لن تُحصَرهوية بيروت الثانية في الانتخابات النيابية المقبلة بتيار المستقبل. رغم أن نسبة التأييد للرئيس سعد الحريري عادت إلى الارتفاع بعد الأزمة الأخيرة التي مرّ بها، فإن المؤكّد أنه سيكون له «شركاء» في تمثيل هذه الدائرة

تحمل دائرة بيروت الثانية مؤشرات حصول تحوّلات مهمّة لجهة إعادة تشكيل المشهد السياسي وتحديد أوزان القوى الفاعلaة فيها، في الانتخابات النيابية المُزمع إجراؤها في أيار المقبل. وتطمح بعض الشخصيات والأحزاب والتيارات التي لطالما بقيت خارج الخريطة النيابية في هذه الدائرة إلى دخول البرلمان، فيما تتوجس جهات أخرى، خصوصاً تيار «المستقبل»، من أن «تحديد» نفوذها.

في واقع الأمر، قلب قانون الانتخابات النسبي الأوراق في بيروت التي أصبحت دائرتين بدلاً من ثلاث (في الأولى 8 مقاعد، وفي «الثانية» 11 مقعداً: 6 سنّة، شيعيان، درزي، أرثوذوكسي، وإنجيلي). وصارت الدائرة الثانية (التي تضمّ المزرعة والمصيطبة ورأس بيروت وعين المريسة وميناء الحصن وزقاق البلاط والباشورة) وفق هذا القانون مجالاً لصراع سياسي ــ انتخابي مفتوح، سيجعل للرئيس سعد الحريري شركاء في تمثيلها، بصرف النظر عن التحالفات واللوائح التي لا تزال في غالبيتها غير محسومة بعد. إلا أن الثابت الوحيد حتى الآن في «الثانية» هو التغيير في هويتها السياسية، التي لن تكون «زرقاء» حصراً.
تنظر القوى السياسية إلى بيروت الثانية من زوايا متباينة. لتيار«المستقبل»، مثلاً، مخاوفه من مسار الانتخابات التي ستمسّ بوزنه ودوره في المرحلة المقبلة، بعدما كان يحصد المقاعد العشرة لبيروت الثالثة، بفعل التصويت الأكثري. أما اليوم، فلن يتمكّن من تكرار تجربة الـ«زي ما هيي» بفعل النسبية.
حزب الله وحركة أمل يتحضران لدخول «معقل» المستقبل، والفوز بالمقعدين الشيعيين اللذين بقي أحدهما في عهدة تيار الحريري طوال السنوات الماضية بقوة النظام الأكثري. فيما يرى آخرون ــ وتحديداً الشخصيات السنية ــ أنّ الانتخابات المقبلة ستقرّر مستقبلهم السياسي. حتّى أنهم لا يريدون الاكتفاء بكونهم شركاء، بل يُصوّرون أن خرقهم لمقعد واحد يخوّلهم أن يطرحوا أنفسهم بديلاً من تيار المستقبل، ويبنون آمالهم على نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة.
تقول أرقام إحصاءات عام 2017 التي ترتكز عليها القوى السياسية في تقييمها للمشهد، إن عدد الناخبين الإجمالي في بيروت الثانية هو 347,500، موزعين على النحو الآتي: (215 ألفاً للسنة، 75 ألفاً للشيعة، نحو 60 ألفاً من مختلف الطوائف المسيحية، نحو 4900 صوت درزي). ويعني ذلك أن السنة يمثّلون نسبة 61 في المئة من الأصوات، والشيعة 21.5 في المئة، والباقي موزَّع على الطوائف الأخرى.
