تُشكل أسماء المرشحين إلى الانتخابات النيابية، في ظلّ القانون النسبي الذي يُجرّب للمرة الأولى، أحد العوامل الأساسية لاستقطاب الناخبين. لا يبدو أنّ القوات اللبنانية تُقيم وزناً لهذا المعيار، والدليل الطريقة التي تنتقي بها ممثليها في الدوائر حيث تفتقر إلى «أحصنة رابحة»
مشاكل القوات اللبنانية مع الانتخابات النيابية عديدة، ولا تنحصر في مجالٍ واحد، بل يُمكن تقسيمها إلى ثلاثة مستويات. المستوى الأول، يتعلّق بالخطاب السياسي. فقيادة معراب تريد معارضة سياسة التيار الوطني الحر وطريقته في الحُكم، ولكن في الوقت نفسه تُحيّد «العهد القوي» والرئيس ميشال عون، كما لو أنّ هناك تعارضاً بين بعبدا وقيادة «التيار». تُقدّم معراب نفسها «إصلاحية» وتُحارب «الفساد»، ولديها ملاحظات جمّة على أداء مجلس الوزراء، لكن ترفض أن تُصبح خارج هذه المنظومة الحاكمة. يُضاف إلى ذلك، التبدّل الكبير والضياع الذي ظهر على مواقف رئيس «القوات» سمير جعجع خلال أزمة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري واحتجازه في السعودية. المستوى الثاني هو وقوف جعجع، حتى الساعة، وحيداً من دون تحالفات سياسية أساسية تسمح له بتأمين الحاصل الانتخابي في عددٍ كبير من الدوائر.
كانت هذه إحدى نتائج «مغامرة» جعجع مع السعودية، والرهان الفاشل على إمكان القيام بانقلاب وإطاحة حكومة الحريري. يقود ذلك إلى المستوى الثالث، ومشكلة اختيار الأسماء التي سيخوض بها جعجع معركة إثبات وجوده. صورة مرشحي القوات اللبنانية (لغاية الآن) إلى الانتخابات النيابية، في عددٍ كبير من الدوائر، تُشير إلى وجود عقبة مهمة لدى قيادة معراب. فإمّا أنّ المُختارين لا يملكون تمثيلاً شعبياً وقيمة إضافية تُخولهم المواجهة، وإمّا أنّه يوجد نقص في الكوادر، فتضطر «القوات» إلى الاستعانة بمستقلين، «كفاءاتهم» الأولى هي في كونهم متمولين، ولكن كانت حتى الأمس القريب «تستخفّ» بهم. «الفراغ» في المرشحين يشمل أساساً دوائر البقاعين الأوسط والغربي، كسروان ــ جبيل، البترون، المتن، طرابلس ــ المنية ــ الضنية، المتن، صيدا ــ جزين.
يعترف أحد المسؤولين القواتيين في زحلة بوجود «مشكلة لدينا على صعيد المرشحين، بمعنى من سيكون الحصان الذي سيخوض المعركة؟ ليس لدينا أحد». يترافق ذلك مع «التحدّي الجدّي في كيفية تحفيز الناخب المُتردّد على الاقتراع». الطبيب ميشال فتوش، الذي كان من المفترض أن يقود لائحة «القوات» في زحلة، «غير مقبول من القاعدة القواتية»، كما يقول المسؤول في حزب معراب. حتى إنّه باتت تُطرح أسئلة عدّة عن جدوى ترشيحه، وبحث إمكانية ترشيح شخصية أخرى. أرثوذوكسياً، لم تكن قيادة القوات، بحسب المعلومات، راضية عن الإطلالة الإعلامية لمُرشحها المُفترض الياس أسطفان، وقد حاولت القيام باستطلاع رأي لرفع حظوظ النائب جوزف المعلوف، إلا أنّ الأخير لا يزال مُتمسكاً بقراره عدم الترشح من جديد. أما في البقاع الغربي، فمُرشح «القوات» إيلي لحود «غير وازن شعبياً، فضلاً عن أنّ التيار الوطني الحر أصلاً أقوى حزبياً في هذه الدائرة من القوات»، بحسب أحد السياسيين في «الغربي».
