قبل أربعة أشهر من الانتخابات النيابية، قرّر النائب سامي الجميّل «اللعب» بمصير المستقلين و«المجتمع المدني» المُتحالف معه، عبر فتحه الباب لحوارٍ مع القوات اللبنانية قد يؤدي إلى تحالف انتخابي بينهما
الواقع: «(الرئيس) ميشال عون قوة ضاربة». الهدف: «جمع كلّ الأطراف المسيحية المعارضة في جبهة وطنية، حتى نتمكن من خوض معركة ضدّه». الحاجة: «فكّ الرباط بين عون ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، وضمّ الأخير إلى هذه الجبهة»، بعد أن فُقد الأمل في «التعويل على سحب (رئيس الحكومة) سعد الحريري من موقعه الموالي للرئاسة الأولى». فمن يعتقد أنّ «بإمكانه، وحيداً، خوض معركة ضدّ عون يكُنْ مخطئاً». الكلام لإحدى الشخصيات البارزة في ما كان يُعرف باسم الأمانة العامة لقوى ١٤ آذار، في مناسبة الحديث عن بدء الحوار بين حزبي الكتائب والقوات اللبنانية، في محاولةٍ منهما لنسج تحالف انتخابي.
يعتقد رفاق الأمس للقوات اللبنانية، أنّها بعد العزلة السياسية التي فُرضت عليها من التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، لم يعد من حلّ أمامها سوى تحطيم جبل الجليد بينها وبين قيادة الصيفي. بعد فشل التحالف بين العونيين والقواتيين، وسقوط نظرية الـ«٨٦٪» التي تغنّيا بها لفترة طويلة، معتبرين أنهما يختصران التمثيل المسيحي في مؤسسات الدولة، وبعد أن انتهى مفعول «الابتزاز» الذي مارسته القوات اللبنانية وتيار المردة عبر تضخيم الحديث عن تقاربٍ بينهما، تلفّتت قيادة معراب فلم تجد أمامها سوى حلفائها السابقين، لتتعامل معهم كـ«خطة باء». لذلك، يجب تلقّف هذه «الحاجة» القواتية إلى مُتنفس سياسي، «وفتح الباب أمام سمير جعجع ليعود».
وجهة النظر هذه، تعتبر أنّه لا يجب «إضعاف» ساكن معراب عبر فرض شروطٍ عليه، كانسحابه من الحكومة، «قبل تقديم بديلٍ له، ومشروع واضح ومضمون»، مع وجود «شبه قناعة بأنّ من الصعب على جعجع أن يخرج من التركيبة الوزارية، ويُعارض العهد ورئاسة الجمهورية، فهو يُدرك تماماً الانعكاس السلبي الذي سيُسببه له هذا الخيار». في المقابل، لا يُمكن النائب سامي الجميّل «التقدمي والإصلاحي والقريب من المجتمع المدني»، أن يُكمل بهذا المسار «من دون القيام بأي حساب لتاريخ حزبه الذي ورثه مع كتلة نيابية ووزارية، قرّر التخلّي عنها. فعندها سيُسأل ويُحاسب عن هذا الإرث». إضافةً إلى أنّ العمل السياسي «لا يُمكن أن يكتمل من دون كتلة نيابية وازنة». ورئيس حزب الكتائب، الذي يطرح نفسه من موقع المعارض لكل التركيبة السياسية الحالية، «ما كان ليفتح المجال أمام حوارٍ مع القوات، لو لم يكن مُدركاً للواقع والصعوبات التي تُرافقه». هل تشكيل جبهة معارضة مطلب من السعودية؟ «قد يكون حاجة لها، ولكن لم نسمع ذلك من المسؤولين السعوديين».
