تُراوح العلاقة المُستقبلية – القواتية بين منزِلتين: لا قطيعة، ولا عودة إلى ما كانت عليه قبل انتخاب ميشال عون رئيساً، ولا حتى الفترة التي سبقت استقالة الرئيس سعد الحريري (مُرغَماً) من الحكومة. وإذا كان الكثيرون في بيت الوسط ومعراب لا يوافقون على أن سعد الحريري وسمير جعجع باتا خصمين في السياسة، فإنه ممّا لا يختلف بشأنه المحيطون بهما، أنهما «لم يعودا حليفين». هما الآن في «النصف»، إلى حين جلاء الصورة كاملة عن ملابسات ما حصل قبل استدعاء الحريري إلى الرياض وخلال فترة احتجازه فيها والدور الذي لعبته القوات في تلك الفترة.
في هذا الوقت اختار رئيس القوات اللبنانية، أن يلعب الدور الأحبّ إلى قلبه، وهو تحويل نفسه إلى ضحية «بعض المستقبليين الذين يفضلون حلف التيار الوطني الحر على الحلف مع القوات، ويسعون إلى تفجير علاقة الحكيم بالشيخ». والجانب الأهم في هذا الدور هو ما يروّجه قواتيون عن توقيت زيارة جعجع للحريري، إذ يحاول هؤلاء قلب صورة الظالم والمظلوم.
فالحريري هنا هو الظالم الذي لم يخرُج حتى الآن ببيان يعتذر عن كل الاتهامات التي ساقتها دائرته المقربة ضد جعجع، والمظلوم هو الأخير الذي لن يزور الحريري قبل صدور بيان توضيحي ينفي كل ما قيل عن كتبة التقارير والخونة والغدارين. وبهذه الحملة المبرمجة يظنّ جعجع أنه قادر على نسف قناعة راسخة لدى كثير من المستقبليين بأنه من المحرضين على رئيس الحكومة أمام أولياء الأمر في المملكة العربية السعودية.
ليست الأزمة بين المستقبل والقوات وليدة الظروف التي أحاطت باستقالة الحريري. لكن الخلافات سابقاً كانت ترمّم بلقاءات ثنائية وزيارات متبادلة. لطالما كانت بوابة معراب مفتوحة أمام الحريري، ومائدة الأخير ممدودة لجعجع ولو على سحور رمضاني. غير أن الواقع حالياً مختلف تماماً. هي اليوم أزمة «خيانة وتآمر على رئيس الحكومة في أكثر لحظات ضعفه»، بحسب مستقبليين رفيعي المستوى. وهي سقطة وجدت فيها الدائرة الضيقة القريبة من الحريري حبل نجاة من هذا التحالف المشكوك في نياته. مع ذلك، ليس مهماً اليوم استعادة كل الضربات التي صدّعت جرّة المستقبل والقوات، بل التركيز على نتائج تعامل القوات مع هذه الأزمة، التي ستظهر تباعاً في المرحلة المقبلة، ولا سيما أن الحريري يفضّل إدارة هذه العلاقة من النقطة الصفر. فخلال ترؤسه الاجتماع الأخير مع تياره بمنزله في وادي أبو جميل، أمسك العصا من المنتصف في معرض تناول الحاضرين لمستقبل هذه العلاقة فقال: «لسنا في خصومة مع القوات، وسيكون هناك حوار معها»، حسب ما قالت مصادر مستقبلية.
