فضيحة جديدة في وزارة الاتصالات. فقد أصدر الوزير جمال الجرّاح قراراً يقضي بـ«اعتماد الأنظمة البيومترية لدى شراء الخطوط المسبقة الدفع». وعليه، سيفوّض شركة خاصة، مجهولة حتى هذه اللحظة، الحصول على معلومات حسّاسة عن جميع اللبنانيين، إلى حد تعريض الأمن القومي اللبناني للخطر

لن يعود بإمكان المواطنين، المنتشرين على كامل الأراضي اللبنانية، شراء خطوط هاتف خلوي مسبقة الدفع كما كانوا يفعلون في السابق. ستُستحدث مراكز مجهّزة بأنظمة بيومترية لتسجيل صورة الراغب بشراء خط مسبق الدفع وبصماته، على أن تُدرج كامل بيانات هويته في قاعدة بيانات، أسوة بما يجري في مراكز الأمن العام مع طالبي الحصول على جواز سفر.

لكن إدارة هذه العملية ستُمنح لشركة خاصة. بكل بساطة، وبشحطة قلم، قرر وزير الاتصالات جمال الجراح إباحة معلومات اللبنانيين الحسّاسة والخاصة وتعريض الأمن القومي اللبناني للاختراق أمام العدو الإسرائيلي والإرهابي الذي يتربّص بوطننا. بدعة الجرّاح هذه غير مسبوقة. يصعب العثور على دولة اعتمدتها. ففي كل أوروبا، رغم خطر الإرهاب الذي يتهدد مدنها وحالة الطوارئ التي تعيشها، بإمكان أي كان شراء أي خط مسبق الدفع من أي دكانٍ صغير بمجرد عرض أوراقه الثبوتية. وفي الكثير منها، لا يُطلب أي مستند لإثبات الهوية. في بعض الدول، تُطلب صورة عن جواز السفر لاحقاً، وفي بعضها الآخر لا يُسأل حامل الهاتف عن أي بطاقة تعريف شخصية. ماذا يريد الجراح من وراء ذلك؟

قد يقول قائل إن البيومترية، يجب أن تعمم، أسوة بالأمن العام و«النافعة»، لكن الحقيقة أن داتا جوازات السفر البيومترية الخاصة بالمواطنين موجودة حصراً لدى الأمن العام اللبناني، أما شركة «انكريبت» المشغّلة، فهي مسؤولة فقط عن الأنظمة والمسائل التقنية، فضلاً عن أن دخولها إلى قاعدة البيانات غير متاح، بخلاف ما سيحصل إذا ما مُرِّر مشروع الجراح. ناهيك عن أن حصول شركة خاصة على داتا اللبنانيين هنا شديد الخطر لكون هذه البيانات تتضمن حركتهم ومسارهم الجغرافي.
في تفاصيل القضية، علمت «الأخبار» أنّ هناك ثلاث شركات خاصة معنية بنُظم الاتصالات الخلوية تسعى إلى تقديم مشاريع فنية بهدف تطوير نظام الاتصالات في لبنان، عبر شركتي الخلوي (Mtc وAlfa) من خلال وزارة الاتصالات. وبحسب المعلومات، فإنّ هذه المشاريع تقوم على اعتماد الأنظمة البيومترية عند شراء الخطوط المسبقة الدفع، بذريعة أنّ هذه الخطوط تُستخدم لأغراض ونشاطات إرهابية واحتيالية وجرمية. وعليه، فإنّ ضبطها يمنع استثمار هذه الخطوط للقيام بأي أعمال تخريبية. من هذا الباب، دخلت الشركات الخاصة. وبطابع أمني شديد الحساسية لدى جميع اللبنانيين، غلّفت هذه الشركات أهدافها التجارية، وربما أكثر من ذلك.
وكشفت مصادر مطّلعة على الصفقة لـ«الأخبار» أنّ «اعتماد النظم البيومترية في هذا المجال يُعتبر مخالفاً لمبدأ الحرية الشخصية ويشكّل خرقاً للخصوصية ولا يمكن فرضه على المواطنين». ورأت أنّ الخطورة الشديدة تكمن في أن الداتا التي سيتم الحصول عليها، يمكن أن تُسرّب إلى أجهزة استخبارات خارجية، وتحديداً للعدو الإسرائيلي، ما يشكّل خطراً على الأمن القومي اللبناني. ويعزز هذه الفرضية عدم وجود آلية محددة أو قيود حقيقية تحفظ هذه المعلومات وتحول دون تسريبها. وهنا يُطرح سؤال جدي حول كيفية موافقة مسؤول لبناني في الحكومة اللبنانية على هكذا عروض، وخاصة أنّ هذه المعلومات يفترض أن تكون موجودة حصراً لدى الأجهزة التابعة للدولة، لا أن يجري تداولها عبر شركات خاصة يبقى هدفها الأساسي الربح المادي. واعتبرت المصادر أنّ السير بمشروع كهذا من قبل وزارة الاتصالات يعتبر تعدياً صارخاً على حقوق المواطنين وتشكيكاً في قدرات الأجهزة الأمنية اللبنانية لجهة مكافحة الإرهاب على مختلف الصعد، ولا سيما في مجال حفظ داتا المعلومات، وبالتالي فإنّ ذلك سيشكل خرقاً كبيراً للأمن في لبنان، ليس على مستوى الحق الشخصي للمواطنين فحسب، وإنما سيشمل أمن لبنان عموماً على مختلف الصعد، في ظل تربص العدو الإسرائيلي والإرهابي بلبنان.
كما علمت «الأخبار» أنّه جرى إعداد دفتر شروط مفصّل على قياس شركة محددة لكي تفوز بالمشروع. وكشفت المصادر أنّ وزارة الاتصالات طلبت من كل من شركتي «ألفا» و«تاتش» للمضي قدماً بالمشروع (في كتابَين منفصلين في تشرين الأول الماضي).
تجدر الإشارة إلى أن القضاء، المتمثل بالنيابة العامة المالية ومجلس شورى الدولة، لم يقل كلمته بعد في عدد من الملفات التي توجه فيها أصابع الاتهام إلى وزير الاتصالات لجهة منحه شركتين خاصتين امتيازاً لاستخدام الملك العام لتمديد شبكة الألياف الضوئية (فايبر أوبتك)، ما يمنح الشركتين أرباحاً طائلة كان يمكن أن تذهب إلى خزينة الدولة فيما لو سُمِح لهيئة «أوجيرو» بتنفيذ المشروع.

 

المصدر: رضوان مرتضى - الأخبار