يبدو للمراقبين أنّ البلاد تقف على عتبة أزمةٍ كبرى تتجاوز أزمة المرسوم والتعديلات إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير وإلى حدٍّ يفتح باب الاحتمالات السلبية على مصراعيه بما ينقل العلاقات السياسية إلى مرحلةٍ شديدة التوتّر، ما يطرح علامات استفهام حول مستقبل الحكومة، خصوصاً أنّ الأجواء المحيطة بها عشيّة جلسة مجلس الوزراء تُظهر انشقاقاً في صفوفها حول مقاربة ملفٍّ خلافيّ يتّسم بحدّةٍ استثنائية. وتوقّفَ المراقبون أيضاً عند خلفيات ما يَجري حول مرسوم الأقدمية، وقال سياسيون معنيون لـ»الجمهورية»: «ما كان مستوراً حتى اليوم، أصبح واضحاً. فالنزاع يدور حول «إتفاق الطائف» وتفسير بنود الدستور وصلاحيات رئيس الجمهورية وصلاحيات وزير المال ودور القضاء. والمؤسف أنّهم في نزاعهم السياسي هذا يَجرفون القضاء في دربهم». وأضاف هؤلاء: «صحيح أنّ هيئة التشريع والاستشارات هي جزء من وزارة العدل، ولكنّها ليست تابعة لوزير العدل ولا يوجد أيّ جسمٍ قضائي أو سلطة قضائية تابعة لوزير العدل. في اختصار، النزاع السياسي الحاصل يمسّ الدستور مِن جهة والقضاءَ من جهة ثانية، وهذا أمر خطير جداً».
تسارعت حركة المشاورات بدءاً من بعد ظهر أمس، على خطّي عين التينة و«حزب الله» وطاولت حلفاءَهما في فريق 8 آذار، وكذلك في اتجاه النائب وليد جنبلاط، وذلك لتنسيق الموقف من موضوع التعديلات التي يقترحها الوزير جبران باسيل على القانون الانتخابي لجهة تمديد فترة تسجيل المغتربين الراغبين الاشتراكَ في الانتخابات.

وقالت مصادر واكبَت هذه الحركة إنّ جلسة مجلس الوزراء اليَومَ تشكّل نقطة فاصلة بين الانفراج، وهذا يعني سحب مشروع باسيل، وبين الانفجار السياسي في حال الإصرار عليه، وفِي هذه الحالة يدخل البلد في أزمة سياسية خطيرة ومفتوحة تضعه امام احتمالات شتّى، قد لا تكون الحكومة فقط إحدى ضحاياها، بل ربّما الانتخابات.

عون

وحاوَل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وضع الأمورِ في نصابها، فأكّد مجدداً تمسّكَه بموقفه لجهة ضرورة الاحتكام الى القضاء «فأمامَ القضاء لا غالبَ ولا مغلوب»، رافضاً المساس بصلاحيات رئيس الجمهورية.

وقال خلال استقباله أعضاءَ السلك القنصلي في لبنان: «إنّ الكلمة الفصل في سوء التفاهم حول تفسير القوانين تبقى للقضاء، واستغرَب اتّخاذ الخلافِ على مرسوم منحِ أقدمية لضبّاط دورة 1994 الطابع السلبي، فنحن نعطي اشرفَ مثلٍ للشعب اللبناني يؤكّد أنه أصبحت لمؤسساتنا القضائية حصانة، وهي تُصدر احكاماً وتفسّر القوانين للجميع ابتداءً من رأس الحكم».

وفي كلمةٍ ألقاها في دير مار انطونيوس في بعبدا، قال عون: «وصَلنا الى حيث بدأ المساس بسلطتِنا، وهذا أمر غير مقبول. نحن نحترم كلّ السلطات كما ينصّ عليها الدستور والقوانين، ولا نريد أن نخاصم احداً، بل على العكس، نريد ان يبقى البلد مستقرّاً وآمناً… المؤسسات من دون دستور وقوانين لا قيمة لها لأنّها تكون غيرَ خاضعة لمراجع، بل للفوضى، وعلى الجميع ان يفهم ذلك».

