لعل أهم ما يعمل عليه ترامب بقراره تثبيت الاحتلال الصهيوني للقدس المحتلة هو إعادة تنظيم القرار الدولي وتنظيم المنطقة وفق مصالحه ووفق مصالح الكيان الإسرائيلي وعبر استخدام هذا الكيان كقناة وكمنصة لجني الأثمان واقتناص الفرص التي يريدون تدفيعها لمحور المقاومة والخروج بها بعد سنوات، استراتيجية نشر الفوضى الارهابية المعممة للسنوات الست الأخيرة ومنها طبعا اغتصاب القدس كما قال ترامب.
نحن إذن حيال لحظة حصيلة الأثمان التي يرجح أن تخضع لسيناريوهات عدوانية محتملة قصيرة ومتوسطة المدى لا تتجاوز ستة أشهر ولكن بتداعيات أبعد واطول وأوسع. أميركا تريد في غالب الظن تعزيز قواعدها واساطيلها العسكرية في المنطقة تثبيتا ونشرا وتمويلا. وتريد أن تدفع الكيان الصهيوني وتجعل منه ذريعة تدفعها للتدخل في تكامل للادوار بينهما.
ان محاولة تثبيت احتلال القدس كعاصمة للصهاينة محاولة فاشلة لانتشال الكيان الإسرائيلي من محور المقاومة في المقام الأول والأخير وفي نفس الوقت محاولة يائسة لافتكاك فلسطين من محور المقاومة نفسه. اما الهدف الاوضح فهو في التقدير التموضع أكثر حذو الكيان الصهيوني وفي طوقه ومقايضة الجميع بموضوع الكيان علاوة على تحصينه بالمصالح الامريكية التي قد تتزايد هناك. في المقابل، يبدو أن الاستطلاع العالمي للرأي الذي لاحظناه، وإن اختلفت تعبيراته ومستويات ودرجاته، يثبت ان العائق الوجودي الذي يهم بشكل خاص الأمة العربية والإسلامية سيكون حاسما في كل الأحوال للحؤول دون تمادي أميركا ومن معها في الاحتلال والتقسيم والتهويد والتطبيع والاستيطان والتصعيد بعامة.
وها هي الخطوة الأولى من مخاطر تداعيات هذا القرار تأتي من الصهاينة بالذات حيث اولى خطوات الاستيلاء الإداري على القدس بعد إقرار ترامب بشرعية احتلالها والمتمثلة في مشروع قانون في الكنيست الصهيوني لضم كل المجالس الأكاديمية الصهيونية في الضفة الغربية إلى المجلس الأكاديمي في القدس. وها هي خطوة ثانية تتمثل في سعي عدة وزراء في المجلس الوزاري الصهيوني دعم خطة وزير الإسكان قولا: ”انتهت المبررات، ولا يوجد أية أسباب تمنع من البناء في المدينة بعد أن اعترفت بها الإدارة الأمريكية كعاصمة غير متنازع عليها”.
في تونس، أحبط الشعب التونسي باوسع استطلاع رأي كل مساعي الفتنة وكي الوعي ونزيف العقول ارهابا وطائفية وعمالة. هو اليوم يعلم أكثر من ذي قبل ان كل الهزات الخطيرة بما فيها الاغتيالات السياسية من 2012 حتى 2017 فيها يد للصهاينة ووكلاء الامريكيين وان خلاصه من الصهيونية محليا لن يكون إلا بتجريم التطبيع وفرض خيارات اقتصادية وسياسية تكون فيها أميركا ثانوية وهو سيحسم خياره في المدى المتوسط في اتجاه السيادة ودعم خيار المقاومة. ذلك ما لاح جليا في المظاهرات التي عمت كامل أرجاء البلاد وتتواصل حتى الآن. هذه خطوة ايضا في باب العائق الوجودي الذي يجب التعويل عليه ليكون الوعي الشعبي دافعا لإزالة كل آثار كل الذين يقفون في المنطقة حاجزا دون القدس.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع