من السبت الاول 4 تشرين الثاني الى السبت الثاني اليوم، اضحت الحقائق اكثر وضوحاً. من مناقشة استقالة مفاجئة لرئيس الحكومة من الرياض ومبرراتها، الى اعتقاد جازم بأن الرجل اقرب ما يكون الى معتقَل
رد فعل اليوم الاول، في السبت الاول، انتظار عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت للاطلاع منه على ملابسات قراره. بعد اسبوع حقيقة مختلفة تماماً: استعادته من مكان احتجازه بعد التأكد من ان ثمة ما يمنعه من العودة.
على مر الايام السبعة امكن اجتياز ثلاثة قطوعات متلازمة منذ الاعلان عن الاستقالة واثارة الغبار من حول مضمونها والاتهامات المساقة الى حزب الله، كما لو ان ثمة مَن يدفع البلاد الى انفجار:
اولها، امني اوجب في اليوم نفسه، السبت، عقد اجتماع في قصر بعبدا بين رئيس الجمهورية ميشال عون وقائد الجيش العماد جوزف عون، انضم اليهما مدير المخابرات العميد طوني منصور. على مسمع من الرئيس، من مكتبه، اجريت اتصالات بالافرقاء جميعاً استغرقت الساعات التالية من اليوم: في يد سماعة هاتف مع وفيق صفا، وفي اليد الثانية سماعة مع احمد الحريري لعنوان واحد: عدم السماح بتحريك الارض والشارع. من دون تحرّك ملالات ودبابات، انتشر الجيش بكثافة في عدد واسع من المناطق المحتملة للاحتكاك ترجمة لقرار واضح من قائد الجيش: من غير المسموح اللعب بالشارع والامن. الجيش سيتحرك بقوة لضرب مَن يفعل. رد صفا والحريري اطلاق يده.
ثانيها، نقدي بعد 48 ساعة من إعلان الاستقالة، أمكنت السيطرة عليه في اليومين التاليين، ما كشف عن امكان استيعاب صدمة الاستقالة والمخاوف التي نجمت عن ردود الفعل عليها.
ثالثها، سياسي هو جولات المشاورات التي اجراها رئيس الجمهورية مع قيادات البلاد، سبقها اجتماعان امني ومالي قبل التوصل الى خلاصة موقف، لم يتزحزح منذ السبت الاول: لا قبول للاستقالة قبل عودة الحريري الى بيروت. في اجتماع الخميس مع الهيئات الاقتصادية قال عون: لا يحدّثني احد في استقالة الحكومة قبل عودة رئيسها التي هي الاولوية الآن وحدها. بيد انه قال كلاماً اكثر اهمية، عبّر عن الخيارات التي اتخذها في مواجهة ازمة وطنية غير مسبوقة في الداخل، الا انها تعكس اشتباكاً مع الخارج: المرة الاولى تكون السعودية طرفها الآخر. لا تكتفي بحمل الحريري على الاستقالة، بل تمنع عودته الى بيروت.
في الاجتماع القضائي الامني في 6 تشرين الثاني، سأل المدعي العام التمييزي سمير حمود الرئيس الآتي: حصلت في السعودية اعتقالات لامراء صودرت اموالهم وممتلكاتهم، قد يكون من بينهم مَن اودع اموالاً في لبنان. ماذا اذا طلب منا القضاء السعودي تجميد اموال هؤلاء الامراء، وما يقتضي تصرّفه؟
اجاب: لا تتحرّكوا قبل ان يعود اميرنا.
في الغداة، لدى استقباله النائبة بهية الحريري، في سياق جولة المشاورات، قال لها: سعد ابني. دخلنا معاً ونخرج معاً.
رمت مشاورات عون الى توفير اوسع مظلة لموقف وطني عام حول رئيس حكومة محتجز يمنع من عودته الى بلاده. بعدما تقدّم باستقالته، كان رئيس الجمهورية امام مأزق مزدوج: لا يسعه عدم قبول استقالة تقدم بها صاحبها بلهجة اصرار ومبررات عالية النبرة، ولا يسعه في المقابل القبول باستقالة اعلنت من خارج البلاد تحوط بملابساتها علامات استفهام وغموض وضغوط تأكد بعد وقت قصير حصولها بالارغام.
كان على الرئيس تجاهل الجانب الدستوري في مسألة باتت تداعياتها الوطنية اثقل وطأة من اسبابها الدستورية. بذلك أبلغ الى القيادات جميعاً قراره: لا قبول للاستقالة قبل عودة رئيس الحكومة. بل ذهب الى ابعد من ذلك بالقول انها لم تحصل في الاصل، وانتقل بالمشكلة من شق بيان التنحي الى شق الكشف عن المصير الغامض لصاحبها. في اليومين الاولين، قيل ان الرجل هو الذي لا يريد ان يعود واكتفى باستقالة تلفزيونية، سرعان ما اتضح انه المستهدف والمحتجز. وقد تكون استعانة رئيس الجمهورية بسفراء مجموعة الدعم الدولية للبنان افضل تعبير عن حاجته الى ضغوط دولية قوية لوظيفة محددة: ليس ثني الحريري عن استقالة هي شأن داخلي، بل اطلاق المحتجز لدى السلطات السعودية.
لعل المفارقة ان من بين هؤلاء، كانت السفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد اول من خابر الرئيس وقائد الجيش في السبت الاول، قائلة ان ادارتها لم تكن على علم بما حدث. وهي تأكدت من ذلك بعد اتصالاتها بوزارة الخارجية.
بيد ان مظلة الاجماع الوطني على عودة الحريري الى بيروت، وتالياً الاجماع على الرجل زعيماً سياسياً ورئيساً للحكومة على نحو لم يُعطَ اياه في انتخابات 2005 و2009 وكان جزءاً لا يتجزأ من الانقسام الداخلي، تضاعف من وطأة مخاوف وهواجس واخطار لا تقتصر على قلق ابداه المسؤولون الرسميون على حياته فحسب في ظل استمرار احتجازه، بل تطاول الوضع الداخلي برمته، وتحديداً تحضيره لعمل امني ينجم عن اغتيال يتوخى تحريك احد الشارعين الشيعي او السنّي او كليهما في آن، بما يقود البلاد الى شفير انفجار.