من المنتظر ان تختتم المديرية العامة لأمن الدولة اليوم تحقيقاتها مع الممثل المسرحي زياد عيتاني، المشتبه في تعامله مع استخبارات العدو الإسرائيلي. ويوم أمس، كشفت مصادر امنية وقضائية أن عيتاني تراجع عن جزء من الرواية التي قدّمها بشأن علاقته بـ«كوليت»، ضابطة الاستخبارات الاسرائيلية المفترضة، التي تولّت تشغيله لجمع المعلومات عن سياسيين وإعلاميين. آخر ما قاله للمحققين أنه لم يتلقّ منها اموالاً، وانه عمل لحسابها مجاناً، بعدما ابتزّته بفيديوهات جنسية تمكّنت من الحصول عليها منه، بداية علاقتهما، عندما لم يكن يعلم أنها اسرائيلية
بدأت القصة في عام 2014. في الأشهر الأولى من ذلك العام، انفصل زياد عيتاني عن زوجته الأولى. في الأشهر الأخيرة من العام نفسه، تعرّف إلى الفتاة التي ستصبح زوجته الثانية بعد أعوامٍ ثلاثة. وما بين أول العام وآخره، سُجِّل دخول فتاة سويدية إلى حياة عيتاني عبر بوابة الفايسبوك. نسجت هذه الفتاة معه «علاقة مشبوهة»، لم يكن واضحاً في تحديدها. أخبر المحققين أنّها أوهمته بأنّها تنتسب إلى «جمعية السلام والصداقة الأوروبية» التي تهتم بالشرق الأوسط والدول العربية.
وذكر أنّ الحديث تطوّر معها إلى أمور ثقافية وسياسية وآراء في مواضيع عامة، كان بينها السلام المطلوب في الشرق الأوسط نتيجة معاناة الشعوب العربية. في أوائل عام ٢٠١٥، في إحدى المحادثات، لمّحت المرأة المذكورة إلى أنّها من أصل يهودي وتقيم في السويد، سائلة إياه إن كان لديه مشكلة في ذلك، فأجابها بأنه ليس لديه مشكلة مع اليهود. طلبت تزويدها برقم هاتفه الخاص لتبدأ التواصل معه عبر الـ«واتساب». بعدها، بدأت تتصل به يومياً لتخبره عن يومياتها وأصدقائها.
وبعد أحاديث طويلة، بدأ يلاحظ أن أسئلتها تميل نحو تطبيع فكري مع الكيان الصهيوني، فعارضها وهاجمها لطرح هذه الفكرة. واعترف بأنّها أخبرته بداية عام ٢٠١٦ أنّها تعمل بصفة «عميل محرّك» لدى الاستخبارات الإسرائيلية وأنّ عليه العمل معهم. صدِم، فأقفل الخط في وجهها. حاولت الاتصال به فلم يُجب، عندها أرسلت له رسالة تمنحه فيها من ٤٨ ساعة إلى ٧٢ ساعة ليحسم أمره بالعمل معهم، وإلا فستقوم بفضحه في وسائل إعلامية لبنانية وعبرية. وطلبت منه رفع تقارير عن الأهداف والأشخاص الذين ستعلمه عنهم تباعاً. أبلغ عيتاني المحققين أن الفتاة كانت تتكلم اللغة العربية بلهجة مكسّرة أقرب إلى الخليجية، وقال إنّ مجرد الفكرة أرعبته، ولا سيما أنّه لا يملك في هذه الدنيا سوى سمعته ورصيده من الشهرة، لكونه لا يحمل شهادة البكالوريا حتى. سأله المحققون: بماذا هددتك؟ فردّ بأنّه كانت تحتفظ بتسجيلات صوتية له. وعن مضمون هذه التسجيلات، ردّ بأنّ أحدها يخبرها فيه عن موقف أربعة صحافيين من أصدقائه بشكل بدا فيه كأنما يزوّدها فيه بالمعلومات. وأبلغهم أنها هددته بأنها ستفضح تعامله معها وتدّعي أنه كان عميلاً لها. قال للمحققين إنّه كان يخبرها باستمرار عن مضمون لقاءاته بأصدقاء له، غالبيتهم إعلاميون، بهدف الإثبات لها أنّ في لبنان مجموعة من الأشخاص المثقفين الذين يناهضون العنف ويحبون السلام ولا يفرقون بين الأديان.
وأخبر زياد المحققين أنه خاف خوفاً شديداً من فكرة أن تُسرِّب الخبر، فرضخ لها وبدأ يتجاوب معها. وذكر أنّ طلبها الأول كان تزويدها بمعلومات عن التوزيع الديموغرافي في بيروت، وتحديداً في الطريق الجديدة والبسطة ومناطق الأكثرية المسلمة والأكثرية المسيحية، ومناطق النفوذ السنّي والنفوذ الشيعي. وكانت تسأله عن حياته الشخصية ووضعه المادي وعن خدمته في الجيش اللبناني (خدمته الإلزامية)، والأسلحة التي استخدمها وخبرته العسكرية. وفي آب من عام ٢٠١٦، أبلغته أنّ مهمته الأساسية الاتصال بشخصيات سياسية مؤثرة من خلال مستشاريهم والمقربين منهم. وطلبت إليه أن يختار أهدافه ممن «لا يحبون العنف والحروب وأن يكونوا ليبراليين داعمين للسلام وتشكيل لوبي سياسي وإعلامي فاعل يروّج للسلام».
دوافع عيتاني للتعامل مع العدو استوقفت المحققين، ولا سيما أنّ إفادته كانت غير مقنعة ومجتزأة، بحسب المصادر القضائية، لجهة ادعائه أنه كان خائفاً من نشر تسجيلات صوتية فحسب. سُئل لماذا لم يُبلغ الأجهزة الأمنية لمساعدته، فردّ بأنّه اعتقد أنّه ذكي وأنّ بإمكانه التلاعب بها. تقول المصادر إنّ تركيز المحققين على هذه النقطة أدى إلى اعتراف زياد بأنّه وقع ضحية ابتزاز بفيديوهات جنسية كان قد التقطها لنفسه خلال محادثات مصوّرة بينه وبينها (فيديو كول). وبدأت تُخضعه تحت وقع التهديد بفضح صوره الحميمة ونشر محادثاته المسجّلة التي كان يزوّدها فيها بمعلومات عن صحفيين وسياسيين. وذكر أنّها أبلغته أنّ اسمها كوليت فيانفي، وبدأت تطلب منه بصيغة الأمر التقرّب من السياسيين ومستشاريهم الإعلاميين وبعض الإعلاميين البارزين «من داعمي السلام في الشرق الأوسط».
في محاضر التحقيق مع عيتاني، ظهر تركيز كوليت على اسمين: وزير الداخلية نهاد المشنوق ومستشاره محمد بركات. طلبت كوليت حرفياً من زياد «توطيد العلاقة مع محمد بركات، بغية معرفة تحركات وزير الداخلية نهاد المشنوق وعلاقاته الشخصية واجتماعاته الخاصة». كذلك طلبت منه جمع معلومات عن سياراته ومواكبه وعددها والأماكن التي يتردد إليها باستمرار.
ليس هذا فحسب، بل حتى تحديد تحركاته خارج لبنان قبل سفره ومعلومات عن عائلته. وذكر عيتاني أنّه بدأ يتقرّب من بركات، محاولاً دعوة وزير الداخلية إلى الغداء، بناءً على طلب كوليت. كذلك أبلغ المحققين أنّها كانت تهينه لأنه لم يتمكن من لقاء المشنوق.
في بداية التحقيق، ذكر الموقوف أنّها كانت ترسل له مبلغاً شهرياً يراوح بين ٥٠٠ و١٠٠٠ دولار لتحسين وضعه وتمكينه من القيام بما طلبت منه. وقال إنّ المبالغ التي تقاضاها منها بلغ مجموعها ١٠ آلاف دولار، بدءاً من الفترة الممتدة من بداية عام ٢٠١٦. دقّق فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي بسجل تحويلاته المالية، فتبين أنّه لم يتلقَّ سوى ثلاث حوالات من الخارج (اثنتان من شقيقته، والثالثة من لبناني يعيش في الإمارات دفع ثمن بطاقات لإحدى مسرحيات عيتاني). وعندما واجه محققو أمن الدولة عيتاني بهذه الواقعة، ردّ بأنّه كان يقدّم لهم دافعاً لكونه لم يُرِد أن يُفصح عن السبب الحقيقي، أي الابتزاز بفيديوهات جنسية. ثم ما لبث أن تراجع عن إفادته، ليقول إنّها لم تحوِّل له أي مبالغ عبر «ويسترن يونيون»، وإنه قبض منها نقداً مبلغ ٥ آلاف دولار عندما التقاها في تركيا قبل أسابيع. بعد ذلك، عاد وتراجع ليجزم بأنه لم يتلقّ منها أي مبلغ، وأنه استمر بالتواصل معها والاستجابة لطلباتها خضوعاً لابتزازها.
لم يكن الموضوع المالي هو وحده ما عدّل عيتاني إفادته بشأنه. فقد روى للمحققين أنه لم يلتقِ كوليت في تركيا، بل حددت له منطقة لينتظر فيها سيدة ستلاقيه بسيارة، وأنها ستقترب منه وتطلب منه أن يصعد في السيارة، وستناديه باسمه. وقال إن ما ذكرته له كوليت جرى حرفياً، حيث اصطحبته «زميلة كوليت» إلى مكان يجهله. وبحسب المصادر الأمنية والقضائية، فإن التحقيق معه سيتمحور مستقبلاً حول تفاصيل هذا اللقاء.
غرق عيتاني أكثر فأكثر. ذكر خلال التحقيق أنّه أخبرها أنه تمكن من زيارة الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري في يوم جمعة في منزله في فردان، ثم كتب تقريراً وأرسله إليها. فسألته عن تفاصيل اللقاء وكيفية الدخول والخروج والحرس ومواقف السيارات وآلية العمل الأمني.
كذلك أبلغها أنه اجتمع بكل من الوزير السابق أشرف ريفي ومستشاره أسعد بشارة، مكرراً الخطوة نفسها. وتقرّب أيضاً من المدير السابق لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني طوني أبي نجم. وأفاد خلال استجوابه بأنها طلبت منه التقرّب من الصحافيَّين وسام سعادة ومصطفى فحص. وكان لافتاً ما قاله للمحققين عن أنه طلب «إجازة» من التواصل مع كوليت مدة شهر، بهدف التحضير لمسرحيته، فوافقت مؤكدة أنّها تريده أن يكون شخصاً ناجحاً في المجتمع. وطلبت إليه دعوة الوزير المشنوق إلى المسرحية. وبعد عرض المسرحية، هنأته على نجاحها، فأخبرها أنّه تعرّف إلى مريم البسام وكرمى الخيّاط وبولا يعقوبيان وسالم زهران ونوفل ضو ومستشار النائب سامي الجميِّل، سيرج داغر، فشجعته على ذلك، طالبة منه الاستمرار بالتواصل مع محمد بركات.