مجدداً، تسعى جمعية المصارف إلى التملّص من تطبيق زيادة ضريبة الفوائد إلى 7% والغاء الإعفاءات التي كانت تحظى بها، عبر اعتبار أن ودائعها لدى مصرف لبنان وسندات اليوروبوندز وفوائد الانتربنك وشهادات الإيداع مستثناة بقرارات صادرة عن وزير المال السابق فؤاد السنيورة. تحقيق مطلب المصارف يعني حصولها على إعفاء يشمل 135 مليار دولار كانت ستدفع ضريبتها من أرباحها، خلافاً لبقية الحسابات التي يدفع ضريبتها الزبائن!

لم تنته بعد معركة زيادة ضريبة الفوائد من 5% إلى 7% والغاء الإعفاءات التي حظيت بها المصارف منذ عام 2003. جمعية المصارف سبق ان «هُزمت» بصدور القانون 64 الذي يزيد نقطتين مئويتين على ضريبة الفوائد، اضافة الى توسيع شمول ضريبة الفوائد لحسابات ونشاطات مصرفية كانت مستثناة بقرارات من وزير المال، آنذاك، فؤاد السنيورة.

تأمل الجمعية اليوم أن تنتزع سلّة إعفاءات مماثلة من وزير المال علي حسن خليل عبر دفعه الى تعديل قراره التطبيقي للقانون المذكور، بما يؤدي الى إعفاء سندات اليوروبوندز وشهادات إيداع مصرف لبنان وودائع المصارف لدى مصرف لبنان وفوائد الانتربنك من ضريبة الفوائد.
فبعد نشر خليل القرار التطبيقي رقم 1504 في الجريدة الرسمية (28/12/2017)، شرعت المصارف في حملتها. فأجرت اتصالات مع عدد من المسؤولين، بينهم رئيس الحكومة سعد الحريري الذي «جنّدته للعمل بالإنابة عنها» على حدّ تعبير أحد المطلعين. كما اجتمع أمس مجلس إدارة جمعية المصارف أمس، وقرّر أن يرفع «شكواه» إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي استجاب سريعاً وحدّد موعداً للجمعية اليوم للاستماع إلى مطالب المصارف بشأن «التعديل» المطلوب من خليل على قراره التطبيقي.
ويترجم القرار التطبيقي رقم 1504 بشكل شبه حرفي ما ورد في القانون 64 المقرّ في مجلس النواب (20/10/2017) والرامي إلى تعديل المادة 51 من القانون 497 المتعلق بتطبيق ضريبة الفوائد وشمولها. وجاء في المادة الأولى منه أنه «خلافاً لأي نص آخر، تخضع لأحكام قانون ضريبة الدخل وضريبة الباب الثالث منه بمعدل 7% فوائد وعائدات وإيرادات رؤوس الأموال المنقولة الناتجة عن الحسابات الدائنة كافة المفتوحة لدى المصارف العاملة في لبنان بما فيها حسابات التوفير (الادخار)، والودائع وسائر الالتزامات المصرفية بأي عملة كانت بما فيها تلك العائدة لغير المقيمين. وتشمل هذه الالتزامات على الأخص: شهادات إيداع مصرف لبنان، شهادات الإيداع وسندات الدين على أشكالها الصادرة عن المصارف العاملة في لبنان، القروض على مختلف أنواعها الممنوحة من المصارف العاملة في لبنان، التأمينات على الاعتمادات المستندية وعلى الكفالات، وحسابات الائتمان وإدارة الأموال، سندات الخزينة اللبنانية بأي عملة كانت بما فيها تلك التي يكتتب بها مصرف لبنان، والمبالغ الناتجة عن القانون 520 وعن القانون 234 والقرارات الصادرة عن مصرف لبنان التي تقوم بها المصارف والمؤسسات المالية ومؤسسات الوساطة المالية لصالح زبائنها».

