وأخيراً، عاد الرئيس سعد الحريري إلى بيروت، بعد احتجازه وإجباره على تقديم استقالته في المملكة العربية السّعودية، ثمّ انتقاله إلى باريس بوساطات عربية ودولية. وإذا كانت زيارة رئيس الحكومة إلى مصر في طريقه إلى بيروت للقاء الرئيس عبد الفتّاح السيسي مفهومة، بفعل الدور الذي قامت به مصر لإطلاق سراحه من الإقامة الجبرية في السعودية، فإن توقّفه للقاء سريع في قبرص ليل أمس مع الرئيس القبرصي نيكوس أناستسياديس بقي غير واضح المعالم.

إلّا أن مصدراً فرنسياً مطلعاً أكّد لـ«الأخبار» أن اجتماعاً عقد في الساعات الماضية بين السيسي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقي بعيداً من الأضواء، وتم خلاله الاتفاق على مبادرة مشتركة لمعالجة الوضع في لبنان. ورفض المصدر تأكيد أو نفي أن يكون الاجتماع عقد في قبرص، بعد زيارة خاطفة للرئيس الفرنسي للقاء نظيره المصري الذي زار نيقوسيا للمشاركة في قمة ثلاثية مع نظيريه اليوناني والقبرصي. وقال المصدر إن الرئيسين اتفقا على ثوابت أساسية، وهي منع جرّ لبنان إلى مواجهة سياسية تؤدي إلى تصعيد وتوتر أمني وسياسي واقتصادي. كما أكّدا تمسكهما ببقاء الحريري في رئاسة الحكومة. وبحسب المصدر، سيوفد ماكرون في اليومين المقبلين مساعداً بارزاً له إلى بيروت، للقاء الرؤساء الثلاثة وقيادات أخرى، للتركيز على ضرورة منع حصول فراغ حكومي، ولشرح طبيعة الاتصالات التي جرت مع الجانب السعودي. ولفت المصدر إلى أن الحريري في أجواء هذه الاتصالات، وأن الجانبين الفرنسي والمصري أبلغاه بضرورة عقد مشاورات شاملة في بيروت، وأن يبقي الباب مفتوحاً أمام عودته إلى رئاسة الحكومة، سواء من خلال بقاء الحكومة الحالية، أو عبر إعادة تشكيل حكومة سياسية لا تستثني أي قوة.

ومن المنتظر أن يشارك الحريري صباح اليوم في احتفال عيد الاستقلال، إلى جانب الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي، على أن يلي الاحتفال لقاء يجمعه برئيس الجمهورية في قصر بعبدا. إلّا أن عودته وما سيليها من تطوّرات، تخلّف انقساماً بالآراء، ليس داخل فريقه اللّصيق فحسب كما كان الحال طوال الأيام الماضية، إنّما لدى فريق عون و8 آذار أيضاً، الذي تبدي بعض شخصيّاته تفاؤلاً، فيما يرجّح البعض الآخر بدء أزمة سياسيّة كبيرة.
فرئيس المجلس النيابي، مثلاً، قرأ في الرسالتين اللتين وجههما الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان لعون، في مناسبة عيد الاستقلال، والتهنئة التي وصلته ورئيس الجمهورية من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تطوّراً إيجابيّاً. وقال أمام زوّاره أمس إن هذه الرسائل «كسرت السّم». وأضاف: «حتى الآن لا شيء واضحاً. نحن في انتظار عودة الحريري لمعرفة ما الذي قرره. فإذا عاد عن الإستقالة نكون قد تخطينا أزمة كبيرة، ونحن على استعداد كي نعطيه ضمانات للنأي بالنفس. أما في حال قرر التمسك باستقالته، فسنكون أمام مأزق كبير». وتابع أن «المصريين والفرنسيين مستمرون في الوساطة، ومن الواضح أنهم يلعبون دوراً ايجابياً وله تأثير كبير. مصر لعبت دورا أساسيا ونعوّل عليه».
تفاؤل برّي الحذر مردّه معطيات وصلته بأن الحريري أبدى في الأيام الثلاثة الأخيرة «تعاوناً واضحاً»، وأجواؤه «كانت تشي بأنه جاهز للتسوية والعودة عن الاستقالة لقاء ضمانات»، في وقت أبدى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ليونة كبيرة في إطلالاته الثلاث الأخيرة.
ويقترب الوزير جبران باسيل من موقف برّي في التفاؤل باعتبار أن استقالة الحريري لا تزال قابلة للتفاوض، على عكس عون الذي نقلت عنه مصادر في التيار الوطني الحّر عدم ارتياحه للمرحلة المقبلة. وتقول المصادر إن ما يهمّ رئيس الجمهورية الآن هو بقاء الحكومة، وأنه سيتريّث في حال أصرّ رئيس الحكومة على استقالته، في انتظار المزيد من الاتصالات. وأضافت أن عون، في حال إصرار الحريري على الاستقالة، سيصرّ على إعادة تكليفه لتشكيل حكومة جديدة، وإذا اعتذر أو تعذّر التأليف، فسيسعى للاتفاق معه على تأليف حكومة برئيس يتفقان عليه، لضمان وجود حكومة فاعلة مع رفضه بقاء البلاد تحت سيف تصريف الأعمال.
وبالتوازي، لا يزال الانقسام داخل فريق الحريري على حاله، بين من يقول إن الاستقالة لا عودة عنها، ومن يرى أنه يمكن التوصّل مع عون إلى اتفاق على تسوية جديدة. وتطرح مصادر مطّلعة مطالب الحريري المتوقّعة، تنفيذاً للطلبات السعودية، تحت ثلاثة عناوين: التزام عون بالنأي بالنفس، انسحاب حزب الله من كل الساحات العربية بما فيها سوريا، وضمان وقف الحملات الإعلامية ضد المملكة انطلاقاً من لبنان.

