عادت الهتافات و«التلبيات» التي تذكر ببدايات الحزب ويوم القدس. «زحفاً زحفاً نحو القدس»، ردد المشاركون. لطالما كان هذا الشِعار محبباً لأصحابه. فلسطين، خارج السياسة أو داخلها، نقطة «إجماع» الحركات المقاومة، حتى لو اختلفت المسارات في ما بينها. فلسطين تجمعها
عندما يدعو حزب الله إلى تظاهرة، كالعادة، تستجيب الجماهير، كما لو أن الضاحية كلها تصير في الشارع. العنوان أمس، كان كبيراً: القدس. القدس، التي تمثّل في وعي «جيل قديم» من الحزبيين، أحد أبرز عناوين إنطلاقة حزب الله الأولى ضد العدو الإسرائيلي. لا يمكن أن تمر مناسبة كهذه من دون أن يحشد الحزب أنصاره دعماً للقدس. عند الثالثة، انطلقت المسيرة، رفضاً للسياسة الأميركية، وقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتحويل القدس عاصمةً لإسرائيل. كل شيء منظم ومحكم كما عادة مسيرات الحزب. لا جديد على هذا المستوى. رجال ونساء الأمن في حزب الله في جهوزية تامة.
الناس لا تخشى شيئاً. وهذا ليس شِعاراً. اعتادوا أن يغمضواً عيونهم عند تلبية أي تظاهرة يدعو لها «السيد». على مداخل الضاحية، كان حضور كثيف لقوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني. الطرقات أغلقت منذ الحادية عشرة، كما أغلقت مدارس عدة أبوابها، فيما قلصت أخرى دوامها، حتى يتسنى للتلاميذ المشاركة في «الاستحقاق»، أو العودة إلى منازلهم قبل إقفال الطرقات. حضر المسيرة فلسطينيون من مخيمات الشتات في لبنان ممن يناصرون حزب الله. رفعت الأعلام الفلسطينية وأعلام حزب الله وحركة أمل، وكان لافتاً حضور العلمين السوري والبحريني. تقريباً، هذا جديد. منذ وقت لم نشهد تظاهرة «عربية» في الضاحية.
ستسمع كلاماً مألوفاً في التظاهرة: «لو بيطلبنا سماحة السيد عالموت منلبّي»، تقول سيدة تجر طفليها الصغيرين. لا شيء خارج عن العادة. الحضور الأبرز كان لفئة الشباب الذين عصبوا رؤوسهم بشارة كتب عليها «يا قدس قادمون». وهذا شِعار يترك أثراً في نفوس أهل «الرعيل الأول»، في الحزب الذي تطور. طبعاً، ثمة ثوابت لا تتغيّر في معظم المسيرات. الفرقة الموسيقية التابعة لكشافة الإمام المهدي. صور قادة حزب الله. صورة عملاقة للشهيد عماد مغنية وفوقها كتب «حاج فلسطين». ثمة جديد: فرقة «فدائيون على طريق فلسطين»، بالأكفان البيضاء. وتقدم المسيرة جرحى حزب الله الذين رفعوا علم فلسطين «حتى الشهادة». والكثير الكثير من اللافتات. إحداها تحمل شِعار السيد موسى الصدر الشهير: «إن شرف القدس يأبى أن يتحرر إلا على أيدي المؤمنين الشرفاء». في الواقع، نشأ سكان الضاحية وفلسطين في قلوبهم، كما تقول إحدى المشاركات التي تحلم بالـ«الصلاة في القدس». سيكون قريباً، تقول. شاب بدوره عبّر عن أن القدس هي الأساس لدى الحزب، «متل ما بأكد السيد حسن بكل خطبة». المعارك التي يخوضها حزب الله هي أيضاً على طريق القدس. وهكذا فإن أكثر من يطبق شعار «زحفاً نحو القدس»، بنظره هو حزب الله. لا يناقش. ولا يرغب بالنقاش. المسألة واضحة بالنسبة إليه، ويجب أن تكون واضحة للجميع.
في المسيرة كان الجميع يمشي بحماسة وكأنه بالفعل زاحف إلى فلسطين. ينتظر «إطلالة السيد» ويصبو إلى سماع كلامه وتغذية يقينه الذي رسخته التجارب منذ نحو 30 عاماً مع الحزب. أهل الضاحية، عادةً، لا يترددون في النزول للاعتراض، أو للتشديد على ما يقوله حزب الضاحية. ولكن أمس، كانت مناسبة «خاصة». فرصة للعودة إلى الجذور، لاستعادة الشِعارات القديمة، بعدما نامت في قلوبهم لفترة. ولسيرة الشِعارات الجديدة وترسبات الحروب الناشبة في المنطقة، لم تغب الآراء المختلفة مع الحزب أو رأيه الرسمي، فحتى من بين جمهوره وجدت آراء كثيرة. عتب على فصائل، ومحبة فائضة لأخرى. لكن، في النهاية، لا بديل عن القدس، وعن الزحف. عشرات الآلاف في الضاحية، أمس، سخروا من ترامب، ومن قراره الأحمق.