هي أرض جبل عامل التي ترابها مقاومة، وصخرها سلاح، ونسيمها الحبق المجبول بأرواح الفدائيين. وهي الأرض التي يضم ثراها الف الف شهيد، وتحتضنهم، كما الأم تتباهى بهم.. وهي السماء التي غيمها يعرف كيف يكون فيئا فوق رؤوس المقاتلين في وعر جبالها، ويعرف متى أوان المطر كي يخبئ ببركة الماء آثار خطوهم عن عيون الأعداء.. وهي العشب البري الحنون الذي لامس جراح المشتبكين مع دوريات الاحتلال عند أعتاب فلسطين، وهي الشوك الذي كالرمش حاوط الجنوب والجنوبيين كي لا يكسر عدو عينا تقاتل.. هي أرض عامل.
هي كل ذلك، فهل يجوز إذن السؤال لمَ فتحت قلبها وذراعيها لزيارة مقاوم أبيّ من طينة الاحرار اسمه الشيخ قيس الخزعلي..؟ وهل يبدو منطقيا أن يتساءل احد لماذا زار مقاوم أرضا يحج إليها المقاومون، ولماذا لامس منها مقاتل حر بعينيه أرض فلسطين..؟ ألا يخجل المتسائلون من أنفسهم وهم يكيلون الاستهجان والاستنكار؟ الا ينظرون في مرايا أرواحهم ليشاهدوا كم بدوا صغارا وهم يشجبون زيارة المنتصر إلى شرفة تطل على أرض الانتصار الآتي؟
من لم يشاهد الفيديو عن الزيارة محل الاستهجان الحريريّ خسر مشهدا يكبر فيه القلب، وفرصة يشهد فيها كيف سقطت كل الحدود التي أرادها الغرب ذات تقسيم. الشيخ الخزعلي العراقي الفخور بنصره كان برفقة أبطال لبنانيين، ربما عادوا لتوهم من الجبهة السورية، ويتابعون بعناية شديدة الوضع اليمني. وقفوا جميعا وأرض فلسطين ممتدة أمامهم، بعيدة بمسافة قرار الانتصار، وقريبة كما عين وجفنها.. صورة واحدة، تكفي لتهز كيان الصهاينة وتقول لهم، قلبنا واحد ويقيننا واحد.. تهيأوا لهزيمتكم. لذا بدا طبيعيا ومنطقيا أن تستنكر وسائل إعلام العدو، وحلفائه من ال سعود وحاشيتهم المشهد. فهو يختصر السنين الأخيرة بكلمات قليلة: استخدمتم الإرهاب كي تفتتوا المنطقة فانقلب سمكم عليكم وشربتموه.. والمنطقة العربية برموزها المقاومة تعيد رسم الخارطة العربية كما تشتهي، وكما يفترض أن تكون.
فزمن الانتصارات الذي أجمل رموزه أرض الجنوب اللبناني المحررة وأحدث محطاته كسر شوكة الإرهاب السعودي في سوريا والعراق لم ينته بعد، ولن ينتهي إلا بتحرير كامل التراب الفلسطيني وبزوال ال سعود ملتحقين بأسيادهم أو مدفونين في قمامة التاريخ..
والى ذلك الحين، كل أرض محررة منتصرة ستبقى محجة ومحطة لكل الأحرار، بلباسهم العسكري، بلباسهم الذي يشير إلى ما انجزوه وما هو قيد الإنجاز.. سواء رضي المتحسسون من هذه الزيارات أو لم يرضوا، وسواء أعجبت ثياب المقاتلين من لم يعرف يوما شكل المواجهة الشريفة الحرة ام لم تعجبه..
تراب عامل، كان ويبقى محطة كتب فيها التاريخ أيامه البهية، كتب وجع ناسه وتعبهم، ويبقى سجادا احمر بدم من مروا فيه مقاتلين منتصرين، ممتدا يستقبل خطو الأحرار، خطو الذين خاضوا الحروب الحقيقية ببسالة وطيبة وطهر من لا يبخل بالروح من أجل كرامة البلاد، وذلك يصعب فهمه لدى العاجزين عن صون كرامتهم الشخصية حتى..
هنا، أرض جبل عامل، أعلنت وتعلن ترحيبها الدائم بكل حرّ شريف، من العراق وسوريا واليمن ومن كل شبر عربي يقاتل، ويرسم النصر شارة ترتفع نحو فلسطين، وتعد الأرض المحتلة بزيارات صارت قريبة.. هنا أرض الإباء العاملي، وقريبا، هنا فلسطين.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع