عنوانان بارزان يُسيطران على المشهد اللبناني هما: «مرسوم الأقدميّة» لضباط دورة 1994، والانتخابات النيابية المحدّدة في أيار المقبل. وفي ظلّ اللاءات التي تتمسّك بها الرئاستان الأولى والثانية، تراوح أزمة المرسوم مكانها، فيما تتجه الأنظار إلى الانتخابات التي تبدو المملكة العربية السعودية مهتمة بشأنها، وسط معلومات تتحّدث عن «استدعاء قريب للرئيس سعد الحريري إلى الرياض، إلى جانب عدد من قوى فريق الرابع عشر من آذار، لإبلاغهم رغبتها في إعادة جمعهم في حلف واحد والضغط عليهم لخوض الانتخابات معاً»

في ظل اقتراب موعد إعلان اللوائح التي ستُخاض الانتخابات النيابية وفقاً لها (يفرض القانون إعلان اللوائح قبل 40 يوماً من موعدد إجراء الانتخابات)، تسعى المملكة العربية السعودية إلى عودة قوية إلى لبنان من ضمن استراتيجية تقول مصادر مطلعة إنها «ستبدأ العمل عليها خلال أسابيع»، وتهدف إلى «إعادة لمّ مكونات 14 آذار لتخوض معركة الانتخابات النيابية كفريق واحد». وبدلاً من أن تهمّش الرياض الملف اللبناني لمصلحة الملفات الإقليمية التي تشغلها في سوريا والعراق واليمن، يبدو أنها «تسعى إلى كسب ورقة لبنانية لتوظيفها في مشروعها في المنطقة».

رغم كل الظروف التي مرّ بها فريق السعودية في لبنان، ومعه سياسة التخلّي التي انتهجتها المملكة تجاه حلفائها لفترة طويلة، ظلّت فكرة الانسحاب المطلق للسعودية من الساحة اللبنانية «مستبعدة» عند الذين كانوا يُعرفون سابقاً بـ«قوى 14 آذار». ولطالما اطمأن هؤلاء إلى أن «المملكة لن تتخلّى بسهولة عن مشروع سياسي استثمرت فيه مئات ملايين الدولار، ولا بدّ من أن تعود إليه، وخصوصاً أن أسسه لا تزال قائمة، لتحجيم النفوذ الإيراني في لبنان». هذا الجو وصل إلى مسامع مسؤولين في بيروت، عبر دبلوماسيين عرب، نقلوا بأن «جهوداً سعودية بدأت تنصبّ للتحضير للانتخابات النيابية، وأن المملكة ستقوم قريباً بإرسال موفد رفيع المستوى إلى لبنان للقاء الرئيس سعد الحريري، من أجل ترتيب تصوّر متكامل للمرحلة المقبلة، ينطلق من الضغط على رئيس الحكومة لتكون الأولوية في تحالفاته الانتخابية لمصلحة مكونات فريق 14 آذار، وفي مقدّمها القوات اللبنانية». غير أن معلومات أخرى، تؤكّدها شخصيات سياسية بارزة، تقول إن «الحريري سيُستدعى قريباً إلى الرياض، ومعه رؤساء أحزاب وتيارات في فريق 14 آذار، أو شخصيات مستقلّة، وربما رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، لتبليغهم رغبتها في إعادة جمعهم معاً في حلف واحد». وبحسب المصادر نفسها، «لم تسقط السعودية يوماً من حسابها أن هذا المشروع لا يزال قائماً، رغم كل ما أصابه من نكسات»، وخصوصاً أنه نجح في مرحلة ما في «تحقيق بعض الإنجازات من داخل الحكومة وخارجها». ومع أن جمع قيادات هذا الفريق يبدو مهمّة مستحيلة، لكن الملف «وضع على الطاولة السعودية، وستبدأ ترجمة هذا التوجه قريباً لأن الرغبة السعودية في ترتيب هذا البيت لم تعُد تفصيلاً».

لكن ماذا عن الحريري الذي يتقدّم عنده همّ الحفاظ على تحالفه مع التيار الوطني الحرّ على كل همومه الأخرى؟ وهل بإمكانه مجاراة المملكة في مشروع مواجهة جديدة مع حزب الله، الذي «وصفه» رئيس الحكومة أول من أمس في مقابلة مع صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية بأنه «عامل استقرار»؟ قد لا يكون الحريري جاهزاً لأي شكل من أشكال المواجهة، كما ترجح المصادر، لكن ذلك لن يدفع المملكة إلى التراجع عن خطّتها التي «وضعت ضمن بنودها توحيد كل الشخصيات المناهضة لحزب الله وإيران ودعمها سياسياً ومالياً لمواجهته وفريقه في الانتخابات النيابية المقبلة، وسيصِل هذا الدعم تحديداً إلى أطراف أثبتت التزاماً في مواجهة الحزب».
من جهة أخرى، وبعدما بلغت أزمة «مرسوم أقدمية ضباط دورة الـ 94» حوالى الشهر من عمرها من دون أي تعديل بمواقف فريقَي الأزمة، ينتظر الجميع محاولة لتحقيق اختراق فيها من خلال «الوساطة» التي يتولّاها جنبلاط بين الرئيسين الحريري ونبيه برّي، عبر الوزير وائل أبوفاعور. وقد لفت رئيس مجلس النواب أمس أمام زوّاره إلى أن «لا شيء جديداً»، مشيراً إلى أن الزيارة التي قام بها الوزير غطّاس خوري لعين التينة أمس «لم تحمل إجابة على اقتراح الرئاسة الثانية لحل الأزمة، ولم تتطرق إلى الأزمة، بل كانت مجرّد دعوة إلى نشاط ثقافي»، وأكد بري تمسّكه «بالمناصفة واتفاق ​الطائف​ حيث لا مجال للتفريط بهذا الموضوع». تجدر الإشارة إلى أن مبادرة بري التي يتولى أبوفاعور التفاوض بشأنها تقترح إعداد مرسوم جديد يضم أسماء ضباط الجيش دورة 94، الى جانب ضباط الأسلاك العسكرية الأخرى في الدورة نفسها، أي ضباط قوى الأمن الداخلي والأمن العام وغيرهم، وتضمين المرسوم منح الأقدمية والترقيات بالوقت نفسه، ويوقع عليه وزراء الدفاع والداخلية والمال إلى جانب رئيسَي الجمهورية والحكومة.
وفي هذا السياق، هاجم وزير الخارجية​ ​جبران باسيل​ الرئيس برّي من دون أن يسمّيه قائلاً «نتأمل اليوم بنهجين أحدهما يريد الإنجاز، وثانيهما يمثله من يصرخ ويقفل الطرقات والمؤسسات بالسلاسل ويوقف مناقصات وأشغالاً». وأضاف: «لا أحد يهدّدنا بالدستور لأننا نحن من يخضع له وقوتنا بالقانون والقضاء، ولا نقول لأحد نلقاك في الشارع بل أمام القضاء». وعن التجديد لرئيس مجلس النواب، أجاب باسيل «أعتقد في الديموقراطية، المنتخِب والمنتخَب هما من يقرران، هذا لا تحدده جهة واحدة. وإذا كان لجهة رأيها، إلا أنها تخضع بالديموقراطية للأكثرية».
وردّاً على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، عبّر «​تيار المستقبل​« في بيان له أمس عن أسفه لـ«طريقة ومضمون المخاطبة التي توجه بها ​جنبلاط​ للمملكة العربية ​السعودية»، في مقابلته قبل يومين على ​تلفزيون «المستقبل​»، التي انتقد فيها الحرب السعودية على اليمن، معتبراً انها «عبثية»، فضلاً عن انتقاده قرار خصخصة شركة «أرامكو» النفطية السعودية. ورأى «المستقبل» أن أسلوب جنبلاط «لا يتوافق مع تاريخه وتاريخ ​الحزب وعلاقته التاريخية مع دولة شقيقة كانت دوماً الى جانب ​لبنان». وشدد التيار على «وجوب التزام كل القوى اللبنانية بعدم التعرض للدول الشقيقة أو الإساءة إليها، بما يهدد مصالح لبنان الحيوية وسلامة علاقاته مع محيطه العربي»، داعياً جنبلاط الى «تصحيح موقفه الأخير». في المقابل، لفت جنبلاط​، في تصريح له عبر حسابه على موقع «تويتر»، الى أنه «وسط الضجيج الذي أثير حول قسم من كلامي، واحتراماً لسياسة عدم الانحياز التي أرساها ​الحريري​ مع جميع الفرقاء، فإنني أعلن التزامي بهذا النهج تفادياً لتفسيرات مغلوطة أو تأويلات غير دقيقة قد تُلحق ضرراً بمبدأ ​النأي بالنفس​».

المصدر: الأخبار