الحسيني

ورأى الرئيس حسين الحسيني «أنّ السجال الحاصل لا علاقة له بمرسوم الأقدمية، بل هو نتيجة حتمية لغرقِ الجميع في الخطاب السياسي المذهبي العائد لقانون الانتخاب الذي أعادَنا إلى أجواء المِحنة».

وقال لـ«الجمهورية»: «المستغرَب هو إحالة من يعترض على المرسوم، على القضاء، لكن من دون نشرِ هذا المرسوم الذي لا يزال في عالم الغيب وليس في متناول، لا المتضرر ولا غير المتضرر، فكيف أعطي رأياً في مرسوم وهو غير منشورٍ في أيّ مكان»؟

وعن تصوّرِه للمخرج، قال الحسيني: «المخرج هو في إيجاد وسيلة لإخضاع الجميع الى القوانين وأحكام الدستور».

إقتراح التمديد

وفي ظلّ هذه الأجواء الحامية، ومع بدء العدّ العكسي لانتهاء المُهلة القانونية لصدورِ مرسومِ دعوة الهيئات الناخبة، يجتمع مجلس الوزراء اليوم في السراي الحكومي على وقع نزاعٍ مرتقب جديد، موازياً لأزمةِ مرسوم الضبّاط، بعدما وُضع مشروع قانون معجّل قدّمه الوزير جبران باسيل على الطاولة ويقضي بإدخال تعديلات على قانون الانتخاب لتمديد مهلة تسجيل المغتربين الى 15 شباط المقبل، ما سيَفتح مشكلةً جديدة بين «التيار الوطني الحر» الذي أقفلَ باب النقاش الدستوري والقانوني حول المرسوم، ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أقفلَ باب المجلس النيابي أمام أيّ تعديل لقانون الانتخاب.

وقالت أوساط بري لـ«الجمهورية» إنّه «سبقَ له أن حدّد الموقفَ النهائي من عدم فتحِ الباب أمام بازار التعديلات على القانون الانتخابي، وبالتالي فإنه يؤكّد مجدّداً أنّ التعديلات صارت وراءَنا ولا يمكن أن تمرّ تحت أيّ ظرف أو عنوان». وكرّرَت التأكيد «أنّ الانتخابات حاصلة في موعدها وفق القانون كما أقرّه مجلس النواب من دون أيّ تعديل».

وردّاً على سؤال، أكّدت الأوساط نفسُها «أنّ مِثل هذه المحاولات المستميتة تؤكّد الشكوك بمحاولاتٍ للإطاحة بقانون الانتخاب وبالانتخابات النيابية، وهذا لن يحصل».

خليل لـ«الجمهورية»

وحذّر وزير المال علي حسن خليل من «نيّاتٍ» لتأجيل الانتخابات، تتخفّى خلف طرحِ هذا المشروع على مجلس الوزراء، وقال لـ«الجمهورية»: «هذا الأمر نوقِشَ داخل اللجنة الوزارية وكان موضعَ خِلاف كبير، وكان الرأي الغالب عدمَ الذهاب اليه، ولم يكن سوى الوزير باسيل مع هذا الطرح وأيّده الرئيس سعد الحريري. فما هو الهدف من إدراجه على جدول اعمال مجلس الوزراء؟ ألم يقل لنا الرئيس الحريري إنّه سيُبعد حكومته عن البنود الخلافية؟ هذا السلوك سيَضعها في قلب الخلافات».

وكشَف خليل «أنّ وزراء حركة «أمل» وبالتنسيق مع الحلفاء سيتصدّون لهذا المشروع الذي سيفتح الباب امام مجموعة كبيرة من التعديلات تعلم كلّ القوى السياسية من خلال النقاشات التي حصَلت داخل اللجنة أنّ الوقتَ اصبَح ضيّقاً أمام إجرائها».

