لا يوفّر المسؤولون اللبنانيون فرصة للتعبير عن الرغبة في التعاون التجاري والثقافي والعسكري مع روسيا الاتحادية. ومنذ أن خرّب الأميركيون قبل نحو 9 سنوات، عبر رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الدفاع الأسبق الياس المرّ وغيرهما من المسؤولين، صفقة الأسلحة الروسية مع الجيش، يعبّر اللبنانيون عن نيّتهم تصحيح هذا الخطأ، بتأكيدهم أفضل العلاقات مع روسيا، سواء في المواقف العلنية أو خلال اللقاءات مع المسؤولين الروس في موسكو أو بيروت. إلّا أن هذه النيات الإيجابية دونها عقبات، أهمّها التزام النظام المصرفي اللبناني الكامل بالأجندة الأميركية، وخصوصاً لناحية العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على بعض الجهات والقطاعات الحكومية الروسية.
في الآونة الأخيرة، زار موسكو أكثر من وفد رسمي ووزاري وعسكري، وتوّجت اللقاءات بالزيارة التي قام بها الرئيس الحريري إلى العاصمة الروسية، وإعلانه نيّة لبنان التعاون مع روسيا في قطاعات عدّة، فضلاً عن توقيع الجانب اللبناني مع الروس 11 اتفاقية للتعاون بين البلدين. ليس هذا فحسب، إذ كان على جدول أعمال رئيس الحكومة طلب قرض بقيمة مليار دولار أميركي من الحكومة الروسية لتمويل عقود عسكرية منوي توقيعها بين البلدين.
إلّا أن أحداً في الجمهورية اللبنانية لم يترجم للروس كيفية تطبيق هذه الاتفاقيات، طالما أن أي مبلغ مالي على لبنان تحويله إلى موسكو، سيمرّ عبر المدققين الأميركيين الذين تتعاون معهم المصارف اللبنانية في أميركا، بما يسمح لهؤلاء برفض أو قبول فتح الاعتمادات للشركات الروسية والحوالات المالية في المصارف، بصرف النظر إن كانت هذه الهيئات أو الجهات الروسية تخضع للعقوبات أو يشتبه الأميركيون بها «لغاية في نفس يعقوب». وتبرّر المصارف للروس بأن هذه القرارات مصدرها مصرف لبنان. لكن ما تتوقف عنه موسكو أن بعض الشركات الروسية التي تتعرض للمضايقات من المصارف اللبنانية، تعمل في دول خليجية وعربية أخرى تربطها علاقات قويّة بالولايات المتحدة، من دون أن تقوم هذه الدول بتنفيذ العقوبات الأميركية على الشركات الروسية، طالما أنها عقوبات أحادية لم تصدر عن مجلس الأمن الدولي أو الأمم المتّحدة.
ويعبّر المسؤولون الروس عن استياء شديد من إجراءات المصارف اللبنانية. ويقول أكثر من مسؤول دبلوماسي روسي لـ«الأخبار» إنه بات هناك شعور بأن «المصارف اللبنانية تعمل بموجب توجهات سياسية»، وإن «الشركات الروسية واللبنانية والشركات والمؤسسات ذات الأصول الروسية، ولو كانت مسجلة في الدول العربية، تتعرّض لمضايقات وضغوط من المصارف اللبنانية، وكأن هناك فرض عقوبات على الصناعات الروسية حتى ولو سوقت عبر طرف ثالث، وحتى في حال عدم وجودها على لائحة العقوبات الأميركية».
في عام 2014، طرح مصرف لبنان على الروس خلق وسيط مصرفي في أوروبا، إلّا أن هذا الحلّ لم يعمّر طويلاً. وتبدو الاتفاقات اللبنانية الروسية المشتركة، وخصوصاً على صعيد التعاون العسكري اللبناني ــ الروسي مهدّدة، في ظلّ عدم بحث الأطراف اللبنانية عن بدائل لاستمرار التعاون. وهنا يفتح باب الأسئلة حول الأسباب التي تدفع الحكومة اللبنانية والمصرف المركزي إلى عدم البحث عن حلول جديّة، فهل يعجز النظام المصرفي اللبناني أمام القيود الأميركية؟ أم أن القرار المصرفي يحمل خلفية سياسية لعدم التعاون مع الروس، خلافاً للنيات المعلنة؟
وأمام قلق المصارف من التعاون مع الروس خشية العقوبات الأميركية، هل يكون البديل بتكوين لبنان احتياطياً مالياً من العملات الأجنبية غير الدولار الأميركي، مثل الروبل الروسي أو اليوان الصيني، لتغطية نفقات العقود وعدم تهديد التعاون الروسي ــــ اللبناني أو مستقبلاً التعاون اللبناني ــ الصيني؟