من البقاع إلى دائرة صيدا ــ جزين، حيث رشّحت «القوات» عجاج حداد عن المقعد الكاثوليكي، «الذي وصل إلى القوات بعد رفضه من قِبل التيار العوني». هذا كان أحد أسباب تبنيه قواتياً، إضافةً إلى «الاتفاق القديم بين المطران الراحل أندريه حداد والنائبة ستريدا جعجع على طيّ صفحة الحرب الأهلية وتفجير المطرانية في زحلة المُتهمة به القوات اللبنانية، مُقابل تبنّي ترشيح ابنة أخيه عجاج حداد في جزين». علماً أنّ والد حداد كان يُطلق على جعجع لقب «صاحب الأقدام التهجيرية». ترشيح معراب لحداد في الـ2009 «خلق مشكلة داخلية لدينا في جزين، ولم تتقبله القاعدة القواتية». وفي الـ2013، حين أعاد جعجع ترشيحه «نظّمنا إحصاءً داخلياً أظهر ضعف حداد قواتياً. جعجع لم يأخذ رأينا بالاعتبار، وأدّى ذلك حينها إلى استقالة المنسق فادي أبو عتمة». لم يتعظ جعجع من الخطأ، ورشّح حداد من جديد، «وفي محاولةٍ منه لامتصاص النقمة الشعبية، أوفد مارون سمعان من معراب إلى جزين لاستنهاض القواعد الحزبية من دون أن ينجح في ذلك».
النقمة الحزبية موجودة أيضاً في دائرة طرابلس ــ المنية ــ الضنية، ولو أنّ جعجع تمكن من «قمعها»، فارضاً على الحزبيين الموافقة على ترشيح مستشاره إيلي خوري عن المقعد الماروني في طرابلس، عوض منسّق المنية ــ الضنية ميشال خوري عن المقعد نفسه. هناك ثلاثة حواجز يصطدم بها إيلي خوري: رفْضُ قسم من الحزبيين لترشيحه، الحساسية المارونية ــ الأرثوذوكسية في طرابلس، وعدم استعداد الفيحاء بعد لتشريع الوجود السياسي للقوات فيها.
الاصطدام بين قرار القيادة ورغبات الحزبيين، موجود أيضاً في دائرة كسروان ــ جبيل. يظن قسمٌ من القواتيين أنّ شوقي الدكاش (كسروان) لا يستحق أن يكون مُرشح الحزب الرسمي، لعدم قدرته على المنافسة في مواجهة بقية الأطراف، ولعدم امتلاكه عصباً حزبياً. ولكن الأمر نفسه قد ينطبق على آخرين يطرحون أنفسهم «مناضلين». فالقصة الأساسية تتعلّق بضعف القوات كحزبٍ في منطقةٍ تعاديها تاريخياً، بصرف النظر عن اتجاهها إلى تضخيم حجمها وأرقامها. أما في جبيل، فيسعى زياد حواط إلى تجاوز النائب السابق فارس سعيد في الأصوات التفضيلية، محاولاً السير بين ألغام القواتيين غير الراضين عنه، وورثة الكتلة الوطنية المعادين للقوات اللبنانية. سيؤثر عليه سلباً عدم انضمام نعمة افرام إلى اللائحة القواتية، التي لم تظهر نواتها أصلاً بعد.
ليس الأمر «بهذا السوء» في دائرة الشوف ــ عاليه، «بسبب وجود النائب جورج عدوان». خلفية عدوان النيابية، ووجوده في قلب القرار الحزبي، وعلاقته الجيدة بستريدا جعجع، تنعكس إيجاباً على شعبيته في هذه الدائرة. ولكن هذا «العزّ»، لا يحظى به المرشح عن المقعد الأرثوذوكسي أنيس نصّار. زميل دراسة جعجع، «غريب» بالنسبة إلى أبناء منطقته. يسأل أحد القواتيين: «هل يكفي أن يكون الشخص متمولاً حتى نخوض معركة به؟ خاصة أنّه أصلاً هناك صعوبة للفوز في هذه الدائرة من دون التحالف مع التقدمي الاشتراكي». يتحكم الحزب الاشتراكي بمصير «القوات» في دائرة بعبدا أيضاً. صحيح أنّ الضابط الطيّار السابق في القوات اللبنانية، الوزير بيار بو عاصي يواجه نقمة نتيجة قلّة نشاطه الشعبي والخدماتي، «ولكن باستطاعته استمالة المعارضين للتيار الوطني الحر، ولا سيّما أنّه لا يوجد منافسون كُثر. لكن ضعفه الأساسي يكمن في الحصول على الحاصل الانتخابي للائحة».
في المتن الشمالي، كان يُمكن تحالفاً بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، أو حزب الكتائب، أن «يُهدي» قيادة معراب نائباً في هذه الدائرة. ولكن، بغياب التحالفات يُصبح من شبه المستحيل على «القوات» أن تنجو بمرشحها عن المقعد الماروني إدي أبي اللمع، الذي تُظهر استطلاعات الرأي الفارق الكبير بينه وبين النواب سامي الجميل وإبراهيم كنعان ونبيل نقولا. في هذه الدائرة، كان للقوات اللبنانية «حصانٌ» هو الوزير ملحم رياشي، نجح في بناء حيثية مُعينة، وكان يُمكن أن يشدّ العصب الحزبي، ولكن قيادته قرّرت عدم ترشيحه. تماماً كما قرّرت معراب التخلّي عن ترشيح أنطوان زهرا في البترون، لمصلحة الأمين العام السابق في الحزب فادي سعد. ورث الأخير من منصبه كأمين عام، احتكاكات مع الحزبيين في البلدات البترونية، ومن أبرز الانتقادات ضدّه أنّه «غير شعبي وخدماتي»، وبالتالي من الصعب أن «تواجه هذه الشخصية مُرشحين بارزين كالنائب بطرس حرب والوزير جبران باسيل». يُذكر أنّ سعد أطلق قبل أيّام ماكينته الانتخابية، وقد بدأها بقداسٍ ولقاء شعبي في بلدة بشعلة.
أما في بيروت الأولى، فكان هناك انقسام بين قواتيين يريدون ترشيح الوزير غسان حاصباني عن المقعد الأرثوذوكسي، ناقمين على المُرشح الآخر عماد واكيم، وبين مناصرين لواكيم يعتبرون حاصباني «طارئاً» على القوات «ولم نتعرّف إليه إلا قبل ثلاث سنوات حين قدّم محاضرة عن الحكومة الإلكترونية». قبل قرابة ثلاثة أسابيع، زار وفد من الأشرفية معراب، مُحاولاً تسويق ترشيح حاصباني، «فكان ردّ جعجع حاسماً لجهة ترشيح واكيم الذي يحلّ أولاً في الاستطلاعات، وهو قريب من القاعدة»، على العكس من المرشح الأرمني ريشار قيومجيان «الذي لا يظهر إلا في فترة الانتخابات النيابية».
عوامل عدّة تؤثر في المُرشحين القواتيين إلى الانتخابات النيابية. شخصياتهم كأفراد تلعب دوراً مهماً، إضافة إلى كونهم «ضحايا» الضعف الشعبي للقوات اللبنانية في دوائر عدّة وافتقادها للتحالفات التي ستُنقذها. في المقابل، أكثر الدوائر التي تبدو «القوات» مرتاحة لوضعها فيها هي الشمال الثالثة، وتحديداً في بشرّي والكورة، حيث لا تحتاج إلى منّة من أحدٍ للفوز في مقاعدها.