيطرة ومن تفاقم الأزمة الإنسانية أكثر ممّا هي عليه." وهذا هو الحال تقريبا. ثم يتابع: "الحرب المستمرة تعتبر عبئًا كبيرًا على الاقتصاد السعودي وبقية أعضاء التحالف، وسيما في ظل الأزمات المتواصلة في أسعار النفط والغاز التي تمس بمداخيل السعودية وبقية دول الخليج. وبناء على ذلك فإن السعودية معنية بإنهاء الحرب، ولكن فقط ضمن شروط تؤمن المصالح السعودية وتمنع السيطرة الإيرانية على اليمن. سيكون لنتائج الحرب في اليمن انعكاسات بعيدة المدى على مستقبل المنطقة برمتها، والمطلوب تجند الولايات المتحدة والدول الغربية لصالح التحالف السعودي من أجل إبعاد خطر الهيمنة الإيرانية وإنهاء الحرب الأهلية وحل الأزمة الإنسانية." وهكذا هو الهدف النهائي بقطع النظر عن العبارات والتوصيفات وحتى الفهم الذي لا يعنينا في شيء بحرفيته كما عند صاحبه وعند كيان العدو في نهاية المطاف.
اما في شأن حزب الله، فنورد ما جاء في مركز دراسات الأمن القومي الصهيوني البارحة أيضا تحت عنوان: "لبنان بعد استقالة الحريري في ظل المواجهة السعودية الايرانية" وهو يتبنى نفس الخط التحليلي والتحريري الذي كنا بصدده في خصوص أنصار الله في اليمن. يقول التقرير ما يلي:
"رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أعلن بشكل مفاجئ في الـرابع من نوفمبر، خلال زيارته للمملكة العربية السعودية، عن استقالته من منصبه. وفي تبريره لهذه الخطوة، هاجم الحريري إيران وحزب الله بشدة، واتهم طهران بأنها تحاول أن تقرر حقائق على الأرض في لبنان بالقوة". ويضيف: "الحريري أيضًا لم يستثنِ حزب الله الذي “نجح في فرض واقع من خلال قوة السلاح”، مضيفًا بالقول “نحن نرفض وجود أي سلاح ليس في يد هيئات الحكم الشرعي في لبنان”. الحريري اتهم حزب الله بمحاولة اغتياله بطريقة تشبه اغتيال أبيه (فبراير 2005)." وهنا نتستفهم انكاريا، من في السعودية أو في الكيان الإسرائيلي من أصحاب القرار لا يتنبنى هذا الكلام؟
ثم يواصل بالقول: "من غير الواضح إلى أي حد خطوة استقالة الحريري هذه تأتي في إطار استراتيجية منظمة بلورت من قبل القيادة السعودية ضد إيران، وهل تشمل أيضًا خطوات أخرى ضرورية من أجل تقليص نفوذ حزب الله وإيران في لبنان. إلى ذلك يرجح ان الخطوة اتخذت في إطار صراع القوى المتفاقم بين العربية السعودية وبين إيران، وسيما على ضوء إنجاز إيران في سوريا والعراق الذي أثبت ان يدها هي العليا في عدة ساحات في الشرق الأوسط، والتطلع السعودي إلى كبح هذا التوجه. بل ربما تستوي هذه الخطوة مع الاستراتيجية الأمريكية كما عبر عنها الرئيس ترامب، والتي فحواها مضاعفة الضغوطات على إيران وحزب الله، في هذا الإطار مرر الكونغرس تشريعًا يرمي إلى تشديد العقوبات المفروضة على حزب الله، وتجدر الاشارة إلى أنه وحسب التقارير الاعلامية فقد قام مؤخرًا صهر ومستشار الرئيس جارد كوشنير بزيارة للعربية السعودية، وخلال الزيارة التقى ولي العهد محمد بن سلمان." وها هنا نعلق أيضا بنفس العبارات وبالاختصار بالقول: هكذا هي الأمور في نفس خطة التحليل. ويستخلص: "نشك في ان رهان السعودية بأن الاتهام بالاستقالة سيوجه إلى حزب الله، وسيضعف ذلك موقفه على الساحة اللبنانية في حال اتهم فعلًا، بل العكس صحيح، ربما حزب الله وبمساعدة الرئيس عون سيستغل الوضع من أجل تعزيز موقفه. بل ربما تكون النتيجة المباشرة لخطوة الاستقالة انهيار النفوذ السعودي – الذي كان محدودًا في الأصل – لدى الحكومة اللبنانية. في جميع الأحوال، إلى الآن لا يبدو ان هذه الخطوة ستؤدي إلى تغيير في أسلوب حزب الله الحالي الحذر تجاه إسرائيل، لدينا انطباع بأن التنظيم ما يزال معنيًا بمنع تدهور الأوضاع بينه وبين إسرائيل." وكذلك الشأن بالنسبة للصهاينة إذا علقنا بكلمة.
عند هذا الحد نقول ان هذا هو حد التحليل الذي يجب أن يقف عليه كل من يجتهد جديا في أي تحليل. ليس لأنه صحيح بنسبة عالية بل لأنه واقعي تماما. وليس لأن في الحرب إمكانية الجنون خاصة في زمن الصبيان، علينا أن نصبح بدورنا مجانينا أو دعاة جنون. وعلى الشيء يبنى مقتضاه كما قال سماحة السيد في لقاء السرايا وكما قال العماد ميشيل عون رئيس الجمهورية بعد ذلك وأكد دولة الرئيس نبيه بري.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع