حكومة الرئيس سعد الحريري بعد أزمة إقالته واحتجازه ليست كما قبلها... حرفياً. والتعديل الحكومي، في المرحلة المقبلة، بات «شبه محسوم، بل ومطلوب كجزء من التقليعة الجديدة للحكومة بعد الأزمة» بحسب مصادر سياسية رفيعة المستوى.
أما العنوان الأبرز لهذا التعديل فهو حكومة من دون القوات اللبنانية، «والسؤال ليس ما إذا كانت القوات ستبقى على طاولة مجلس الوزراء، بل إذا ما كانت المكوّنات الحكومية الأخرى، أو معظمها، ستقبل بقاءها بعد انكشاف دورها الرئيسي في المؤامرة السعودية الأخيرة، واستهدافها للعهد بشخص رئيسه العماد ميشال عون». علماً بأن خطوة كهذه بحاجة إلى موافقة ثلثي أعضاء مجلس الوزراء الذي تعارض بعض مكوّناته هذا الطرح.
ولفتت المصادر الى أن القوات اللبنانية دخلت الحكومة بناء على التسوية السياسية التي كانت جزءاً منها، والتي أتت بالرئيسين عون والحريري إلى بعبدا والسراي، «ومن الطبيعي أن انقلابهم على هذه التسوية سيطرح على بساط البحث السؤال عن جدوى بقائهم. علماً أنهم منذ مشاركتهم في الحكومة عملوا، بأدائهم على طاولة مجلس الوزراء، ضد العهد وحكومته، متذرعين بالوقوف ضد صفقات مشبوهة (كما في ملف الكهرباء) لعرقلة تسجيل عهد عون أي انجاز ولحصد شعبية في الشارع على حسابه».
وتوّجوا ذلك كله «بدورهم الرئيسي والتخطيطي في الأزمة الأخيرة، من ضمن محور أراد الذهاب أبعد من الاطاحة بالحكومة وشلّ العهد، الى اشعال فتنة كادت تعيد البلد الى حال الاحتراب الأهلي». باختصار، تقول المصادر: «سمير جعجع اليوم في مكان آخر. وما يقوم به اليوم هو عملية استلحاق لضمان بقاء وزرائه في الحكومة بذريعة مراقبة عملها».
المصادر نفسها تؤكّد أن طرح التغيير لم يأت، كما قد يكون متوقعاً، من جانب التيار الوطني الحر «رغم مرارة الشعور بالخيانة»، وإنما من جانب الرئيس الحريري نفسه «أكثر المكلومين من التصرف القواتي الأخير».
وعلمت «الأخبار» ان التعديل الحكومي تحتمه، الى جانب «الخيانة القواتية»، أسباب أخرى مرتبطة بالوضع الداخلي لكل من مكوّنات الحكومة. إذ من المعلوم أن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل كان يرغب، منذ أشهر، في إجراء تغيير في تمثيل التيار الوزاري، «والتقليعة الجديدة ستكون مناسبة لذلك عبر تعديل يطال أكثر من وزير عوني، كما ستكون مناسبة للرئيس الحريري لإدخال تعديل على حصته (أبرز المرشحين للتغيير وزير الاتصالات جمال الجراح) على خلفية ترتيب البيت الداخلي لتيار المستقبل على خلفية الأزمة الأخيرة». فيما توقعت مصادر أخرى أن يكون النائب وليد جنبلاط من الراغبين في إدخال تعديل على تمثيله الوزاري.
وقالت المصادر إن حسم مسألة السير بالتعديل الوزاري ينتظر عودة رئيس الجمهورية ووزير الخارجية من روما، ورئيس الحكومة من باريس، لافتة إلى أن الأمر لن يُطرح على الجلسة الأولى لمجلس الوزراء، كما أن إقالة وزراء القوات ليست شرطاً للتعديل.
وتبدو القوات اللبنانية متهيبة لهذا الأمر، بعدما شعرت بوجود مسعى إلى عزلها وزارياً، تمهيداً لعزلها نيابياً وسياسياً. وبعدما تراجعت عن التهديد باستقالة وزرائها تحت عنوان «احترام الذات»، تراجعت خطوة ثانية إلى الوراء، وباتت متمسكة بالبقاء في مجلس الوزراء بذريعة عدم منح أي جهة سياسية «هدية مجانية». وهي تضع نصب أعينها تجربة ما بعد الطائف، عندما عزلت نفسها، في مقدّمة لمحاصرتها وصولاً إلى إدخال رئيسها سمير جعجع السجن ومحاكمته بجرائم أدين بارتكاب جزء كبير منها. ويختلف المطالبون بالتعديل بين من يرى طرد القوات من الحكومة أمراً ستستغله لتصوير نفسها في موقع الضحية، ومن يعتقد بأن إخراجها من السلطة سيجعلها تخسر كل ما كسبته شعبياً، بعدما استغلّت التفاهمات معها لتلميع صورتها.