كما كان مُتوقّعاً، قرّرت الحكومة أمس توسعة مطمر الـ«كوستابرافا»، وأعلنت إطلاق مناقصات معامل التفكك الحراري خلال الأشهر الستّة المُقبلة. القرار يأتي بعد نحو سنتين على إطلاق «الخطة الوطنية للإدارة المتكاملة للنفايات» التي نصّت على تفعيل فرز النفايات كحلّ بيئي مُستدام. فيما يؤكد الخبراء أن فتح «بازار المحارق» سيقطع الطريق على ذلك، إذ «سيكون من مصلحة مُشغّلي المحارق زيادة نسبة النفايات، لا تقليصها عبر الفرز»
أقرّ مجلس الوزراء، أمس، توسعة مطمر الـ«كوستابرافا» وإنشاء معمل لتسبيخ النفايات فيه، على أن تنضم نفايات الشوف وعاليه إلى تلك التي يستقبلها المطمر. وقرّرت الحكومة أيضاً اعتماد معامل للتفكك الحراري لمعالجة النفايات في المرحلة المُقبلة، ووافقت على إطلاق المُناقصات خلال الأشهر الستة المُقبلة.
ويأتي القراران مُنسجمين مع الاقتراحات التي قدّمها مجلس الإنماء والإعمار حول آلية تفادي تجدّد أزمة النفايات في الأشهر المُقبلة، مع اقتراب بلوغ المطامر قدرتها الاستيعابية بسبب عدم التزام نسب الفرز التي نصّت عليها الخطة الحكومية. ووافق مجلس الوزراء أيضاً على استحداث مطمر في طرابلس إلى جانب موقع المكب الحالي.
وبحسب الاقتراح المُقدّم من «الإنماء والإعمار»، ستُردم مساحة إضافية في موقع «كوستابرافا» تراوح بين 150 و200 ألف متر مربع من الأملاك العامة البحرية، بكلفة إضافية تقدّر بنحو 100 مليون دولار، ستتقاضاها شركة «الجهاد للتجارة والمقاولات» الملتزمة أعمال إنشاء المطمر الذي استدعى ردم 160 ألف متر في تموز 2016 لقاء 60 مليون دولار.
ماذا عن توسعة مطمري برج حمود ــــ الجديدة؟ لم تحسم الحكومة خيارها بعد، وقرّرت كسب مزيد من الوقت عبر طلب اقتراحات لتوسعة المطمرين. علماً أن مجلس الإنماء والإعمار تقدّم باقتراحين: الأول استخدام المساحة المستحدثة في الجديدة جرّاء ردم البحر (التي كانت مخصصة هبة لبلدية الجديدة) كمطمر. وتُقدَّر هذه المساحة بنحو 120 ألف متر مربع. فيما ينصّ الاقتراح الثاني على ردم المساحة البحرية الفاصلة بين برج حمود والجديدة، حيث يقع حالياً مرفأ الصيادين، على أن يُنقَل الأخير إلى منطقة أخرى.
قرار تشغيل المحارق
إعلان الحكومة إطلاق مناقصات معامل التفكك الحراري في الاشهر الستة المُقبلة لم يكن مُفاجئاً، إذ يأتي استجابةً لما نصّت عليه المرحلة الثانية من الخطة الوطنية للإدارة المُتكاملة للنفايات الصلبة في لبنان (القرار رقم 1 الصادر في 1/12/2015) لجهة «إعداد دفاتر التلزيم لمناقصات التفكك الحراري في المدن الرئيسية، تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء الرقم 55 تاريخ 1/9/2010، والقرارين المكملين له (الرقم 46 تاريخ 30/10/2014 المعدل بالقرار الرقم 1 تاريخ 12/1/2015)، وإطلاق المناقصات ذات الصلة». وتنقسم المناقصات المتعلّقة بتحويل النفايات إلى طاقة حرارية، بحسب المعنيين في «الإنماء والإعمار»، إلى شقّين، الأول يتعلّق بدراسة أهلية الشركات، وقد بدأ المجلس السير بها منذ تموز 2016، والثاني يتعلّق بتلزيم الأشغال، وهو ما كان عالقاً لدى مجلس الوزراء الذي أوعز أمس بالسير فيها.