وسأل: «هل يكون طلب التعديلات مقدّمةً لطلبِ تأجيلِ الانتخابات؟ وهل هناك مَن عنده نيّة لتطييرها؟ هو سؤال مشروع سنطرحه امام مجلس الوزراء وليتّخذ رئيس الحكومة القرارَ الذي يراه مناسباً في هذا الشأن».

عين التينة

مِن جهتها، استغربَت مصادرعين التينة أداءَ الحريري وقالت لـ«الجمهورية»: «إنّها المرّة الثانية التي يُمرّر فيها موضوعاً خلافياً، مع عِلمه المسبَق أنه سيؤدي الى أزمة. فهو وقّعَ المرسوم الذي سبق وقال إنّه «يقطع يده» قبل ان يفعل ذلك، ثم أدرِج على جدول اعمال مجلس الوزراء بنداً خلافياً كبيراً وبعد تصريحات عدة لرئيس مجلس النواب أنّه لن يقبل أيَّ تعديل، فهل هذا تحَدٍ مباشَر له؟».

وقالت هذه المصادر إنّ الحريري «وبعد 7 أيام من إيداعِه مبادرةَ الرئيس بري عبر الوزير وائل ابو فاعور موفداً من النائب وليد جنبلاط، لم يبادر الى الاتصال برئيس الجمهورية أو زيارته لمناقشتها، فأين هو دور رئيس الحكومة الذي يقول إنه جامعٌ وتوفيقيّ؟ الأمور تتكشّف تباعاً والهوّة تتّسع، وهناك خشية من صعوبة ردمِها في ضوء حماوةِ الاقتراب من موعد الانتخابات».

ولفتت المصادر إلى أنّها سمعت من أوساط بري كلاماً مفادُه أنه سيوصِد ابوابَ مجلس النواب امام مناقشة مشروع تعديل القانون الانتخابي إذا ما استطاع أصحابه والداعمون له، إمرارَه من الحكومة الى المجلس».

السراي

إلّا أنّ مصادر السراي الحكومي قلّلت من أهمّية الحديث عن احتمال أن يشهد مجلس الوزراء اليوم انفجاراً وزارياً وسياسياً. وقالت لـ«الجمهورية»: «ما تضمّنه جدول الأعمال ليس منزَلاً، والبتّ بالبنود التي قيل إنّها متفجّرة أو خلافية لا يتمّ إلّا بعد ان تخضع للنقاش في جلسة اليوم، ولن يبتّ بها إلّا بالتوافق بين مختلف الأطراف. وأضافت: «إذا اضطرّ الحريري الى دعوة الوزراء الى التصويت اليوم فلن تكونَ النتيجة نهايةَ الدنيا إذا أقِرّ التعديل بالأكثرية.

فالموضوع لا يبتّ ولا يتحوّل أمراً واقعاً جديداً، قبل النزول الى ساحة النجمة لتعديل القانون 44 وهو أمرٌ رهن التفاهمِ على فتحِ دورةٍ تشريعية استثنائية، لأننا إذا انتظرنا موعدَ الدورة العادية تنتفي الحاجة إلى التعديلات المقترَحة».

الأسباب الموجبة

وعلمت «الجمهورية» أنّ باسيل أرفقَ مشروع القانون بالأسباب الموجبة استناداً إلى المادة ١١٣ من القانون الرقم ٤٤ والتي وضَعت حدّاً أقصى للمهلة المعطاة للمغتربين للإعلان عن رغبتهم الاقتراعَ في الخارج وتسجيل أسمائهم حتى 20 تشرين الثاني الماضي، وبالتالي انقضَت المهلة رغم عدمِ تمكّنِ جزءٍ كبير منهم من تسجيل أنفسِهم، وبما أنّ سبب هذا التأخير عدم الالتزام سابقاً إجراءَ الانتخابات في مواعيدها، وبما أنّ الجوّ العام الذي ساد في لبنان وخارجه ساهم في إقلاقِ المغتربين لأسباب أهمُّها الأزمة السياسية الأخيرة ولا سيّما الحكومية منها والمتمثلة في تقديم رئيس الحكومة استقالته ثمّ التريّث فيها وصولاً الى العودة عنها، إضافةً الى بعض الصعوبات التقنية التي لم تتمّ إزالتها إلّا أخيراً خصوصاً في ما يتعلق بالبطاقات الممغنَطة، فضلاً عن نفاذِ المهلة القانونية وإقفال باب التسجيل أمامهم منتصف ليل 20 تشرين الثاني وإعلان رغبتهم الاقتراعَ بعد ما لمسوا جدّية الإدارة في إجراء الانتخابات، وعليه ترى وزارة الخارجية أهمّية وضرورةَ إجراء التعديل، وقد أرفقَ المشروع برأي لهيئة التشريع والاستشارات».

عون

وقال النائب آلان عون لـ«الجمهورية»: «رغم كلّ السجالات التي تحصل، لا أحد يريد تطييرَ أو تأجيل الانتخابات النيابية، إنّما «التيار» يحاول إنقاذ ما تبقّى من إصلاحات كانت في صلبِ القانون وتمّ الاستغناء عنها بحجّة الوقتِ أو لأسباب وخلفيات أخرى. فعلى سبيل المثال، أين المانع أو ما هو الخطير في تمديد مهلة تسجيل المغتربين؟

هو إجراء تقنيّ بحت لا يؤثّر على شيء وإذا به يتحوّل مادةً سجالية نتيجة جوّ سياسيّ متوتّر. وهذا ينسحب أيضاً على أزمةِ المرسوم التي تحوّلت أزمةً وطنية ميثاقية دستورية، وصار من الصعب احتواؤها. فإذا أصبحت المؤسسات القضائية موضعَ شكّ وغيرَ موثوقة، ماذا يبقى من الدولة؟ وكيف للمواطن أن يثقَ بالقضاء بعد ذلك؟. حذارِ التضحية بالمؤسسات وصدقيتِها والثقةِ بها في سبيل مكاسبَ أو اشتباكات سياسية».

«القوات»

وأكّدت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» أنّ موقفها الرافض تعديلَ قانون الانتخاب لتمديد مهلةِ تسجيل المغتربين حتى 15 شباط المقبل «ليس سياسياً، بل يتصل بالصعوبات الإدارية والتقنية التي تعوق هذه المسألة، حيث انّ الوقت الفاصل عن شباط قصير جداً، وخطوة من هذا النوع تستدعي طلبَ فتحِ دورةٍ استثنائية والدعوةَ إلى هيئة عامة لإقرارها، فضلاً عن الدخول في انقسامات بين مؤيّد ومعارض، فيما المهلة المتبقّية لا تستحقّ كلّ ذلك، ولو تمّ طلب التمديدِ قبل ذلك لأمكنَ تأييد هذه الخطوة.»

وأوضَحت المصادر «أنّ «القوات» كانت في طليعة القوى التي عملت بجهد على اقتراع المغتربين ربطاً بأهمّية إشراكِهم في الحياة الوطنية، وإشعارِهم بأنّ دورهم لا يقلّ عن دور المقيمين، كذلك كانت في طليعة المدافعين عن البنود الإصلاحية في القانون، وزيارةُ رئيس حزب «القوات» إلى أستراليا وغيرُها من الخطوات كانت ترمي إلى حَضّ المغتربين على التسجيل ربطاً بأهمّية دورهم وفعاليته، ولكن، ويا للأسف، ضِيقُ الوقت والخلافات أدَّيا إلى ما أدّيا إليه، وبالتالي يُستحسَن عدم المسّ بقانون الانتخاب، والانصراف إلى التحضير لهذا الاستحقاق الكبير».

المصدر: الجمهورية