احتجاج مصري... وإعفاء السبهان؟

على صعيد آخر، فُهم من التواصل اللبناني ـــ العربي ـــ الدولي أن غالبية الدول المعنية بالشأن اللبناني، بما فيها الإمارات العربية المتحدة والكويت ومصر وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، أكّدت تمسكها ببقاء الحريري على رأس الحكومة ورفضهم أي خطوة تهدد الاستقرار.
وكان الجانب المصري حاول تبنّي فكرة أن تتولى القاهرة ضمان التزام الحريري بسقف مقبول من السعودية وأميركا، وعرضت على السعودية أن تقوم هي برعاية الحريري بدلاً من الرياض. لكن الأجوبة لم تكن حاسمة. ويعود قلق القاهرة إلى أن نتائج الجولة العربية لوزير الخارجية المصري سامح شكري، الأسبوع الماضي، كشفت عن حجم القلق، خصوصاً في الكويت والأردن، مما يقوم به ولي العهد السعودي. حتى أن المصريين سمعوا في أبوظبي أن المسؤولين الإماراتيين لم يكونوا على علم مسبق بما جرى مع الحريري، وأنهم ساعدوا على إقناع ابن سلمان بتركه يعود الى بيروت.
وبحسب مصادر دبلوماسية عربية، فإن المصريين تثبتوا خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب من أن السعودية أجرت مراجعة، بضغط أميركي، لتطورات الأسبوعين الأخيرين، وأن لدى ابن سلمان هاجساً واحداً، وهو كيفية توجيه ضربة كبيرة في اليمن. ولفتت المصادر إلى احتجاج مصري على استمرار تجاهل ابن سلمان للقاهرة في خطواته الاقليمية. وقالت إن «شكري شدد خلال جولته على أن القاهرة لا تقبل بأن يتم إخبارها بالخطوات عبر الاعلام، ولن تقبل تكرار بعض الأخطاء التي رافقت إنطلاقة المعركة ضد قطر»، حيث تبين أن السعودية والامارات بادرتا الى خطوات ضد الدوحة من دون إشعار المصريين بها مسبقاً.
وتضيف المصادر أن «مصر قلقة جداً حيال الأزمة في لبنان، ولذلك طالبت جميع حلفائها في المنطقة، وعلى رأسهم الامارات، بممارسة ضغوط على ابن سلمان لإقناعه بأن لا يبادر مرة جديدة إلى خطوات مرتجلة، وبأن يعمل على السير في تثبيت استقرار لبنان، من خلال ترك الحريري يعيد صياغة اتفاقاته اللبنانية ويبقى في رئاسة الحكومة».
وبحسب المصادر العربية، فان ابن سلمان تحدّث أمام جهات حليفة له عن عدم ممانعته استمرار الحريري في قيادة فريقه السياسي حتى الانتخابات النيابية المقبلة. لكن السعودية تريد منه إعادة ترميم حلف 14 آذار وعدم التحالف مع التيار الوطني الحر في الانتخابات المقبلة.
وفي سياق آخر، دعت مصادر لبنانية إلى مراقبة الأداء السعودي في الفترة المقبلة، وتساءلت عما إذا كان صدر قرار بإعفاء «وزير الحرب السعودي على لبنان» ثامر السبهان من مهامه اللبنانية، وترك الأمر للسفير الجديد المعين وليد اليعقوب. ولفتت المصادر إلى أن السبهان غاب عن الشاشة منذ قرار سفر الحريري الى باريس، وأن فريقه العامل معه في لبنان يعيش حال قلق، وسط مخاوف على مستقبل العلاقة بين تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية على وجه الخصوص.

المصدر: الأخبار