ووردت استثناءات محدّدة في القرار تشمل الحسابات الدائنة المفتوحة لدى مصرف لبنان باسم الحكومة اللبنانية والبلديات واتحادات البلديات والمؤسسات العامة، والحسابات الدائنة المفتوحة لدى المصارف العاملة في لبنان باسم البعثات الدبلوماسية والقنصلية الأجنبية.
هذه التعديلات لا تُخضِع كل أنواع الحسابات لضريبة الفوائد فحسب، بل تلغي أيضاً الإعفاءات التي صدرت بموجب قرارات السنيورة، والتي تطالب المصارف بتكريسها وتطبيقها في قرار خليل. ففي 18 آذار 2003 صدر قرار عن السنيورة رقمه 403/1 يستثني من ضريبة الفوائد كل حسابات الودائع المفتوحة باسم المصارف لدى مصرف لبنان، وكل الودائع بين المصارف (ما يسمى انتربنك). وفي 11/5/2004 أصدر السنيورة القرار رقم 665/1 الذي يشير إلى أن الضريبة على السندات بالعملات الأجنبية (سندات خزينة يوروبوندز) «تُحتَسَب»، إلا أنه يعاد «تسديد ما يعادل مبلغ الـ5% على الفوائد والإيرادات لحملة السندات».
وهذه القرارات ليست التفافية على المادة 51 من القانون 497 فحسب، بل تشكّل مخالفة واضحة لها. إذ أن هذه المادة التي صدرت في قانون الموازنة العامة لعام 2003 حصرت الإعفاءات بالمبالغ المودعة لدى مصرف لبنان وبالتوظيفات الأجنبية لدى الحكومة اللبنانية، ولم تنصّ على استثناء سندات اليوروبوندز ولا شهادات الإيداع ولا حسابات الانتربنك من ضريبة الفوائد كما ورد في قرارات السنيورة. وبالتالي فإن هدف الجمعية هو إعادة تفعيل قرارات السنيورة، لكنها لا تجاهر بالأمر على هذا النحو، بل تستعمل مطلب حقّ لتكريس هذا الباطل. فهي تتذرّع بعدم جواز تحميل الاحتياط الالزامي المفروض عليها بموجب قانون النقد والتسليف (15% من الودائع بالدولار و25% من الودائع بالليرة) لتضعها كاحتياط الزامي لدى مصرف لبنان بفائدة 1%. كذلك تتذرّع بأنه لا يجوز إخضاع فائدة الانتربنك إلى الضريبة. وتصنّف المصارف الاحتياطات الالزامية من ضمن باقي الودائع لدى مصرف لبنان، أي إن مطالبتها بإعفاء الاحتياط الالزامي يضمن لها إعفاء باقي الودائع. وبحسب إحصاءات جمعية المصارف، هناك ودائع لدى مصرف لبنان بقيمة 151781 مليار ليرة (100.6 مليار دولار). وبالتالي فإن الاحتياطات الالزامية تصل إلى 48 ألف مليار ليرة (32.1 مليار دولار)، ما يعني أن المصارف تحاول تهريب أكثر من 104 آلاف مليار ليرة (69 مليار دولار) من ضريبة الفوائد. كذلك تحمل المصارف شهادات إيداع صادرة عن مصرف لبنان بقيمة تصل إلى 70 ألف مليار ليرة (46.4 مليار دولار)، وتحمل سندات يوروبوندز بقيمة تزيد على 30 ألف مليار ليرة (20 مليار دولار). مجموع ما تحاول المصارف إعفاءه من الضريبة يصل إلى 135 مليار دولار.
واللافت في مطلب المصارف، أن هذا النوع من النشاط هو الذي يحقق لها أرباحاً خلافاً لما هي عليه الحال بالنسبة لحسابات الادخار والقروض والودائع التي يدفع ضريبتها الزبائن!
في المقابل يؤكد أحد أعضاء مجلس إدارة جمعية المصارف أن النقاش الدائر اليوم لا يتعلق بالازدواج الضريبي فحسب، بل أيضاً بالأثر الناتج عن تطبيق هذه التعديلات على المصارف. إذ أن هناك مصرفين سيدفعان وحدهما أكثر من 200 مليون دولار، فيما القطاع كلّه سيدفع أكثر من 500 مليون دولار بسبب عدم إقرار هذه الإعفاءات. وهذا المبلغ يضاف إلى المبلغ المحصّل من الضريبة على فوائد باقي الحسابات والمقدرة بأكثر من 450 مليار ليرة (300 مليون دولار). ويضيف المصرفي أن المصارف تدير اليوم 200 مليار دولار، أي أكثر من ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي، والسبب يكمن في تحويلها إلى أداة لتمويل الدولة، «لا بل ينطبق على المصارف تسمية الواجهة المزيفة للبنان» بكل ما يعنيه هذا الأمر من فساد سياسي ومالي، وبالتالي «لا يمكن أن يكون هذا الوضع من مؤشرات الربحية المنخفضة والتي ستتدنى إلى 5% (المردود نسبة إلى رأس المال) قياساً مع 10% قبل هذه التعديلات الضريبية، وهذا ما سيدفعنا إلى مواجهة خيارين: الأول أن ندفع فوائد أقل للمودع، وعندها سيتراجع نمو الودائع ليؤثّر بشكل واضح على تمويل الدولة، والثاني أن نزيد الفوائد على المقترضين ما ستكون له انعكاسات اقتصادية سلبية جداً».

المصدر: جريدة الأخبار - محمد وهبة