#الأب
إذا كنتَ جالساً لا تفعلُ أيَّ شيءٍ، وتملِكُ وقتاً كافياً، أرجو أن لا تقرأ ما كتبت. أمّا إذا كنت مُنشغِلاً ولست تلتقِطُ أنفاسك، فاقرأ. فما قيمةُ ما أكتبُ إن لم يجعلْك تترك شيئاً لتقرأه، أو أنْ يدفعك لتتخيَّر وقتاً فتقرأ.
القراءة لا تملأ أوقاتُ الفراغ. القراءة أسلوبُ حياة، نمطُ عيش، والكاتبُ الذي لا تهتمُّ لقراءةِ سطوره ما هو بكاتب.
وكما كان يقول جدّي: "القراءة التي لا تصنعُ فيك تغييراً. لا تنفعُني. أنا أكتبُ للتّغيير".
الآن إذا اتّفقنا أم لم نتَّفق على ما وَرد، مُجدّداً وبصدقٍ أقول لك، إذا كنتَ تملك وقتاً لا تقرأ ما كتبت. فإنّنا سنحكي عن الشّجاعة.
سنحكي عن الشجاعة، عن والدٍ ربّى رجالاً على الشّجاعة، ربّى أحفاداً أيضاً. أدخَلهم في عالمٍ مليءٍ بالشّجاعة. حتّى موتهُ وموتهُم كان كذلك. لا تحزنْ لأنّك عرفت أنَّهم ماتوا، فمن كان مِثلهم لا تسَعُهم إلا السّماء. لقدْ عاشوا إذن.
ملاحظة أخرى: إنَّ ما سيردُ أدناه هو بعضٌ مما نقلهُ المقرَّبون منه حينما كان يوصيهم. إنها جزءٌ يسيرٌ من سيرته.
يبدأ الأمرُ من مُجرَّدِ أن لا تكون جباناً ضعيفاً. فهو كان لا يُحبُّ الجُبَناء، ولا يحبُّ الضُّعفاء، أو بالدِّقة كان لا يحبُّ صِفة الجُبْن.
لماذا نكونُ جُبناءَ في طلبِ الرّزقِ من الرزّاق؟ من ربٍّ كريمٍ جوادٍ لا يبخل. "أطلبوا الرِّزق بشجاعة". هكذا ربّاهم.
تريدُ عملاً أُمَمياً أطلبه بشجاعة، أو شقةً سكنيّة أطلبها بشجاعة، أو حتى أنّك تريدُ عبور الجسر من ضفَّة إلى ضفة، كن شجاعاً في كلّ خطوة. الشجاعة المملوءة بالثقة، أو كما يحلو له أن يقول "المنفوخة بالثقة" حدَّ التخمة المُشرفة على الشَّعرة القريبة من حافَّة الغرور، فهنا يجب التوقّف. أرأيت مهما كان الأمرُ عظيماً كن شجاعاً. ومهما كان الأمرُ بسيطاً كن شجاعاً. ولا تنسَ الكِياسة، التجربة تعلّمك إيّاها. وإعمالُ العقل أيضاً. اسأل كثيراً وتيقَّظ يأتيك عندها بعضُ الحظ.
لماذا نتردَّدُ في أمورِنا ولا نُقدم بالهِمّة العالية؟ وربُّنا يصطفي أولي العزم، ولو علِمنا حُبَّه ورعايته لنا لما تردَّدنا في شيء. تتردَّدُ في خطبة فتاةٍ مؤمنة، تتردَّدُ في الإبكار بطلب المولود، تحسبُ ألف حسابٍ من عالم الكَثَرات، كُن شجاعاً وامضِ كما أنت. ولا تنسَ أنّني حين كنت في مثل سِنِّك عملت إحدى عشر ساعة في اليوم، في ثلاثة وظائف، كنت شجاعاً في العمل.
لماذا نخطئ؟. ربّاهم على أن لا يُخطئوا. وذات صباح قالها جهراً: "وإن أخطأ أحدكم سأربّيه على شجاعةِ الاعتذار". الله المنعم بهذا القدر لا يستحقُّ مِنا أن نعصيَه. والاعتذار من عباد الله من علامة الأتقياء. فمن قال أنَّ التقوى بلا شجاعةٍ تُدرك!.
أوتدرون أنّ من علاماتِ الشجاعة اتخاذ القرارات. أسهلها هو أصعبها. أنظروا مثلاً يا كلّ أولادي، المعدة آه المعدة ثم أضيفوا عن النوم آهات. سأعطيكم لاءاتٍ كثيرة الآن. المعدة: لا تملؤوها حدّ الشبع، لا تتركوها لأمرها، لا تلبوا رغباتها، لا تلتذوا بكثير ما يدخل إليها، لا تكثروا الحلو ولا الحامض ولا الحارَّ ولا المالح، لا تقبلوا بها إلا خفيفة من فضول الطعام وأصنافه. النوم: لا يغلبكم، لا يفوّت عليكم السَّحَر والاستغفار، لا يُلهيكم عن صلاة صبحكم، لا تتركوه للشيطان، لا تسهروا إذا لم تأمنوا على صلاتكم، فالرزق مقرونٌ بها.
أمضيتُ العمر أحفظُ هذه الأشياءَ على قِلّتها، وأعتني بتطبيقها حتى آخر اللحظات.
وذات أيامٍ وأشهرٍ مُتتالية أمضيتُها في المَشفى، بقيَ لي أن ألفتكم لما مرَّ بين سطور السنين، "المروِّة الكاملة" إياكم والتخلي عنها. بادروا، قوموا بأعمالكم بأنفسكم، أبناؤكم ليسوا خدّاماً، ومهما بلغ بكم التّعب، راكموا عليه.
هكذا وقد بلغ بيَ التّعبُ أقصى مداه. حاولتُ أن أنهض. أريدُ الموت على وضوء. الوضوء لا تجعلوا شيئاً يَنقُضه. تقرّبوا إلى الله بالوضوء. أستودِعكم الله. إنّه الموت هذه المرّة. بشجاعةٍ استقبلوه. تذكّروا بشجاعة.
أسأل الله لكم معيشة الشُّجعان، وموتهم.
أبو عماد.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع