ظهرت في الساعات الماضية أجواء إيجابية ناتجة عن مشاورات النهار الطويل في قصر بعبدا، وحيث تكشف جهة وزارية فاعلة عن توجّه لعودة الرئيس سعد الحريري عن استقالته بعد عودة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من زيارته إلى روما. ولكن حتى الساعة، لا زالت الصيغة التي ستعتمد مقابل عودة الحريري عن استقالته موضع تشاور على أعلى المستويات، وحيث تتعدّى البلد إلى خارج الحدود، إذ علم أن ثمة اتصالات يقوم بها الرئيس الحريري مع القيادة السعودية لوضعها في أجواء المشاورات والصيغة التي جرى الإتفاق عليها بين الرؤساء الثلاثة، إضافة إلى أن الحريري يتواصل أيضاً مع الفرنسيين، حيث أوكل إليهم وبدعم وتفويض من موسكو وواشنطن إدارة الملف اللبناني، والعمل للخروج من الأزمة التي نتجت عن أزمة الإستقالة، وعليه فإن رئيس الحكومة لم يعد محشوراً بموقف المملكة العربية السعودية المتشدّد تجاه «حزب الله» وإيران، بل يساعده مباشرة دعم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على حرية الحركة السياسية، واتخاذ الموقف المناسب في ضوء المشاورات التي تجري بين اللبنانيين، وهذا الأمر موضع توافق وتواصل بين باريس والرياض، بمعنى أن يكون للحريري هامش الحركة دون تكبيله والتزامه بمواقف الرياض على أساس أن هناك خصوصية لبنانية يجب الأخذ بها مهما كانت العوائق بوجه رئيس الحكومة.
وعلى خط موازٍ، علم أن الحريري في صدد إجراء «نفضة» شاملة داخل «التيار الأزرق»، إذ ظهرت ثغرات بـ«الجملة» وتفاوت وتباين في المواقف السياسية بين نواب الكتلة، الأمر الذي أدّى إلى حالة ضياع وتشرذم. وتشير المعلومات أن الحريري هو من سيتولى الإشراف المباشر على عمل «التيار» والكتلة النيابية ومواكبة الوضع أولاً بأول، والبداية ستكون من خلال إجراء تبديلات في المراكز القيادية في التيار وسائر المنسقيات، والأمر عينه سينسحب على الإنتخابات النيابية، بحيث هناك أجواء عن الإستغناء عن عدد غير قليل من النواب الحاليين، بمعنى أن هناك مرشحين كثر سيكونون على لوائح التيار الإنتخابية في كل المناطق اللبنانية.
أما على خط التحالفات السياسية والإنتخابية، فتكشف المعلومات، بأن الأزمة التي مرّ بها الحريري ستعيد حساباته على مستوى التحالفات السياسية والإنتخابية، ولا سيما في ظل الأزمة مع «القوات اللبنانية»، والتي لا يتنصّل منها الطرفان بعدما دخلت في مجال الحملات الإعلامية المتبادلة، وإن بشكل غير نافر، إضافة إلى أن العلاقة مع النائب وليد جنبلاط طبيعية، لكنها أيضاً ليست في أفضل أحوالها، وفي هذا السياق يلاحظ المراقبون أن نمطاً جديداً بدأ يظهر من خلال التحالفات المتوقّعة للرئيس الحريري وتياره، وتحديداً مع «التيار الوطني الحر»، نظراً للعلاقة الوطيدة التي تربطه مع رئيس الجمهورية ميشال عون، الأمر الذي ظهر بوضوح خلال أزمة الإستقالة. وعلم أنه، وخلال الإجتماع الأخير لكتلة «المستقبل» والمكتب السياسي، طلب الرئيس الحريري من الجميع عدم التعرّض إطلاقاً للرئيس عون وللوزير جبران باسيل ولـ«التيار الوطني الحر» مهما كانت مواقفهم السياسية، وكان متشدّداً في ما طلبه منهم، ما يعني أن هذه العلاقة لن تقتصر على التناغم السياسي، بل ستتعدّاه إلى تحالف إنتخابي في كل المناطق، دون أن يمنع ذلك من التحالف مع «القوات» والحزب التقدمي الإشتراكي.
وأخيراً، تؤكد المصادر المذكورة، أن هذه الأجواء ستعيد خلط الأوراق السياسية والإنتخابية، وذلك نابع من استقالة الحريري وتداعياتها لأنه بدء يعيد الحسابات في كل الأمور والقضايا، إن على صعيد بيته الداخلي، وصولاً إلى حلفاء الأمس، وهذا ما يبرز في سياق ما يسرّب عبر الإعلام وما يقوله البعض في مجالسهم مؤكدين بأن مرحلة حريرية جديدة انطلقت على كل الصعد، وذلك سيتبيّن من خلال المواقف السياسية والإعلامية، إذ وبعد انتهاء أزمة الإستقالة ستبدأ مرحلة الإنتخابات النيابية، وعندئذٍ سيتوضّح مسار التحالفات والإصطفافات السياسية.

المصدر: فادي عيد - الديار