محرقة بيروت
في غضون ذلك، تتحضّر بلدية بيروت لإطلاق مُناقصة معالجة نفاياتها عبر تقنية التفكّك الحراري خلال الأشهر الثلاثة المُقبلة، وفق ما صرّح رئيسها جمال عيتاني الشهر الماضي. وفي حال صدق «التوقيت»، يأتي إطلاق المناقصة بالتزامن مع تسلّم ائتلاف شركة «رامكو للتجارة والمُقاولات» وشركة «التاس» التركية مهمات كنس النفايات وجمعها في بيروت من «سوكلين». وبذلك تكون الأخيرة قد سلّمت آخر مهماتها في قطاع إدارة النفايات الذي شغلته لنحو عقدين من الزمن، وبعد نحو سنة ونصف سنة على قرار بلدية بيروت الانفصال عن مناقصات النفايات المركزية.
وكانت البلدية قد اتّخذت في 15/6/2916 القرار الرقم 375 الذي يتعلّق بتعديل قرار مجلس الوزراء الرقم 46 تاريخ 30/10/2014 لجهة الإجازة للبلدية بتلزيم أعمال تحويل النفايات المنزلية الصلبة إلى طاقة عبر تقنية التفكّك الحراري. وتفيد المُعطيات بأن أربعة ائتلافات من بين ثمانية، تأهّلت إلى المناقصة، هي:
ــــ ائتلاف شركة vinci الإسبانية وشركة man اللبنانية (يملكها ميشال أبي نادر).
ــــ ائتلاف doosan الكورية وramco اللبنانية (يملكها محمد عماش).
ــــ ائتلاف sueze and cenem الفرنسية مع «الجهاد للتجارة والمقاولات» (يملكها جهاد العرب).
ـــ ائتلاف hitachi اليابانية مع butec اللبنانية (يملكها نزار يونس) وbatco اللبنانية (يملكها طوني أزعور).
كلفة باهظة
يُجمع الخُبراء على التكاليف الباهظة لتقنية التفّكك الحراري لجهة كلفة المصنع والتشغيل. ويوضح المهندس البيئي المُتخصّص في تقنيات معالجة النفايات الصلبة زياد أبي شاكر، أن كلفة حرق طن النفايات وفق هذه التقنية «لن تكون أقل من مئة دولار أميركي، إضافة إلى كلفة إدارة الرماد والفلاتر التي يجب تغييرها كل ثلاثة إلى ستة أشهر، حسب نوعية النفايات التي يجري تفكيكها».
وكان مجلس الإنماء والإعمار قد تعاقد عام 2011 مع شركة «رامبول» الدانماركية لإجراء دراسة حول وضع النفايات في لبنان، خلصت إلى اقتراح إنشاء أربع محارق على طول الساحل اللبناني (3 قرب معامل الكهرباء: دير عمار في الشمال، الجية في الوسط، والزهراني في الجنوب، ورابعة في الكرنتينا). وقدّرت كلفة إنشاء المحارق الأربع، آنذاك، بـ 950 مليون دولار، وكلفة التشغيل بنحو 114 مليون دولار. ما يعني أن كلفة إنشاء المحرقة الواحدة وتشغيلها، بأسعار 2011، تبلغ أكثر من 260 مليون دولار، ما يطرح تساؤلات عمّا إذا كانت بلدية بيروت وبلديات المُدن الرئيسية قادرة على تحمّل هذه الكلفة.
... وكلفة بيئية وصحية
وفيما تمضي الحكومة في خيار إرساء المحارق، مفضّلة استخدام تعبير «التفكك الحراري»، يواصل المُعارضون لهذا الخيار إبراز سلبياته عبر استعراض فاتورته البيئية والصحية والمادية. وفي هذا السياق، ينوي ناشطون وخبراء عرض فيلم وثائقي الثلاثاء المُقبل في سينما «ميتروبولس» في بيروت، عن كيفية تشغيل المحارق في الدانمارك، «سيردّ بالبراهين والحجج على كل مزاعم بلدية بيروت حول المعايير المُتطوّرة التي ستعتمد في مصنع التفكك الحراري»، بحسب أبي شاكر.
