ركب آل سعود أعلى ما في خيلهم في الملف اللبناني.. هددوا، توعدوا، عرضوا على الصهاينة تمويل حرب على حزب الله، ارسلوا انتحاريين وسيارات مفخخة، ساهموا بشكل أو بآخر في الاغتيالات السياسية التي اجتاحت لبنان منذ 2005، اهانوا سيادة الدولة اللبنانية عبر احتجاز رئيس الحكومة وارغامه على الاستقالة.. وبعد فشلهم في كل محاولاتهم، افلتوا في أزقة وسائل التواصل والدروب المظلمة بخاريا لا يمتلك الا التفاهة وقلة الأدب في التعبير، لا سيما بعد نعيقه الأخير عبر تويتر في رسم كاريكاتوري يمثل البطل الأمريكي الخارق، سيده، موبخا ومحاسبا من يقول "باحتجاز الحريري"، علما أن القائلين بذلك هم بالإجماع كل الأحرار الذين لا يمتلك السعودي أن يجبرهم على القول بأن اللبن اسود.
إذاً، رغم أن مسرحية المقابلة حظيت بارتفاع نسبة مشاهدتها، فإن العرض لم يحظ بأي استحسان لدى الجمهور. بل على العكس من ذلك، وضع الشكوك التي سبقته على سكة الخبر اليقين، وحوّل الزعيم من رئيس حكومة قد يكون استقال مرغما، إلى رجل مخطوف اثار في محبيه الدموع وفي خصومه الاشفاق.. وجمع الدامعون والمشفقون حول ضرورة استعادته، في إجماع جميل حول الكرامة الوطنية والسيادة المنتهكة. أراد السعوديون من ظهور سعد الحريري التلفزيوني إخفاء معالم جرائمهم فوقعوا في فخ الجرم المشهود والموثق. لم يستطيعوا مداراة خيبتهم في شق الإجماع الوطني هذا فكان البخاري اول الواقعين في نوبة فقدان التوازن، فما كان منه إلا أن مارس "قلة اللباقة والتهذيب" بحق رئيس الجمهورية وكل القيادات الحرة، وذلك ليس غريبا على بلاد أنتجت وزيرا اسمه السبهان، ولا مستغربا في بلاد النخاسة والدم والارهاب.
لم يتسنّ للبخاري ربما في فترة إقامته الحديثة في بيروت أن يتعرف إلى النماذج اللبنانية التي لا تخضع مثله لملكه وولي أمره، فظن، كما يظن كل غلام، أن قلة الأدب على غير وليه أمر مقبول، وافترض أن بإمكان سماجته أن تكون محط ابهار وهو لا بد سأل رئيسه المباشر عن ردة فعل مالكهما على نكتته التافهة، وينتظر، في طوابير الذل لفتة ملكية على هيأة ابتسامة.
حسنا، باتمان، أيها البخاري يوبخ ملكك ويخيفه، وحتما يخيفك أن صادف وشاهدت صورته، لكن هنا في بلادنا، الوضع مختلف، فلم يمر الكثير من الوقت على ذكرى عملية المارينز في بيروت. وان كنت تجهل ما حدث فاسأل كيف عاد جمع "الباتمن" إلى بلاده أشلاء مبعثرة.
الشخصية الأمريكية الفائقة القوة، أيها البخاري، هي أسطورة لا يصدقها حتى الأطفال في بلادنا. وذلك ليس لنقص في خيالهم، بل لغنى واقعهم بآلاف الابطال الذين هزموا معلميك، ولولا خوفهم منا لما انتدبوك أداة بديلة، وضعتك في مصاف العدو الوكيل.. بعد أن فقد الأصيل قدرته وماء وجهه في حربه علينا. صغارنا، أيها البخاري، يودون أن يعلموا، والفضول سمة الطفولة الذكية، كم يخيفك هذا النموذج حتى ظننت انك أن استعنت برسم له، سنصدق روايتكم المفككة والسيناريو الركيك الذي تحاولون الخروج به من مأزق اخترتم الوقوع فيه بكل ما اوتيتم من عبودية ومن جهل..
وبعد، أصبحت المطالبة بطرد السفيه البخاري من لبنان، ومعه فريقه الكامل من سعوديين ومحليين، أمرا واجبا وتأديبيا لمساسه بالسيادة اللبنانية، واستغلاله الروية والتعقل في ردود الفعل الرسمية التي لم يظهر منها حتى اللحظة اي اشارة.. ربما لكون ما يصدر عن سفيه لا يستحق الرد، وربما أيضا على اعتبار أن البخاري مجرد "روبوت" ينفذ ما يؤمر به وبناء على ذلك، فالرد يكون على مالك الروبوت ومحركه وليس على الألة الصماء التي لولا الأوامر لأكلها الصدأ.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع