يُقفِل العام الحالي بابه مُشرِّعاً أبواباً كثيرة غير مقفلة ليُصدِّر من خلالها المشاكل للعام الجديد 2018. فقد كانت سنة 2017 استثنائية في أحداثها المفصلية الجِسام حتَّى آخر لحظة حيث تخللها احتفالان مُشينان هما ذكرى مرور سنتين على تولي سلمان السعودي الحكم بالرياض والذكرى السنوية الأولى على تسلم دونالد ترامب مقاليد السلطة في الولايات المتَّحدة، وكلاهما احتفلا بالمناسبتين على طريقته مدعياً وناسباً لنفسه الفضل بما ليس فيه.
فسلمان بن عبد العزيز سيذكره التاريخ، مع ابنه المتهور، كما ذَكَر جدَّه عبد العزيز بن سعود الذي باع فلسطين، ببيع القدس والقضية العربية الأولى مقابل وهم الدعم الأميركي ومعاداة إيران. ومن المُفيد أنَّ نكرر هنا كم كانت السعودية خاشعة وخانعة لإيران أيام حكم الشاه حيث يُتَداول عبر "السوشال ميديا" خطاب تذلل وخنوع القاه الملك فيصل أمام محمَّد رضا بهلوي خلال زيارة نادرة له للسعودية وهو ينظر اليه كخادم بعنجهية واحتقار. يومها إيران الشاهنشاهية، التي كانت شرطي المنطقة لتأديب البدو الرعاع ودورها أخطر من إسرائيل، لم تكن شيعية ولم تشكِّل خطراً بعرف دول الخليج على الأمن القومي وغير معادية للقضية الفلسطينية وغير متحالفة مع الصهيونية والإمبريالية الأميركية!
الشريط التلفزيوني الدعائي الذي روِّج لتسلم سلمان العرش يدعو "للاستخراء" حسب تعبير سلمان نفسه، تماماً كفيلم "قوة الردع السعودية" الكرتوني ضد إيران. فالشريط يتحدَّث عن إنجازات سلمان، فأين هذه الإنجازات وآخرها إلقاء ما يشبه قنابل نووية صغيرة محرَّمة دوليَّاً ضد السكان اليمنيين المدنيين العزل في تعز والحديدة وصنعاء أدَّت خلال أسبوع واحد إلى استشهاد 229 مدنياً بينما يفر جبناء مرتزقة بني سعود من المعارك في جيزان ونجران وعسير.
ومن إنجازات سلمان وابنه فلتة زمانه التحالف مع الصهاينة علناً وتصفية القضية الفلسطينية وتسعير الخلاف بين العرب وحصار قطر وتبديد ثروة البلاد وفرض ضرائب على السكان الساكنين وقمع المواطنين الشيعة في المنطقة الشرقية والبحرين حيث يقوم بركيل البحرين الوكيل عن بني سعود بإصدار أحكام الإعدام على الأطفال وعلى المراجع الدينية ويمنع عنهم الجنسية البحرانية. وإنْ ننسَ فلا ننسى إنجاز ابن سلمان الأكبر في احتجاز رئيس وزراء لبنان سعد الحريري وإهانته وربَّما تعذيبه من قبل "بلاك ووتر" واتهامه بالفساد واعتقال 350 أميراً بتهمة الفساد ومن بينهم حلفاء الحريري لأجل ترهيبه وترويضه.
لقد تهكمت كبريات الصحف الأميركية والغربية على هرطقة محمَّد بن سلمان وادعائه محاربة الفساد في حين أنَّه هو أكبر الفاسدين عبر "شرواته" العديدة لمنزل ويخت ولوحة فنية نادرة وكأنه يفقه بالفنون والأدب! وذكرت هذه الصحف لو كان ابن سلمان جدياً في مكافحة الفساد، الذي هو توأم الإمارة في المملكة، لأخضع المعتقلين للعدالة أو نفذ فيهم حكم الشرع كما ينفذه مع الفقراء والمساكين الذين لا ظهر لهم. ولكن بدلاً من ذلك، يقوم بابتزاز الأمراء لكي يحصل منهم على أموالٍ طائلة يصادرها لخزينته. فقد كشَفَتْ "وول ستريت جورنال" أنَّ ابن سلمان طلب من الوليد بن طلال ستة مليارات دولار عداً ونقداً مقابل إطلاق سراحه وهذا المبلغ، إن وُجِد كسيولة نقدية، يعني 33 بالمئة من ثروة الوليد وإذا سلمه لغريمه فإنَّ إمبراطوريته المالية ستتفكك وسيحصل له كما حصل للحريري من إفلاس. وربَّما هذا ما جعل الوليد ينهار وينتهي به المطاف في طوارئ المستشفى.
