أصدر وزير الصحة غسّان حاصباني «تعميماً» على أطباء السرطان يطلب الإلتزام بـ«بروتوكول» الوزارة لعلاج المصابين بهذا المرض. «التعميم» يأتي ضمن مساعي الوزارة لـ«ترشيد» صرف أدوية السرطان واحتواء أزمة الانقطاع المتكرر لبعض الأدوية في المركز التابع للوزارة. فيما يعزو مطلعون على الملف الانقطاع الى انعدام السياسات التي تراعي احتياجات المرضى وموازنة الوزارة من جهة، وغياب الإرادة الجدّية لمكافحة الفساد والمحسوبيات من جهة أخرى
نحو 380 مليون دولار أميركي بلغت كلفة فاتورة الأدوية السرطانية الإجمالية في لبنان خلال عام 2017، بحسب الدكتور اسماعيل سكرية، لافتاً إلى أن حصة وزارة الصحة من هذا المبلغ (سواء الاموال المقتطعة من موازنتها او الديون المُسجّلة عليها لدى وكلاء الأدوية) بلغت نحو 200 مليون دولار.
ويشهد مركز توزيع الأدوية التابع للوزارة في الكرنتينا، منذ تموز الماضي، انقطاعا لعدد من الأدوية المخصصة لعلاج مرضى السرطان، ضمن «انقطاعات» دورية يشهدها كل فترة بسبب «نفاد» أموال الوزارة المُخصّصة لشراء الأدوية. ويُجمع أطباء تواصلت معهم «الأخبار» على أن غالبية مرضى السرطان الذين يُعالجون على نفقة الوزارة لا يحصلون على الأدوية كاملةً، وبالشكل الذي يتطلّبه العلاج.
وتُفيد المعلومات أن وزير الصحة غسّان حاصباني أصدر، أمس، ما يُشبه «تعميماً» على عدد من الأطباء المتخصصين يطلب فيه الالتزام بـ«بروتوكول» علاج مرضى السرطان، وهو أشبه بـ «آلية» للعلاج تتعلّق بنوع الأدوية وكمياتها وعياراتها وحالات وصفها. وأوضح أحد الأطباء العاملين في الوزارة أن التشديد على الالتزام بالارشادات والبروتوكول هدفه الحرص على عدم صرف كميات مضاعفة من الادوية، ما قد يؤدي الى «الاسراف» في صرفها وبالتالي انقطاعها بشكل مبكر. وبمعزل عن نقاش «جدوى» هذا التعميم وحجم تأثيره على الطلب على الدواء، يبقى السؤال الجوهري حول السياسة الشاملة التي يجب على الوزارة اتباعها كي تحول دون تكرار أزمة الانقطاع.
أدوية باهظة وتنفيعات
مصدر في المكتب الإعلامي لحاصباني أبلغ «الأخبار» أنّ وزارة الصحّة في صدد إعداد موازنة جديدة من شأنها أن تحلّ مشكلة الأدوية المقطوعة، فيما يُشير سكّرية الى إمكانية عودة أزمة انقطاع الدواء بسبب غياب سياسات وخطط دوائية توازي بين موازنة الوزارة من جهة ومصلحة المرضى من جهة أُخرى.
وهذه السياسة يجب أن تأخذ في الإعتبار، بحسب عدد من المعنيين بالملف، مسألة الأدوية الباهظة الثمن التي تتكلّفها وزارة الصحة دون غيرها من الوزارات في البلدان الأوروبية والعربية المحيطة. ويوضح سكرية في هذا الصدد أن الوزارة توافق على تغطية بعض الأدوية المرفوضة في بريطانيا، مثلاً، وغيرها من الدول لأن فعاليتها لا تتناسب وسعرها الذي قد يكون مُبالغاً فيه، «خصوصا في ظل وجود بدائل لبعضها».
كما أن هناك ثمّة أسئلة أخرى مرتبطة بارتفاع كلفة فاتورة أدوية السرطان، من ضمنها تلك المُتعلّقة بتلزيم شركات خاصة استيراد الدواء بدلا من أن تتولى وزارة الصحة هذه المهمة بما يلغي هامش الربح للشركات الخاصة ويُخفّض من قيمة الفاتورة بشكل كبير. ويلفت سكرية الى عرض سويسري على الدولة اللبنانية يقضي باستيراد ادوية «من دولة الى دولة» بما يخفض قيمة الفاتورة بنسبة 40%. واللافت أن تلزيم الوكلاء لا يتم عبر مناقصات، إنما بالتراضي، ما يطرح «شُبهات» حول تلزيم شركات معينة وحول حجم «المنفعة» التي قد تحكمها المصالح في الوزارة.
الدواء بـ «الواسطة»؟!
ومن ضمن المسائل التي يجب أن تراعيها السياسة الدوائية، وفق ما يُجمع المعنيون، عدالة التوزيع بين المرضى، في ظلّ ممارسات تمييزية تحكمها «الوساطات» والمحسوبيات. ويوضح سكرية أنه عند كل أزمة انقطاع، فإن هناك مرضى يحصلون دون غيرهم على الأدوية التي يُقال في مركز التوزيع انها مقطوعة، مُشيرا الى وجود «محسوبيات لاصحاب النفوذ في هذا القطاع».
وتبرز في هذا الصدد شهادات عن حصول مكاتب حزبية على كميات من الأدوية من المركز لتوزيعها على المحازبين كنوع من شراء الولاءات الحزبية. ويخضع توزيع الأدوية في هذه المكاتب للاستنسابية والمزاجية، علما أنه لا يحق لأي كان أن يحصل على الأدوية من دون الرجوع الى وزارة الصحة والى اللجان الطبية العاملة فيها التي تدرس الملفات وتعطي الموافقة على تسليم الدواء الى المريض أو أحد أقربائه.
أكثر من 13 ألف مُصاب بالسرطان
بحسب السجلّ الوطني للسرطان لعام 2015، والذي تعدّه وزارة الصحة، يبلغ عدد المُصابين بهذا المرض نحو 13013 حالة (6228 ذكوراً و6762 إناثاً). واستحوذ سرطان الثدي على النسبة الأكبر من الاصابات (2529)، يليها سرطان الرئة والقصبة الهوائية (1212 إصابة)، فسرطان البروستات (915)، وسرطان القولون (781) وسرطان المثانة (750).