رد فعل جمهور تيار «المستقبل» وجمهور الرئيس سعد الحريري على محنته تبدّل خلال أيام قليلة، من الذهول والصدمة في اليومين الأولين إزاء ما حصل، الى ارتفاع منسوب الاستياء جدياً مع تأكّد الأنباء عن وجوده في الإقامة الجبرية، ولا سيما أن قيادة «المستقبل» وضعت قواعدها في أجواء حقيقة ما يحصل. وكانت الضربة الأكبر عندما انتشر خبر طلب السعودية من آل الحريري مبايعة بهاء الحريري بديلاً من سعد.
السعوديون كانوا يراهنون على استجابة سريعة من جانب الدولة اللبنانية ومن جانب الجمهور لخطوة الاستقالة. والمشكلة، بالنسبة الى السعودية، لم تنحصر في موقف الرئيس ميشال عون وبقية المؤسسات الدستورية فحسب، بل في أن جمهور «المستقبل» لم يتفاعل مع طلبات السعودية وتصرّفاتها.
ففي ما خص بيان الاستقالة نفسه، لم تنجح السعودية في تحويله الى بند رئيسي على جدول أعمال أنصار رئيس الحكومة، بل سرعان ما توحّد هؤلاء خلف قيادتهم وخلف المطلب الرئيسي بعودة الحريري فوراً الى لبنان. وكان التأخير وطرح مبايعة بهاء سبباً في تعاظم الاستياء، وخصوصاً بعدما رفض أفراد العائلة الطلب السعودي. مع الإشارة الى أن قيادات المستقبل، على الأرض، أتيح لها أيضاً الاطلاع على تفاصيل التواصل حول قضية بهاء. وكان لافتاً للجمهور أنه رغم الخلافات بين أفراد العائلة، إلا أن الجميع أبلغ بهاء نفسه أن الأولوية هي لعودة سعد وليس أي شيء آخر، وخصوصاً أن الفاعلين في التيار، الذين يرفضون فكرة تولي بهاء، لفتوا الى أنه لا يمتلك المواصفات المطلوبة للعب دور سياسي، فيما بات سعد الحريري صاحب خبرة واحترام لدى فئة كبيرة من اللبنانيين.
المعضلة الأخرى التي واجهها السعوديون هي تحوّل حملة التعاطف مع الحريري الى حملة وطنية، مع ارتفاع منسوب الغضب لدى أنصار «المستقبل»، الذين جهدت قيادتهم لمنعهم من أي تحرك شعبي، خشية أن يتطور الموقف الى حملة عدائية ضد السعودية، كون ذلك يشكل سابقة، عدا عن خشية قيادة التيار وآل الحريري من انعكاسات سلبية لمثل هذه الحملة على الحريري نفسه.
وبين الفاعلين في «المستقبل» من يعتقد بأنه قد يكون من واجب التيار مساعدة الرياض على مخرج سريع، يستند أساساً الى عودة سعد أولاً، على أن يجري ترتيب الأمور لاحقاً بمشاركته حتى ولو كان قرار الانسحاب. ويعتقد هؤلاء بأن المرحلة الانتقالية لا يمكن أن يقودها إلا شخص من آل الحريري، وربما بإمكان النائبة بهية الحريري أن تتولى الأمر، علماً بأن المقابلة التلفزيونية مع الحريري أمس تفتح الباب أمام مخرج كهذا، يوفّر للسعوديين سلّماً للنزول من أعلى الشجرة التي تسلّقوها، لأن بقاءهم على موقفهم سيكشف لهم سريعاً أنهم باتوا بلا حلفاء في لبنان. وسيفضل كثيرون الخروج حتى من سوق العمل السعودي، إذا كان البديل العيش في ظل سياسة الإذلال.
اللافت أن الكل يتذكر اليوم المثل القائل «أكلت يوم أكل الثور الأبيض». حتى إن هناك رجال أعمال، ممن لا تربطهم علاقة طيبة مع الرئيس الحريري، يتعاطفون معه الآن، وبعضهم يقول إن ما يجري مؤشر خطير على الجميع. وإذا نجح السعوديون في تطويع تيار المستقبل وجمهوره بهذه الطريقة، فسيكون الجميع في حالة إحباط. وهذه المرة سيتهم الناس السعودية وليس إيران أو حزب الله.
أما المشكلة الإضافية للسعودية، فتتمثل في أن حلفاءها الحقيقيين اليوم، غير قادرين على جذب الشارع صوبهم. لا أشرف ريفي ولا «القوات اللبنانية» التي يتهمها أنصار «المستقبل» بأنها كانت جزءاً من المؤامرة على الرئيس الحريري، وأن قيادتها كانت على الدوام تحرّض عليه عند السعوديين والإماراتيين والأميركيين، وتركز على مدير مكتبه نادر الحريري وآخرين واتهامهم بأنهم خلف التسوية مع عون وحزب الله.
قبل أيام، عقد في الطريق الجديدة اجتماع لمناصرين وكوادر في تيار «المستقبل». جرى نقاش كبير، وكان هناك نقد كبير وواضح للسعودية. وطالب هؤلاء قيادتهم بأن تسمح لهم بتنظيم تظاهرات في بيروت وتظاهرة سيارة من أمام مبنى السفارة السعودية. ووصل الأمر بأحد المسؤولين الى السؤال: «هل وصلنا الى درجة أن حزب الله هو من سيحمينا». حتى إن الأمين العام للتيار أحمد الحريري، في سياق رده على تساؤلات قياديين في التيار عما يجري مع الرئيس الحريري في الرياض، اضطر إلى توجيه سهام النقد الى من يريد «إجبارنا على مقايضة أن نبقى في الحكم بأن ندفع نحو حرب أهلية جديدة في لبنان». وعندما سئل عن قصة تطويب بهاء الحريري زعيماً، كرر الحريري ما قاله وزير الداخلية نهاد المشنوق بـ«أننا لن نقبل بأن يفرض علينا زعيم فرضاً. وبمعزل عن الاسم، فإن المسالة ليست وراثة. وعندما تولى سعد القيادة، حصل ذلك في ظل ظروف خاصة جداً. أما اليوم، فإن الحريري انتخب زعيماً شعبياً، له محبة كبيرة بين الناس، وله حضور في البلد كله، ولديه قدرة على إدارة الأمور، ولا يمكن أن تتم إقالته وفرض غيره علينا، وليس بيننا من يقبل بذلك».