لم يأتِ البيان الصادر عن اجتماع وزراء الخارجية العرب مخالفاً للتوقعات اللبنانية والمعطيات التي جمعها أكثر من طرف طوال يوم أمس عن السياق العام الذي سيخرج به البيان الختامي لجهة اتهام المقاومة باللبنانية بالإرهاب. إلّا أن روح البيان لم تكن عامل قلقٍ بحدّ ذاتها، بقدر ما كانت مؤشّراً سلبيّاً على المسار المستقبلي الذي قد يسلكه الرئيس سعد الحريري بعد عودته إلى لبنان.

وبقي الحريري عرضة للابتزاز السعودي، خصوصاً أن بقاء ولديه، لولوة وعبد العزيز، في الرياض التي عادت إليها زوجته، يعني استمراره في حالة «الرهينة» لسياسة وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان. لكن انتظار تغيير ما يطرأ على هذا الواقع سيكون بلا جدوى؛ فالحريري سيصرّ على رفض التطرق إلى وضع عائلته في السعودية، وسيؤكد أنها «في بيتها وبين أهلها»، كما سينفي تماماً المعلومات الموثقة عن تعرّضه للاختطاف.
وبينما يطلّ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله مساء اليوم للتعليق على آخر التطورات، أمضى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي يوم أمس مجرياً اتصالات بأكثر من دولة عربية لاستطلاع موقفها المنتظر أمس ووضعها في صورة الموقف اللبناني، لا سيّما مصر والجزائر والعراق، بالتوازي مع جولة الاتصالات التي قام بها وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل.
وفيما كان برّي لا يزال يلتزم الصمت بانتظار عودة الحريري إلى بيروت، قال أمس أمام زوّاره إن بيان وزراء الخارجية العرب يعطي إشارة سلبية، إذا كان معياراً لمواقف الحريري المقبلة. وفي السياق، أكّدت مصادر نيابية في التيار الوطني الحرّ لـ«الأخبار» وجود الهواجس ذاتها، خصوصاً أن الحريري لم يتواصل بعد بشكل جدّي مع أيّ من الأطراف اللبنانية للوقوف على حقيقة موقفه.
وإذا كانت بيروت تنتظر عودة الحريري بالكثير من الضبابيّة، فإن الإرباك الأكبر يسود فريق رئيس الحكومة حيال التعامل مع مسألة الاستقالة أوّلاً، ثمّ مع المرحلة اللاحقة. وبحسب مصادر وزارية بارزة مطّلعة على أجواء الحريري في باريس، فإن هناك اتجاهين داخل فريق الحريري اللصيق؛ الأوّل لا يزال يؤكّد أن الاستقالة لم تحسم وأنه لا تزال هناك مساحة للمناورة للوصول إلى مكاسب معيّنة، فيما يجزم الثاني بأن الحريري سيتمسك باستقالته وسيبلغها رسميّاً لرئيس الجمهورية ميشال عون حال عودته إلى بيروت. وهذا التخبّط ينسحب أيضاً على المسؤوليات التي ترتّبها الاستقالة على الحريري، وكيفية التعامل مع التطورات إذا ما تمّت إعادة تكليفه بالتشكيل، في ظلّ الضغط السعودي عليه لإعلان التصعيد الفعلي ضدّ حزب الله.

غير أن السقف الذي وضعه بيان وزراء الخارجية العرب بدا مقبولاً بالنسبة إلى فريق الحريري، على اعتبار أن إدانة حزب الله بالإرهاب ليست جديدة. ونشرت قناة «أم. تي. في.»، ليل أمس، كلاماً منسوباً إلى مصادر الحريري، وصفت فيه بيان وزراء الخارجية العرب بـ«المقبول» وأن «دبلوماسيتنا نجحت في إبعاد أي إجراء قاسٍ، كشطب لبنان» من جامعة الدول العربية. أثار الخبر بلبلة لدى الفريق المتعاون مع وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان، وجرى تفسير الكلام وكأن الحريري يعلن انتصاراً على السعودية، ما اضطر فريق الحريري إلى النفي عبر وسائل إعلامية أخرى أن يكون خبر الـ«أم. تي. في.» منقولاً عن مصادر الحريري.
وعاد المرتبطون بالسبهان إلى الكلام التصعيدي ضد حزب الله وتبنّي خطاب استقالة الحريري، في مواقف تواكب بيان وزراء الخارجية العرب. وبدا لافتاً إشارة وزير العدل المستقيل أشرف ريفي، على قناة «العربية» أمس، إلى أنه «يجب أن نعيد النظر بقانون الانتخاب الذي أقرّ على قياس حزب الله».

تحضيرات في «المستقبل»

وعقد مساء أمس في منزل الحريري في وسط بيروت اجتماع مركزيّ لمنسّقي تيار المستقبل، جرى خلاله استعراض للأنشطة التي ينوي التيار القيام بها ترحيباً بعودة الحريري الى لبنان. وتوقّع القائمون على الاجتماع أن يكون الحريري في بيروت صباح الأربعاء على أبعد تقدير، مؤكّدين أن العمل جار على تنظيم تجمّع شعبي في ساحة الشهداء في الساعات التي تلي الاحتفالات بعيد الاستقلال.
وبحسب المداولات في الاجتماع، فإن النقاش تركز حول الشعارات والخطب والتجمعات، وحول من سيشارك في التجمع. وكان لافتاً استماع المسؤولين إلى منسّقين أُبلغوا من ناشطين محليين رغبة حزب القوات اللبنانية وأنصار ريفي المشاركة في المهرجان. إلّا أن البحث يتركز الآن على ضرورة التقيد بشعارات موحدة وعدم إطلاق مواقف سياسية وعدم فتح الباب أمام كلمات متنوعة. والجميع في انتظار القرار النهائي الذي سيبلغه أمين عام التيار أحمد الحريري إلى قيادة التيار في الساعات المقبلة.
وبحسب بعض المشاركين في الاجتماع، فإنه جرى التطرق الى الوضع السياسي، وسمع الحاضرون أن قيادة المستقبل تريد تجاوز كل ما رافق غياب الحريري في السعودية، وأن الميل هو لعدم التطرق الى مسألة احتجازه أو الضغط عليه هناك، أو حتى موضوع ترشيح شقيقه بهاء لخلافته في قيادة التيار. وأشار بعض الحاضرين إلى أنهم سمعوا توقعات بأن يلتزم الحريري سقف ما صدر عن اجتماع وزراء الخارجية العرب، لكنهم يتوقعون المزيد من الضغوط على لبنان، وخصوصاً في الجانب الاقتصادي، وأن هناك ميلاً لممارسة عقوبات في دول الخليج على الجاليات اللبنانية، خصوصاً المسيحية منها، بقصد نقل الضغط على عون لإجباره على الابتعاد عن حزب الله.

المصدر: الأخبار