تيار المُستقبل لا يزال، كما كان، منقسماً حول كل الملفات. وهذا الانقسام ينسحب أيضاً على العلاقة مع القوات نفسها. فيه جناح يتعامل بواقعية، وعبّر عنه في أول تصريح رسمي وزير الداخلية نهاد المشنوق منذ أيام، حين اعترف في مقابلة تلفزيونية «بوجود ندوب في العلاقة». وفيه جناح آخر ممن قلبهم مع سمير جعجع، ولو لم يُعلنوا ذلك، وقد تحدّث باسمهم أمس النائب عقاب صقر الذي نفى «وجود صدع في العلاقة»، داعياً «المصطادين بالماء العكر إلى التوقف عن الحديث في هذا الموضوع لأنهم سيرون جعجع في بيت الوسط قريباً فتسقط كل الاتهامات الباطلة». ما قاله صقر فيه شيء من الصحة وشيء من عدمها، وكان الأصحّ أن يقول إن ثمة تياراً داخل المستقبل يفضّل ألّا تأخذ العلاقة مع جعجع هذا المنحى. إذ رأت أوساط قريبة من الحريري أن «كلام صقر لا ينفي سوء التفاهم الحاصل، وهو لا يعدو كونه كلاماً تقليدياً في السياسة، لأن القطيعة لم تحصل بعد، رغم تفضيل جزء كبير في التيار العلاقة مع العونيين على العلاقة مع القوات». وتستغرب الأوساط «الحملة المضادة التي تشنها معراب على المستقبل، حيث لم يخرج من بيننا كلام رسمي يدينها»، مشيرة إلى أن «ما قاله الوزير السابق غطاس خوري كان يستهدف بالدرجة الأولى الوزير السابق أشرف ريفي والنائب السابق فارس سعيد».
في الحسابات المستقبلية «ليس هناك تدهور في العلاقة الثنائية، بل ندوب تحتاج إلى حوار»، وهذا الحوار «سيحصل بين الحريري وجعجع عاجلاً أو آجلاً. فلمَ الاستعجال»؟ أما عن عدم زيارة جعجع لبيت الوسط حتى الآن، فتعلق مصادر مستقبلية بارزة بالقول: «هل طلب موعداً ورفضناه؟»، مشيرة إلى أن «عدم اتصال الحريري بجعجع لشكره أمر طبيعي»، فهو «لم يكُن من الأشخاص الذين ساهموا بنهاية هذه الأزمة، ولم يخرج عنه أي تصريح اعتراضي، كما حصل من عون والنائب وليد جنبلاط، اللذين تحركا وتحدثا بشكل علني»، بل «ساق مضبطة اتهام بحق الحريري، وهو لا يزال في المملكة».
من جهتها تربط مصادر القوات «زيارة جعجع للحريري ببيان توضيحي ينفي كل الاتهامات التي سيقت بحقنا. فالحكيم لن ينزل بنفسه لأخذ صكّ براءة من المستقبليين». وأشارت المصادر إلى أن «ما قاله ولو بشكل مموّه بعض الأشخاص في التيار هو بمثابة خطيئة لن نتهاون معها»، خصوصاً أن «كثراً يسيرون بالرواية التي تتحدث عن تآمر جعجع على الحريري». القوات «منفتحة على أي حوار»، وفق ما تقول المصادر، وقد «قرأت حديث صقر بإيجابية، وإذا كان رسالة غير مباشرة من الحريري، فهذا يعني أن الأمور ستبدأ بالحل، لكن هذه الرسالة يجب أن يعقبها اتصال من الرئيس الحريري بجعجع».
معراب، رغم كل «الإساءة» التي تدعي أنها تتعرض لها، لم تجد نفسها مجبرة حتى الآن للرد عليها ولا التحرك في وجهها. فحكيمها غائب عن التصريح منذ أكثر من أسبوع، ووزراؤها «باقون في الحكومة» كما تؤكّد المصادر، لأن «البلد دخل مرحلة جديدة من المفاوضات والمشاورات حول الأسباب التي دفعت الحريري إلى تقديم استقالته، ونحن معنيون بالبقاء إلى جانبه في هذه المرحلة ومساعدته». وتعتبر أن «الأيام المقبلة هي التي ستحسم وجهة الحريري، فإذا قرر ترك المملكة، فإنه حتماً سينفصل عنا، وإذا قرر التظلل تحت عباءتها فسنكون نحن وهو في الاتجاه ذاته».