لم تعُد المملكة العربية السعودية توفّر ملفاً إلا وتستخدمه للهجوم على الرئيس سعد الحريري، حتى ولو كان إنسانياً. آخر إبداعات الرياض كان في استثمار قناة «العربية» مأساة الموظفين في شركة «سعودي أوجيه» سياسياً، إذ تعمّدت تحريف خبر تجمّعهم أمام السفارة السعودية في بيروت، مشيرة إلى أنه «حصل أمام بيت الوسط». كما اجتزأت القناة بيان لجنة المتابعة الذي حمّل المسؤولية «للحريري ووزارة العمل السعودية»
تبتزّ المملكة العربية السعودية الرئيس سعد الحريري بكل الوسائل. منذُ استدعائِه إلى الرياض وإجباره على الاستقالة في 4 تشرين الثاني الماضي، تبيّن أنها قرّرت التعامل بصرامة مع من كان أبرز حلفائِها، من دون أن تأخذ في الاعتبار ردّات الفعل الناجمة عن أسلوبها «المتهوّر» تجاهه. ويبدو أن التدخل الأوروبي والدولي لإنقاذ رئيس الحكومة من أزمته الأخيرة، لم يثنها عن هدف التعرّض له والاستثمار في ملفات تخصّه وتخصها، لإيصال رسالة واضحة المضمون تُظهر أنها لم تصفح عن أدائه السياسي.
آخر رسائل المملكة تولّت نقلها قناة «العربية» خلال تغطيتها تجمّعاً لعشرات الموظفين السابقين في شركة «سعودي أوجيه»، أمام السفارة السعودية في بيروت قبل يومين، طالبوا بالحصول على مستحقاتهم ورواتبهم التي لم يقبضوها منذ سنوات. إذ ركّزت القناة على نداء مسؤول التموين سابقاً في الشركة خليل الحدّاد، الذي «حمّل الحريري مسؤولية دفع المرتبات»، وقال موجهاً حديثه إلى رئيس الحكومة «إنت سكتت على أقرب الناس إلك اللي سرقوا حقوق العمال وإنت ساكت، حقوق الناس إدفعها من جيبتك الخاصة»، في مقابل تعتيمها على كلامه الموجّه إلى المملكة، وتحميلها المسؤولية أيضاً. و«حرّفت» القناة الخبر بقولها إن التجمّع حصل أمام «بيت الوسط» (منزل الرئيس الحريري في بيروت)، علماً بأنه أقيم أمام السفارة السعودية في بيروت!
لا يختلف اثنان على أحقية هذه القضية الإنسانية التي يدفع أبطالها ثمناً كبيراً بسبب تغاضي المسؤولين السعوديين واللبنانيين والحريري عن سماع مطالبهم. لكن المملكة تعمّدت توظيف هذه القضية لتصفية حسابها مع الرئيس الحريري، وما نقلته «العربية» يُعدّ مقياساً لمدى الامتعاض السعودي منه، وعلامة على علاقته الآخذة في التداعي مع الدولة السعودية، وخصوصاً أنها أعادت الملف إلى الواجهة بعد توجيه رسمي بسحبه من التداول، على أثر الحملة الشهيرة التي شنّها الإعلامي داوود الشريان في برنامجه على قناة (MBC) على الشركة، حين قال آنذاك إن الحريري «قادر على سداد 46 مليار ريال وليس مليارين فقط، لو أراد ذلك».
البيان الذي تلته منسقة لجنة المتابعة لعائلات وموظفي شركة «سعودي أوجيه» شاهيناز غياض لم يوفّر المملكة، حين أشار إلى أن «الحقوق ضائعة بين الحريري وتقاعس وزارة العمل السعودية، حيث إنهم يتقاذفون كرة المسؤولية كل في ملعب الآخر». وتطرّق البيان إلى «النداء الذي وجهته اللجنة إلى خادم الحرمين في أيار الماضي، ومقابلة اللجنة القائم بالأعمال السعودي في بيروت وليد البخاري، وتسليمه خطاباً مرفقاً بملف الموظفين من دون تحقيق أي نتيجة»، ما دفع الموظفين إلى «الاعتصام أمام السفارة السعودية». وطالب البيان «الجهات المعنية في المملكة، وعلى رأسها وزارة العمل، بتطبيق قانون العمل السعودي وتنفيذ الأحكام الصادرة وإعطاء الناس حقوقهم بأقصى سرعة».
هذا الاجتزاء أثار استياء الموظفين الذين رفضوا تسييس القضية، لتصفية الحساب مع الرئيس الحريري. وفي حديث إلى «الأخبار»، أكد الحدّاد «امتعاض الموظفين من تجيير خبر التجمّع لصالح المملكة»، مشيراً إلى «فبركة الخبر بطريقة غير موضوعية». وفي وقت أكد فيه الحداد أن «كلامه كان ارتجالياً في ما يتعلق بالرئيس الحريري»، لفت إلى أن بيان التجمع هو الذي يعبّر عن موقف الموظفين لجهة «تحميل المسؤولية للطرفين، أي رئيس الحكومة والمملكة العربية السعودية». وكشف أن «العربية» حاولت تصحيح الخطأ، ودعته إلى مقابلة على القناة، لكنه «رفض قبل تقديم الاعتذار، لأن ما فعلته كان عن سابق تصوّر وتصميم بعدم نقل الكلمة كاملة والتي هاجمنا فيها الرئيس الحريري والسفير السعودي والمملكة معاً».
زُجّ موظفو «سعودي أوجيه» في بازار سياسي من دون رغبة منهم في ذلك. ودخلت على الخط قناة «الجزيرة» القطرية، في محاولة لاستغلال القضية نفسها للهجوم على السعودية، وفتحت هواءها لأعضاء اللجنة. وفي هذا الإطار، كرّرت غياض رفض اللجنة طريقة تعاطي وسائل الإعلام مع قضية الموظفين، وأشارت لـ»الأخبار» إلى أن «أننا لا نعفي المملكة من مسؤوليتها، وخصوصاً أننا كنا نعمل في شركة على أراضيها، ومن الناحية القانونية، يطبق على الشركة قانون العمل السعودي». وقالت: «كلامنا لا يعني دفاعاً عن رئيس الحكومة الذي من واجبه متابعة قضيتنا، بغض النظر عن كونه رئيساً لمجلس إدارة الشركة»، لافتة إلى أن «اللجنة سلمت البيان إلى السفارة السعودية في بيروت، لأن من واجب وزارة العمل في الرياض تحصيل حقوقنا». وأكدت منسقة اللجنة أن «الموظفين لا يريدون أن يدفعوا ضريبة الخلاف السياسي بين الحريري والمملكة»، مؤكّدة أن التظاهر أمام السفارة «مرّده إلى كلام الرئيس الحريري إلى أكثر من وسيلة إعلامية عربية وأجنبية، بأن حقوقنا هي عند المملكة، وأن المملكة لا تأكل حق أحد، من دون أن يخرج أي مسؤول رسمي سعودي لنفي كلام رئيس الحكومة»، معلنة أن اللجنة «في صدد التحضير لتحركات جديدة أمام السفارة في الأيام المقبلة».