لا يُعرف تأثير النسبية على خيارات الناخبين. لكن التصويت الأكثري كان يمنح حزب الله وحركة أمل نحو 90 في المئة من المقترعين الشيعة، فيما حصل تيار المستقبل على النسبة نفسها تقريباً من الناخبين السنّة عام 2009 في دائرة بيروت الثالثة. التحدي الأساسي اليوم يواجه تيار المستقبل. لا يزال، في جميع استطلاعات الرأي، متقدماً على باقي القوى السنية. لكن النسبية فرصة لكل معارضي التيار الأزرق لإثبات أنفسهم، من جمعية المشاريع الخيرية الإسامية (الأحباش)، والوزير السابق أشرف ريفي وفؤاد مخزومي، والجماعة الإسلامية والمجتمع المدني، والممتعضين والمتضررين من التيار. أما الأصوات المسيحية، فتتوزّع بين التيار الوطني الحر والطاشناق والمجتمع المدني والأقليات.
في الانتخابات الأخيرة، وصلت نسبة الاقتراع إلى نحو 40 في المئة. ويتوقع أن ترتفع، بفعل النسبية، إلى ما فوق 45 في المئة، ما يعني أن الحاصل الانتخابي (الحد الأدنى اللازم لحصول أي لائحة على مقعد نيابي) سيتجاوز عتبة 14 ألف صوت. وبحسب مصادر انتخابية معنية بالدائرة الثانية، «في حال حيازة تيار المستقبل 60 في المئة من الأصوات الإجمالية، فإنه يستطيع الفوز بستة مقاعد من أصل 11، فيما تتوزّع بقية المقاعد على القوى الأخرى».
سياسياً، يقول أكثر من طرف سياسي معنيّ بانتخابات هذه الدائرة إن نسبة التفاؤل بشأن وضع الرئيس الحريري ارتفعت بعد 4 تشرين الثاني الماضي، حين أُجبِر على تقديم استقالته من الرياض. وبات وضعه أفضل قياساً بما كان عليه قبل هذا التاريخ. ويسجّل الحريري نقطتين لمصلحته تتمثلان أولاً بكونه ابن رفيق الحريري، وثانياً بغياب أي شخصية تشكّل رقماً صعباً في وجهه، كما هي الحال في طرابلس (نجيب ميقاتي، أشرف ريفي، فيصل كرامي...)، وعكار (خالد الضاهر)، والضنية (جهاد الصمد)، وصيدا (أسامة سعد) والبقاع الغربي (عبد الرحيم مراد).
التحالفات لا تزال غير محسومة. فقد بدأ ثنائي حركة امل ــ حزب الله جلسات منذ أسبوع لحسم خياراته وتحالفاته في هذه الدائرة، بحسب مصادرهما ومن المتوقع أن يُعلن عنها «خلال 10 أيام». وتؤكد المصادر أن مرشحي الحليفين «سيكونون على لائحة واحدة، منفصلة عن لائحة تيار المستقبل». فيما لم يحسم مخزومي وجمعية المشاريع وجهة خياراتهما، رغم الحديث عن بعض الأسماء المرشحة من قبلهما. حتى الآن ثمة نواة لأربع لوائح مفترضة: لائحة تيار المستقبل، لائحة «الحراك المدني»، لائحة حزب الله وحركة أمل وحلفائهما، ولائحة «المعارضين للحريري ومن ضمنهم ريفي»، الذي سيُعلن بحسب معلومات «الأخبار» عن مرشحيه في بيروت الثانية قبل نهاية الشهر الجاري.
في تيار المستقبل يسود همس أنه بالإضافة إلى المرشحين الثلاثة الذين حُسم أن اللائحة الزرقاء ستحمل أسماءهم (سعد الحريري وتمام سلام ونهاد المشنوق) يتجه التيار إلى ترشيح عمر موصلّي ورئيس نادي النجمة أسعد السقال ولينا دوغان ونزيه نجم. واسم الأخير يبقى غير محسوم، لأن إعادة ترشيح النائب عاطف مجدلاني (للمقعد الأرثوذوكسي) لا تزال مطروحة. ولم تحسم بعد الأسماء الشيعية في لائحة الحريري، لكن خيار ترشيح حسن درغام (عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل) قائم. أما المقعد الدرزي الذي هو من حصّة النائب وليد جنبلاط فلم يحدّد مرشّحه بعد بانتظار وضوح التحالفات أيضاً.

المصدر: جريدة الأخبار - ميسم رزق