وكان عيتاني قد أعلن، الشهر الماضي، أن الخطة المُقترحة تقتضي تفعيل الفرز لتقليص حجم النفايات المنوي حرقها، لافتاً إلى أن المحرقة ستكون مُخصصة حصراً لنفايات بيروت الإدارية التي تقدر بنحو 700 طن يومياً، ما يجعل «حجم» المحرقة المنوي إنشاؤها «صغيراً». لكن الخبير البيئي ناجي قديح، لفت إلى أن العقود التي ستوقَّع مع شركات تشغيل المحارق «ستكون قائمة على أساس الأطنان، وبالتالي سيكون من مصلحة المُشغّل أن تزيد نسبة النفايات، لا أن تتناقص عبر الفرز أو إعادة التدوير»! وبهذا المعنى، يغدو الحديث عن تفعيل معامل الفرز «تضليلاً للرأي العام».
إلى ذلك، سيقطع خيار المحارق الطريق أمام الحلّ المُستدام القائم على الفرز. ويطرح خبراء تساؤلات عن مصير الرماد الناتج من المواد «المُفكّكة». ويوضح أبي شاكر أن ما لا يقلّ عن 30% من هذه المواد يبقى في أسفل غرفة التفكّك كرماد، «وهو سام جداً، ويجب التعامل معه على أنه نفايات خطرة». وفيما تؤكد البلدية أنها ستعمد إلى وضع الرماد المُتطاير في مكعبات باطون تخزّن فوق الأرض في عقار تابع لها، مع إمكانية ترحيله إلى النروج كما تفعل الدانمارك حالياً، يلفت أبي شاكر إلى أن القانون في ميونيخ الألمانية، مثلاً، يفرض تعبئة الرماد والفلاتر في مستوعبات من الباطون يُحكم إقفالها وتخزّن في مناجم الملح على عمق نحو 700 متر تحت الأرض (راجع مقالة سجال المحارق: أين نذهب بالرماد؟ http://www.al-akhbar.com/node/272498).
من جهته، يلفت الناشط ورئيس «الائتلاف المدني الرافض للمحارق» رجا نجيم، إلى أن المحارق في العالم لم تصل بعد إلى مستوى انتفاء الانبعاثات السامة، لافتاً إلى «المخاطر الجمّة التي تتضاعف في بلد مثل لبنان، نظراً لتراكم تلوثاتها مع التلوث الموجود في جميع المناطق اللبنانية المأهولة، خصوصاً أن التعرّض الذي تُسبّبه عملية الحرق هذه مباشرة وكثيفة ومتواصلة، إن من بقايا الغازات السامة المُسرطنة من ديوكسين وفوران وسواهما أو ثاني أوكسيد الكاربون». أما الأخطر، فهو أن «مجال امتداد التعرّض من هذه الانبعاثات يُغطّي تقريباً كامل بيروت والضواحي، أياً يكن موقع تركيب المحارق».
المحرقة الكلاسيكية ومحارق التفكّك الحراري
بحسب المهندس البيئي المُتخصّص في تقنيات معالجة النفايات الصلبة زياد أبي شاكر، في حالة المحرقة الكلاسيكية، تُحرَق النفايات مُباشرةً في غرفة نار. أما في المحارق التي تعتمد تقنية التفكّك الحراري «فتكون غرفة النار عبارة عن غُرفتين، إحداهما ضمن الأُخرى. توضع النفايات في الغرفة الداخلية وتُشعل النار في الغرفة الخارجية، فتعلو الحرارة جدّاً في الغرفة الداخلية، ما يؤدي إلى تفكك المواد الموجودة وتحوّلها إلى غاز يُمكن الاستفادة منه لإشعال النار في الغُرفة الخارجية. قسم من هذا الغاز سيتطاير حُكماً من خلال داخون يجب أن يكون مُتطوراً لضبط أكبر كمية من الانبعاثات الغازية الضارّة».