الانفتاح القواتي على الكتائب بدأ منذ زيارة جعجع لزحلة في آب الماضي، وطلبه من النائب إيلي ماروني نقل تحياته إلى الجميّل. ولكن، كانت المعلومات حينها تتحدّث عن رغبة جعجع في تحالفٍ مع الكتائب في بعض الدوائر الانتخابية، ولا سيّما في جبل لبنان. أزمة ٤ تشرين الثاني (إعلان الرئيس سعد الحريري ــ من الرياض ــ استقالته من رئاسة الحكومة)، بدّلت المعطيات. ظنّ جعجع أنّ الحريري لن يستطيع الاستمرار في سياسة معارضة المملكة السعودية طويلاً، متأملاً في أنها ستفرض حلفاً انتخابياً يضم كل فريق ١٤ آذار. ولكن، بدأ يظهر أنّ أولوية تيار المستقبل هي في التحالف مع التيار الوطني الحر، الذي ساهم في «تحريره» من «الأسر». لذلك، قرّر جعجع «ترقيع بنطلونه»، قبل الانتخابات، وإعادة وصل خطوطه مع الجميّل، صاحب «معارضة الزعيق»، كما وصفه جعجع سابقاً. حوار المصالحة ــ المصلحة، يقوده النائبان فادي كرم عن القوات وسامر سعادة عن الكتائب. الطرفان يقولان إنّ الأمور ما زالت في بداياتها، «جُلّ ما اتفقنا عليه هو التهدئة بيننا وعلى وسائل التواصل الاجتماعي». وقالت القوات للكتائب إنّه «هذه المرة نحن في الحكومة، الدورة المقبلة قد تكونون أنتم، لا يجب أن يفسد هذا الأمر في الودّ قضية».
يعتبر حزب الكتائب نفسه «في موقع القوي، وموقفه واضح. فلتعرض القوات اللبنانية ما لديها، وبناءً عليه نتفاوض. علماً أنّ الملف الانتخابي لم يُبحث مع القوات»، بحسب مصادر كتائبية. عائقان يرفعهما الجميّل، بوجه جعجع، العنصر السابق في الكتائب: «الاستقالة من الحكومة، والاتفاق على تقسيم الدوائر الانتخابية، شرط أن لا تكون اللوائح مشتركة. بمعنى أنّه في الدائرة التي يترشح فيها الكتائب، تكون القوات داعمة، والعكس صحيح. وذلك، حتى لا يتنافسا على الأصوات التفضيلية». يبدو ذلك صعباً بالنسبة إلى القوات اللبنانية، «فالمفترض أن نكون نحن الاثنين نعمل لرفع الحاصل الانتخابي، حتى نُعزز فرصنا في الفوز بأكثر من مقعد. ولنحسب أنّ الأمر نجح في البترون، فماذا نفعل في زحلة؟ والمتن؟ وبيروت؟». أما بالنسبة إلى الانسحاب من الحكومة، «فلا نعتقد أنّ الأمر مطروح»، تقول مصادر القوات، مُستغربة الشروط المسبقة. أما الحديث عن تشكيل جبهة معارضة، فبالنسبة إلى المصادر نفسها «صعب أن تتشكل قبل الانتخابات لانتفاء الحاجة إليها، ولا سيّما أنّه في المقابل لا يوجد جبهة مُشكلة من ٨ آذار. نعم، هناك حاجة لحركة سيادية، ولكن قد تحصل بعد الانتخابات».
استبعاد استقالة القوات اللبنانية من مجلس الوزراء، «يعني أن لا إمكانية للتحالف معها، لأنّ خطاب الكتائب هو ضد السلطة»، تقول مصادر الصيفي، مُضيفةً أنّ «سامي مش مستعجل على شي». بيد أنّ «المجتمع المدني»، والشخصيات «المستقلة الناقمة على الأحزاب»، التي وجدت في الجميّل ضالتها، «مُستعجلة» لتعرف ما إذا كان سيتحالف مع القوات أو لا. هذه القوى التي «وثقت» بالجميل، وبخطابه «الإصلاحي» الذي قدّمه في السنتين الأخيرتين، تجد نفسها اليوم تتعرّض لـ«خيانة» منه بمجرد أن فتح المجال لحوار مع حزبٍ يُشارك في السلطة. هذه الضربة الثانية، بعد أن فشلت محاولات خلق «جبهة معارضة»، كان من المفترض أن يصدر بيانها التأسيسي في تشرين الأول الماضي. وحتى لو استقالت القوات من الحكومة، «فهل ننسى أنها كانت طوال عام مشاركة في التركيبة التي اتهمناها بالفساد، بمجرد أن قررت البحث عن مصالحها في الشهرين الأخيرين؟»، يسأل أحد الشباب المستقلين الذين كانوا يُنسقون مع نائب المتن. مشكلة الجميِّل تكمن في «أننا خضنا معركة من أجل إقناع جزء من المجتمع المدني به، إذ كان يُنظر إليه كوريث سياسي وحزب سلطة». مغامرة الجميِّل بذلك، وبحثه عن تحالفات تؤمن له كتلة نيابية، «يعني أننا كقوى سنشنّ هجوماً عليه».