هذه إنجازات بن سلمان الذي من نِعَم الله أنَّه الرجل القوي في مملكة بني سعود اليوم لأن طيشه سيسرع في هلاك النظام السعودي الذي هو صنو النظام الصهيوني كما بات واضحاً للعيان. فالوهابية كالصهيونية تؤمِن بالتطهير العرقي، الفكري والجسدي، بل بالإبادة الجماعية وتكفير المسلمين وهدم المقامات الروحية والعقائد السمحة. وهناك قول للإمام الخميني "إنَّ أعداءنا أغبياء" لذلك هم يحققون مبتغى أخصامهم من دون أدنى جهد منهم. فمن ثمار سياسات بن سلمان ووالده مثلاً تخلَّي معظم التابعين للسعودية عنها في لبنان بعد مأساة حجز الحريري وحقق بن سلمان لإيران ما لم تكن تحلم به أصلاً ومهما أخفى الحريري حقيقة ما فعل به ابن سلمان وبلع بحصته إلا أنَّ جرح ما حصل له في السعودية لن يلتئم أبداً وسيظل في الذاكرة الشعبية.
كذلك ها هو بركيل السودان اللابشير يتخلى عن بني سعود ويبيع نفسه للشيطان التركي بل يمنحه السيادة العثمانية على ثاني أرضٍ عربية بعد الإسكندرون، كل ذلك لأن بني سعود لم يفوا بوعودهم المالية له بعد أنَّ سلَّم نفسه طوعاً خادماً لهم وأرسل جنوده للموت في رِمال اليمن المتحركة!
حتَّى المقبٍّل والمطبِّع والمنسِّق مع الاحتلال الإسرائيلي والمعادي للكفاح المسلح الفلسطيني، محمود عبَّاس، رفض الانصياع لأوامر بن سلمان عندما استدعاه مرَّتين إلى الرياض بإنهاء القضية الفلسطينية والقبول بحل كوشنر وصفقة العصر. لذلك عنونت صحيفة " الأخبار" مانشيتاً عن "ضمور الحقبة السعودية"، فبماذا يحتفل بنو سعود؟
أمَّا ترامب فحدِّث ولا حرَج. لقد حول الولايات المتَّحدة فعلاً إلى دولة مارقة وكل ما قام به خلال عام واحد هو هوَسه بإلغاء كل ما أنجزه سلفه باراك أوباما وعزل أميركا في العالم وأنهاء دورها التمثيلي المصطنع كوسيط عادل في الحروب والنزاعات وخصوصاً في الشرق الأوسط بعد قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة الكيان الإسرائيلي. فمن كان يفكِّر مثلا أنَّ يتم عقد مؤتمر حول سوريا في "سوتشي" برعاية روسية كاملة من دون وجود لأميركا؟! وليس هناك تعبير أصدق من تصويت 128 دولة ضد قرار ترامب في الأمم المتَّحدة مقابل 9 دول صغيرة نافرة لم يسمع بها أحد، وقفت مع ترامب. لقد أنهى ترامب رسمياً وبالفعل سيطرة الولايات المتَّحدة الوحيدة على العالم أي القطبية الأحادية. وكابن سلمان فإنَّ وجود ترامب في البيت الأبيض نعمة مخفية واللبيب من الإشارة يفهم!
إلا أنَّ العام لم يكن كله سيئاً، حيث نشهد حالياً عودة قضية فلسطين للصدارة وارهاصات انتفاضة شعبية كما شهدنا فناء "داعش" وتطهيرها من العراق وسوريا واليوم ينجز الجيش السوري وحلفاؤه مهمة استراتيجية كبيرة تتمثل بالقضاء على ما يشبه دويلة سعد حدَّاد قرب الحدود مع فلسطين المحتلَّة وذلك بسيطرته على "بيت جن" ما أدَّى لجن جنون تل أبيب وهي تشهَد نهاية حلمها بتقسيم سوريا. كذلك يتقدَّم الجيش باتجاه ريفي حماه وإدلب ويعمل على القضاء على جبهة "النُصرة" الإرهابيَّة رغم عرقلة أميركا لذلك.
وهكذا فبالرغم من توريث المشكلات إلى العام الجديد 2018 إلا أنَّ هناك ما يدعو للتقاؤل الحذر بسنة أفضل والمؤشرات على ذلك وفيرة. وكل عام وأنتم بخير.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع