كرر رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري القول بأن “استقالته من الحكومة كانت بقصد خلق صدمة إيجابية في لبنان، وأن يفهم العالم أن بلدنا لم يعد قادراً على تحمل تدخلات حزب الله في شؤون دول الخليج، حيث يقيم ما يقارب 300 ألف لبناني ووجودهم مهم جداً بالنسبة الى اقتصادنا”. وقال الرئيس الحريري، في مقابلة أجرتها معه مجلة “باري ماتش”، “اختار اللبنانيون الحوار من أجل مصلحة لبنان واستقراره، لأن لا أحد من اللبنانيين يريد أن يعيش حربا أهلية من جديد، ولذلك علينا تنفيذ سياسة جامعة همها الرئيسي مصالح لبنان”.
ورداً على سؤال حول ما اذا كانت استقالته من الرياض مفروضة عليه، أو ما اذا كان “محتجزا” من قبل السعوديين، أجاب الحريري “لا، هذا ليس صحيحا. استقلت من الرياض بقصد خلق صدمة إيجابية للبنان. رويت قصصا كثيرة عن هذا الموضوع. لكن لو كنت محتجزا، لما كنت اليوم هنا في بيروت وما تمكنت قبل ذلك من الذهاب إلى باريس ومصر وقبرص، كنت حراً”. وعن استئناف دوره كرئيس للوزراء، قال الحريري “نعم، أردت أن يفهم العالم أن لبنان لم يعد قادرا على تحمل تدخلات “حزب الله” في شؤون دول الخليج حيث يعيش 300 ألف لبناني. وجودهم مهم جدا لاقتصادنا ويجب ألا ندفع ثمن أعمال الحزب”. وعند سؤاله عن مطالبة حزب الله بعودته الى لبنان، أوضح الحريري أنه “علينا ان نميز، في لبنان، ل”حزب الله” دور سياسي. لديه أسلحة، ولكنه لا يستخدمها على الأراضي اللبنانية. إن مصلحة لبنان هي بضمان عدم استخدام هذه الأسلحة في أماكن أخرى. وهذه هي المشكلة”. وأضاف الحريري “سالت دماء كثيرة في المنطقة. وأخشى أن تدخل “حزب الله” في الخارج سيكلف لبنان غاليا. لن أقبل أن يشارك حزب سياسي لبناني في مناورات تخدم مصالح إيران”، حسب زعمه.
وعن خشيته من عودة الحرب الى لبنان، رأى رئيس الحكومة اللبناني أن “لبنان يعيش معجزة صغيرة. لم يكن علينا أن نتحمل ما يحدث في سوريا والعراق وليبيا واليمن وبداية، في مصر. لا أحد هنا يريد أن يعيش حربا أهلية من جديد، ولذلك من الأساسي تنفيذ سياسة جامعة، همها الرئيسي مصالح لبنان”. ورداً على سؤال حول ما اذا كانت ذاكرة فظائع الحرب تقربه من “حزب الله”، أجاب “بالطبع، لقد عاش اللبنانيون جميعا هذه الحرب الأهلية الفظيعة. وجهات نظرنا متعارضة. من لا يعرف شيئا عن السياسة اللبنانية قد يقول ألا يوجد سبب لأن نتحدث مع بعضنا البعض. ولكننا اخترنا الحوار من أجل مصلحة لبنان واستقراره. المنطقة دمرتها الاشتباكات الطائفية، ولقد شهدنا توترات قوية جدا، ولهذا فضلنا تهدئة الامور”. وعن قوله إن حياته مهددة، أوضح الحريري “التهديدات موجودة دائما. لدي العديد من الأعداء، منهم المتطرفون ومنهم النظام السوري، فقد أصدر هذا الأخير حكما بالإعدام ضدي، وهم يتهمونني بالتدخل في بلدهم. بصراحة، هل تتصورنا كلبنانيين نتدخل في سوريا؟”
وعن ما اذا كان تعيين سفير جديد لدى دمشق، بعد شغور المنصب لأربع سنوات يدل على تطور في العلاقات، أكد الحريري أنه “لطالما أردنا علاقات دبلوماسية مع سوريا، التي رفضت لفترة طويلة الاعتراف باستقلالنا. عام 2010، ذهبت إلى دمشق وتم أخيرا الاعتراف بهذا الاستقلال. إن تعيين سفير هو لضمان استمرارية هذا الاعتراف أيا كان النظام في دمشق”. وفي ما يتعلق بمصير 1.5 مليون سوري يعيشون في لبنان، أشار رئيس الحكومة الى أنهم “سيعودون في حال وجود حل سياسي حقيقي”، لافتاً الى أن “السوريون ليسوا مثل الفلسطينيين، إذ لديهم بلد خاص بهم ولا يريدون البقاء. وبالنسبة الى هؤلاء اللاجئين أيضا، فإن استقرار لبنان أساسي. في حال حصول فوضى، سيهربون من البلد. وسوف يذهبون إليكم، في أوروبا”. ورداً على سؤال حول ما إذا كان يعترف بانتصار الرئيس السوري بشار الأسد بالحرب، قال الحريري “لم ينتصر، الرئيسان بوتين وروحاني انتصرا”.
وفي السياق، سُئل الحريري “لكنه ما زال هنا. في البداية، قال الجميع إنه سيغادر؟”، فقال “نعم بالطبع، هو هنا ولكن عليه أن يغادر”، موضحاً أنه “مخطئ من يظن أن الانتصار ضد داعش حل المشكلة. المشكلة في سوريا هي بشار الأسد. بدأت عام 2011، وفي ذلك الوقت، لم يكن داعش موجودا”. وعن رأيه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، رأى الحريري أنه “هو رجل معتدل يريد سياسة انفتاح لبلده”. ورداً على قيام الأخير بوضع الأمراء في الإقامة الجبرية في فندق، قال الحريري “لقد وضح الأمر. انه يحاول محاربة الفساد. انظروا إلى ما حقق اقتصاديا. هو يدعو إلى الاعتدال ويأذن، كما أشرتم، للنساء ان تقود. في الماضي، لم تكن هناك صالات سينما ولا حفلات موسيقية في المملكة العربية السعودية. يريد انفتاحا حقيقيا للمجتمع السعودي. معارضته للسياسة الإيرانية تأتي من التدخل الذي تعاني منه السعودية، في العراق واليمن والبحرين. نعم، هناك مشكلة مع إيران. بطبيعة الحال، نحن اللبنانيين نود أن يكون لدينا أفضل العلاقات، الاقتصادية على وجه الخصوص، مع إيران. ولكن يجب أن تكون لمصلحة بلدينا”. وعن رأيه بنعت محمد بن سلمان الامام السيد علي الخامنئي بـ “هتلر الشرق الأوسط”، أجاب رئيس الحكومة “لكل شخص طريقته بالتعبير”. وعما اذا قرر الإسرائيليون ضرب مصالح ايران وحزب الله في سوريا، أجاب الحريري “لن نفعل شيئاً إذا حدث الأمر في سوريا”.
وعن دور فرنسا في هذه الأزمة، أشار الحريري الى أن فرنسا “هي البلد الذي جمع المجتمع الدولي حول لبنان. تحدث الرئيس ماكرون مع الجميع: الأميركيون والأوروبيون وإيران وروسيا. إن العلاقات بين بلدينا تاريخية بالتأكيد، ولكن هنا أكثر من هذا الامر. الناس تعبوا من الحروب”. وعن مضمون ما قاله الرئيس ماكرون له في بداية الأزمة، أجاب “سألني لماذا استقلت وأجبته إنني اردت خلق صدمة ايجابية لبلدي”. وعندما سُئل الحريري “هل لديك شعور بأن ماكرون أخرج السعوديين من موقف صعب؟”، أكد أنه “ْالرئيس ماكرون تصرف لصالح فرنسا ولبنان والمنطقة. لقد تصرف لتجنب حرب أخرى وسيقال يوماً ما انه لعب دورا تاريخيا”. وعن أن هناك 240 موظفا فرنسيا في شركة سعودي أوجيه لم يتلقوا رواتبهم منذ سنتين. أجاب الحريري “من المتوقع أن تسدد الحكومة السعودية متأخراتها. وفور قيامها بذلك سندفع الرواتب. لقد أخذنا هذه المسألة على عاتقنا”. هذا وختم الحريري بالتأكيد أنه يريد “بلدا مستقرا”، لافتاً الى أنه “نحن نعيش في عصر التكنولوجيا الجديدة، واللبناني لديه ميزة الابتكار. يجب إنشاء بنية تحتية حتى يتمكن من التفوق في هذه المجالات. وهناك تقارب في وجهات النظر بشأن هذا الموضوع بيني والرئيس ماكرون. لبنان بلد صغير ولكنه سيكون نموذجا للنجاح في العالم العربي”.