بين الكلام الانشائي وبين المواقف التي تربط الكلام بالممارسة، تصبح مفاهيم كـ"السيادة" و "الحرية" عموما و"حرية التعبير" خصوصا شعارات دأب الكثيرون على تفريغها من معانيها كمفاهيم سامية وتحويلها إلى ما يشبه الستار الذي يخفي خلفه كل أشكال التفاهة، على أحسن تقدير، وأحيانا الخيانة والارتهان وتخطي كل محظور في ما يتعلق حتى بالبديهيات.
المسألة لا تحتاج إلى الكثير من الدخول في النظريات والتعريفات العديدة والمختلفة لمفهوم الحرية، فما يتوافق عليه الجميع أنه لا توجد حرية مطلقة، وذلك ينطبق حتما على حرية التعبير من ضمن الحريات العامة. أمامنا اليوم قضية الإعلامي مارسيل غانم الذي، ونقولها مع تصفية النية مئة مرة، وبعيدا عن الدخول في ولائه السياسي وانتسابه إلى مؤسسة معروفة الانتماء والخط، بحثا عن سبق صحفي سمح لضيوفه بالمس بكرامة اللبنانيين وتهديدهم وتصنيفهم، بدون أن يعطي اي مجال للرد عليهم، إذا افترضنا انه ارتضى أن يكون مجرد أداة لطرح الاسئلة وعاجزا عن الرد أو النقاش. نقول ذلك كي لا ندخل في متاهة الهجوم على موقفه حينها المؤيد لما قاله الضيوف.. ثم جاء يصنف ذلك في إطار حرية التعبير!  إذا سلمنا جدلا فمن الواجب أن نصحح للإعلامي المخضرم خطأه في تصنيف هذا النوع من الحرية، وجل من لا يخطئ. ان ما حدث في تلك الحلقة هو حرية التهديد وحرية الإساءة وحرية التعدي لفظيا ومعنويا.. وان كان ذلك مقبولا بالنسبة له، لسبب أو لآخر، فهو بالنسبة لكثيرين مرفوض بالمطلق، وانطلاقا من حرية التعبير اياها، وجب التعبير عن هذا الرفض بطلب محاكمة المسؤول عن المساس بالكرامات الذي جرى في الحلقة، موضوع القضية. وبالتالي يصبح التعبير عن عدم التضامن مؤشرا على نسبة التصالح مع الذات ومع المفاهيم السامية، التي من ضمنها السيادة.. السيادة التي يرفع صوته الأستاذ غانم حين يتحدث عنها وبدا غافلا عن معناها الحقيقي، بل حتى عن ابسط تجلياتها وهي منع أي كلام وعدم مجاراة أو محاباة اي موقف يمس بها.
من هنا، يطرح السؤال نفسه، ما هي حدود حرية التعبير؟ أين تبدأ وأين تقف؟
لكل شيء معايير يقاس بها، ويحتسب وفقها. لقد كفلت القوانين حرية القول مثلا، لكنها تجرم الشتم.. على الرغم من أن الشتم هو فعل لفظي اي يدخل في إطار القول. وذلك ليس تناقضا إنما رسم للحدود بين المسموح قوله تحت عنوان الحرية وبين الممنوع قوله لدخوله حيز التعدي على الآخر.. إذن، الحرية ليست فعلا مطلقا، حرية النقد لا تعني الذم، حرية المعتقد لا تعني السماح بالقيام بطقوس شيطانية، حرية التجارة لا تعني الحق ببيع الاعضاء البشرية.. الخ. وايضا حرية الصحفيين في التعبير لا يجب أن تخرج عن نطاقها وتدخل في محظور التهديد والتحريض، كالذي دخلته الإعلامية ماريا معلوف ضد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ولا أن تتجاوز نطاق الخلاف في الآراء إلى نطاق التصنيف بين أخيار وأشرار، ولا إلى نطاق الوعيد والإهانة كالذي اتاحه السيد غانم من على منبره المسمى كلام الناس  والذي تحول ذات حلقة إلى تهديد الناس..

في الاستعراض التضامني الذي جرى اليوم، والذي يبدو مفهوما أن يتواجد فيه أسماء من الجانب الاقرب إلى المقاومة لأسباب وغايات تتعلق بأصحابها، وتختلف باختلافهم، حاول الكثيرون إظهار المسألة وكأن مارسيل غانم يخضع للمحاكمة بناء على رأيه السياسي.. وجميعهم وأولهم هو، يعرفون أن المسألة في مكان آخر.. فلو كان الأمر كذلك فعلا لسبقه إلى قفص الاتهام الكثيرون ممن يتباهون سرا وعلنا في إبداء المواقف الأكثر عدائية ضد المقاومة. محاكمة مارسيل غانم اليوم هي ببساطة تتلخص بكلمتين: المحاسبة الصحيحة على خطيئة صحفية وإعلامية ارتكبها اعلامي له وزنه بحق المشاهدين.. بحق الناس الذين أراد أن يكون برنامجه ناطقا بلسانهم!

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع