حين كان يقول إن التسوية السياسية في هذه المرحلة هي الإنجاز الأهم كان كثيرون – وكنّا من بينهم – نشكك ونستنكر وأيضاً نستهزئ. 
حين كان يقول إن الإمساك العصا من وسطها في هذه المرحلة إنجاز إستثنائي كان كثيرون – وكنا من بينهم – نشكك ونستنكر وأيضاً نستهزئ. كان كثيرون وكنا نريده أن يمسكها من طرفها مع فريق ليضرب بها الفريق الآخر. 
حين كان يقول إن الاستقرار السياسي والأمني أهم من كل البطولات والعراضات والاستعراضات كان كثيرون – وكنا دائما من بينهم – نشكك ونستنكر وأيضاً نستهزئ. 
وحين كان يقول إن تأمين الكهرباء ومكافحة الفساد والإصلاح والتغيير وحل أزمة السير ووضع حد للغلاء المعيشي مهمين لكن هناك ما هو أهم، كان كثيرون – وكنا دائماً وأبداً من بينهم – نشكك ونستنكر وأيضاً نستهزئ.
لكن فجأة تقع الواقعة فنهرع إلى حسابات الناشطين في المجتمع المدني المفترض لنرى خارطة الطريق لخلاصنا وخلاصهم وخلاص البلد فلا نجد غير النكت والهاشتاغات المسلية. نلجأ إلى رجل المواقف السيادية الأول والمقصود النائب سامي الجميل طبعاً فلا نسمع له حساً. رئيس حكومة لبنان يلزم بتقديم استقالته من السعودية ولا نسمع حس للجميل. يصول السبهان ويجول فوق سيادتنا، موزعاً التهديدات يميناً ويساراً ونزولاً وصعوداً ولا نسمع حس الجميل. أين هو فتى الكتائب؟ كيف يتركنا في هذه الحشرة؟ قام باللازم وينتظر بالوراثة أيضاً سقوط الليرة اللبنانية أم ماذا؟ أين هو سعادته من هذه الأزمة؟ أين مجتمعه المدنيّ؟ لماذا يتركنا لمصيرنا في هذه اللحظة الحرجة تماماً كما تركنا والده حين أنهى عهده الرئاسي الكارثيّ ثم ذهب يمتع نفسه وأسرته بإجازة استمرت طوال الأيام الصعبة؟
لكن في خضم هذا كله تراه كالجبل – لا كمجرد حائط دفاع – في مواجهة الرياح العاتية. يجمع العمر كله والتجربة والخبرة واللوعة من ألاعيب الأمم وخشية كل أم وأب على استقرار هذا البلد وأمنه ويقف منتصب القامة، قائلاً: هذا عهد ميشال عون، ممنوع المزح. يتكرر التاريخ؛ يخرج إلى شرفة القصر ويقول حريتنا وسيادتنا واستقلالنا ووحدتنا الداخلية خطوط حمراء. ولا يبقى هناك على الرادار اللبنانيّ سواه. يحمل هم الاستقرار ويشغل كل المحركات ليدير الأزمة على نحو لا يصدق. الأمن وسلامة الليرة أولاً، تيار المستقبل وعائلة الحريري ثانياً، تهدئة خصوم الحريرية ثالثا، إيصال رسائل واضحة أن التهديدات الاقتصادية لا تخيف لبنان رابعاً، وضع أصدقاء لبنان حول العالم أمام الامتحان الصعب خامساً، إشراك جميع الأفرقاء السياسيين مهما بلغت سذاجتهم التمثيلية في الحل سادساً، ضبط بوصلة الإعلام سابعاً، واستقبال السفراء الأجانب أخيراً. الإستراتيجيّ الذي علمته التجارب أن لا يخطئ التقدير أبداً. "بيّ الكل". نعم، لو كان الرئيس ميشال سليمان في القصر لقال للسعودين أمراً وطاعة، ولو كان الرئيس إميل لحود في القصر لقبل الاستقالة قبل أن ينهي الحريري تلاوة بيانه وكلف شاكر البرجاوي تشكيل حكومة، لكن في القصر من يعرف معنى الاستقرار وكيفة تعطيل القنابل والألغام.
وبعد هذا الأسبوع الحافل بالقلق بدا واضحاً للجميع أن لا شيء أهم من الاستقرار السياسي؛ ولا أحد يعرف قيمة هذا الاستقرار وكيفية الحفاظ عليه أكثر منه؛ بَي الجمهورية، بَي استقرارها أيضاً وهو حجر الزاوية في هذا البناء الذي لولاه لما كان هناك بلد ولا مجلس نيابي ولا منابر ولا مشايخ يتوارثون المقاعد النيابية ويسنون أسنانهم كلما لوح محتل براية أو اخترقت الطائرات الاسرائيلية الأجواء اللبنانية أو هُددت الليرة.