بين التيار الوطني الحر وحركة أمل في وزارة الخارجية، صراعٌ لا يبدو أنّه سينتهي. آخر الفصول يتعلّق بالتعيينات الإدارية وإمكانية عدم إعطاء «الحركة» المديرية التي طالبت بها، في مقابل بدء الحديث عن دمج مديرية المغتربين بمديرية الشؤون الإدارية
ليا القزي
«ساحة النزاع» القديمة/ الجديدة بين التيار الوطني الحر وحركة أمل، هي وزارة الخارجية، حيث يجري إعداد مسودة التشكيلات الإدارية، للانتهاء من توزيع السفراء العائدين من الخارج على مراكزهم. في المبدأ، لم يكن من المفترض أن يُشكّل هذا الملف إشكالية بين حليفَي حزب الله، لأنّه بحسب منطق المحاصصة الذي تسير وفقه مؤسسات الدولة اللبنانية، كلّ فريق «حَجز» لنفسه المديريات التي يريدها.
إلا أنّ ذلك كان قبل اندلاع أزمة مرسوم ضباط «دورة الـ1994» بين الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، التي بدأت تصل تردداتها السلبية إلى مختلف القطاعات المشتركة بين الطرفين. وفي قصر بسترس، سيشمل تأثير المرسوم ثلاث مستويات: رغبة المسؤولين في «الخارجية» منح مديرية الشؤون الاقتصادية لحركة أمل عوض مديرية المراسم، التلويح بإلغاء مديرية المغتربين التي يرأسها المدير العام من الطائفة الشيعية تُسميه «الحركة»، وعدم توقيع وزير المال علي حسن خليل على مرسوم تعيينات الفئة الثانية في «الخارجية»، أي القناصل.
تضم وزارة الخارجية مديريات الشؤون السياسية، الشؤون الإدارية والمالية، المراسم، الشؤون الاغترابية (وهي غير المديرية العامة للمغتربين)، المنظمات الدولية، الشؤون الاقتصادية، وحدة الرموز، وحدة التفتيش، مركز الاستشارات، دائرة الصحافة (هذه المراكز لا تدخل ضمن وظائف الفئة الأولى التي تحتاج إلى ثلثي مجلس الوزراء لتعين شاغليها، بل يُكتفى بقرار وزير الخارجية وحده). باستثناء وحدتَي الرموز والتفتيش، التي يُسمّى على رأسيهما مدير ويُمكن أن يكون من دبلوماسيي الفئة الثانية، يرأس المديريات أعضاء الفئة الأولى. كانت حركة أمل قد طلبت الحصول على مديرتي الشؤون الاغترابية التي عُيِّنت فيها السفيرة فرح نبيه بري، ومديرية المراسم التي اقتُرح السفير بلال قبلان لتوليها. إلا أنّ مصادر في وزارة الخارجية تقول لـ«الأخبار» إنّ «من غير المحسوم بعد إن كان قبلان سيُعَيَّن في المراسم أو الشؤون الاقتصادية». وتُروج المصادر لفكرة أنّ قبلان «من الدبلوماسيين الجيدين، وغير المحسوبين على حركة أمل، بل هو خارج الاصطفاف السياسي». في حين أنّ مصادر أخرى مُطلعة على الملفّ تؤكد أنّ قبلان «مُقرّب سياسياً من الحركة، وكان التنسيق معه على أعلى المستويات يوم كان ممثلاً للمندوب اللبناني لدى جامعة الدول العربية، وكقنصل عام في ديترويت». وبالنسبة إلى المصادر، إذا عُيّن قبلان في مديرية الشؤون الاقتصادية، لا في المراسم، «فهذا يعني تسعير الخلاف مع برّي، ووجود رغبةٍ لدى باسيل في التصعيد».
عُيّن، حتى الساعة، السفير غدي خوري مديراً للشؤون السياسية، والسفير كنج الحجل مديراً للشؤون الإدارية والمالية، وبري مديرة للشؤون الاغترابية. أما بالنسبة إلى بقية المناصب، فقد عقد باسيل اجتماعات مع كلّ المُرشحين لتولي مسؤوليات إدارية، من دبلوماسيي الفئة الأولى (يُمكن فقط تعيين دبلوماسيين من الفئة الثانية في وحدتَي الرموز والتفتيش) العائدين من مهماتهم في البعثات اللبنانية في الخارج. وبناءً عليه، يُرجَّح أن يقرر وزير الخارجية ــ مع الأمين العام للوزارة السفير هاني شميطلي ومدير الشؤون الإدارية والمالية السفير كنج الحجل ــ توزيعهم وفق الآتي: يوسف صدقة في مركز الاستشارات، نجلا رياشي في دائرة الصحافة، كارولين زيادة في المنظمات الدولية، كارلا جزار في وحدة الرموز، يوسف رجّي في وحدة التفتيش، ليبقى الغموض يلفّ مديريتي الشؤون الاقتصادية والمراسم. المصادر المُطلعة على الملفّ تزعم أنّ «خطة المسؤولين في الخارجية تقتضي تعيين جزار في المراسم، وصدقة في الرموز، وقبلان في الاقتصادية، الأمر الذي لن تقبل به حركة أمل».
الملفّ الثاني الذي يجري العمل عليه في قصر بسترس هو تحديث قانون وزارة الخارجية، الذي بوشر به في الحكومة السابقة. الهدف هو «إعادة تنظيم كلّ الإدارة وتحديثها»، كما تقول مصادر الوزارة. ولكن تحت هذا العنوان العريض، يجري التحضير لـ«سَحب» منصب مديرية المغتربين من تحت بساط رئيس مجلس النواب، عبر إلغائه تحت حجة «دمج مديرية المغتربين بالشؤون الاغترابية، ونقل الموظفين في الأولى من المبنى في بئر حسن إلى بسترس، ولا سيّما أنّ المديريتين تعملان على الملفات نفسها، والآن أصبح هناك أيضاً مؤتمر الاغتراب الذي يُعنى بالمغتربين». إلا أنّ مصادر الوزارة تُسارع إلى القول: «لا يزال هذا الكلام مُجرّد فكرة يجري البحث بها».
تنفي المصادر المُطلعة على الملفّ أن يكون هناك تشابك صلاحيات بين مديرية المغتربين ومديرية الشؤون الاغترابية، فالأولى «يُعين على رأسها مدير عام في الملاك الإداري بمرسوم يصدره مجلس الوزراء بأكثرية الثلثين، وهي تابعة لملاك وزارة المغتربين وأعيد دمجها مع وزارة الخارجية، لكنها بقيت مديرية مستقلة مالياً وإدارياً. أما الثانية، فتابعة لملاك الخارجية ويُعين فيها دبلوماسي». أدار مديرية المغتربين في السنوات السابقة المدير العام هيثم جمعة، قبل إحالته على التقاعد قبل أشهر، «وكان أيضاً، بحُكم خلو مديرية شؤون المغتربين، يهتم بالمنصبين». على الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية، حُدّدت مهمات مديرية المغتربين بـ«توثيق الروابط بين الوطن والمغتربين وتنمية التعاون معهم في مختلف المجالات. تتألف من مصلحة المغتربين، مصلحة الأملاك والقيد، مصلحة العلاقات العامة للشؤون الاغترابية، مصلحة الإعلام والثقافة، دائرة الشؤون الثقافية، دائرة المعلوماتية والإحصاء، دائرة الديوان». وتُضيف المصادر المطلعة أنّه بالنسبة إلى مديرية الشؤون الاغترابية فهي «غير مُحدّدة الصلاحيات، ولكن الأكيد أنّ لكل من المنصبين دوره».
الخلاصة، هي تعميق الخلاف أكثر فأكثر بين التيار الوطني الحر وحركة أمل. ردّ عين التينة على «الاستفزازات» البرتقالية في وزارة الخارجية، سيكون عبر تأخير توقيع وزير المال لمرسوم تعيين المستشارين (القناصل)، رغم أنّ «باسيل يريد أن ينتهي منه بأسرع وقت»، تختم المصادر المطلعة.