المشوار الانتخابي للتيار الوطني الحر في كسروان ــ جبيل لن يكون سهلاً. بدل أن يبحث في كيفية الانتصار على خصومه الانتخابيين، «يتلهى» بالخلافات الداخلية، وبنقمة عدد من الحزبيين لعدم تبني ترشيحهم، فضلاً عن تفلّت عدد من أصواته بسبب «خسارته» نواب تكتله
التيار الوطني الحرّ في دائرة كسروان ــ جبيل، يواجه تحديات داخلية تكاد توازي بأهميتها تنافسه الانتخابي مع بقية القوى السياسية لتثبيت وجوده في هذه المنطقة. الصعوبات تطال مستويات عدّة: التخبط بين الحزبيين ومحاولات عدد من المرشحين المحتملين إطلاق «انتفاضة» داخلية؛ «الفراغ» في منطقة الجرد الكسرواني وعدم التمكن من الحفاظ على الحيثية التي كان «التيار» يتميز بها؛ تبديل بعض من نواب تكتل التغيير والإصلاح بارودتهم من كتفه إلى أكتافٍ أخرى رداً على عدم تبني ترشيحهم من جديد؛ ومحاولة عدد من المُلتزمين العونيين الذين خاضوا تجربة الانتخابات الحزبية الداخلية ولم يوفقوا، تشكيل لائحة انتخابية، بالتحالف مع تحالف «وطني» الذي يضم عدداً من منظمات ما يُسمى «المُجتمع المدني».
البداية من كسروان، حيث تبين أنّ المعركة في «دائرة العماد ميشال عون»، لن تكون بالسهولة التي تخيّلها المعنيون بها. فلا وجود العميد المتقاعد شامل روكز نجح في بناء العصب المطلوب، أو الحفاظ على الإرث الذي تركه له الرئيس عون بالحدّ الأدنى، ولا الاستعانة بمرشحين «مستقلين» مرّ بسلاسة لدى القاعدة العونية، والكوادر الحزبية، الذين لا ينفكون يسألون: «ماذا كانت الغاية من إلهائنا بانتخابات داخلية، عمّقت الخلافات بيننا، ولم تخلص إلى ترشيح شخصية منا؟ وكيف تُسمّى اللائحة باسم التيار الوطني الحر، وأكثر من نصفها هم من الحلفاء أو المستقلين الذين لا نضمن أن يبقوا في صفوفنا طيلة الولاية النيابية؟».
«الضربة» الكُبرى التي مُني بها التيار العوني هي في منطقة الجرد. بلدات: حراجل، فاريا، كفرذبيان، ميروبا ووطى الجوز شكّلت في دورة الـ ٢٠٠٩ «طوق النجاة» للائحة التغيير والإصلاح. ولكن، بعد قرابة تسع سنوات، بدأت الأمور تخرج عن سيطرة التيار الوطني الحر. لم تتمكن منطقة الجرد من فرز «قيادي» عوني واحد بنى حيثية شعبية تُخوله فرض نفسه على قيادته، فلم يترشح أحد من بلدات الجرد إلى الانتخابات الداخلية لاختيار المُرشحين إلى الانتخابات النيابية، مع العلم بأنّ مُنسق قضاء كسروان ــ الفتوح جيلبير سلامة هو من بلدة حراجل، ولكن النظام الداخلي لم يسمح له بتقديم ترشيحه، رغم أنّه كان بالنسبة إلى كثيرين الحلّ الأمثل لهذه المعضلة.
يُخبر أحد النواب العونيين عن «التخبط والانقسامات والخلافات الشخصية بين المنسقين من جهة، والحزبيين من جهة أخرى، في الجرد. الخلافات تحديداً في كفرذبيان وفاريا، أما في ميروبا وحراجل فالوضع أفضل، رغم وجود مجموعات حردانة من جيلبير سلامة وزاهي خليل». وهو يُفرق بين «وضع التيار السيئ في الجرد، وبين الحالة التي تمكن النائبان فريد الياس الخازن ويوسف خليل من تشكيلها. أشكّ أن يكون أحد غير الخازن وخليل قادراً على جذب الناخبين الذين يؤثران عليهم». لذلك، وبعد انتقال خليل إلى صفوف القوات اللبنانية، «لن يكون أمام التيار العوني من حلّ سوى التحالف مع الخازن». إلا أنّ المعلومات تُشير إلى أنّه «بعد الأعياد، باتت كلّ الأسماء المطروحة متساوية، إن كان الخازن أو نقيب الأطباء السابق شرف أبو شرف (يحمل بطاقة حزبية) أو الحزبي إدمون الخازن، لعدم تمكّن أي منهم من الحصول على أرقام عالية في الإحصاءات».
وضع التيار العوني غير سليم، وسيؤثر عليه أكثر «الطلاق» بينه وبين النائب خليل. الأخير، سبق الرئيس عون في انتخابات الـ ٢٠٠٩ في كلّ بلدات الجرد. وقد ذكر سابقاً أنّه يملك قدرة تجييرية تبلغ قرابة الـ ٧ آلاف صوت، سيضعها في عهدة لائحة رئيس «القوات» سمير جعجع، على الرغم من أنّ القواتيين لا ينفكون يُعايرون «التيار» ونوابه بأنّهم لم يقوموا بأي شيء لمصلحة كسروان. مصادر سياسية في القضاء، معارضة للتيار الوطني الحر، تؤكد أنّ «قدرة خليل الصافية لا تتعدّى الألفي صوت. لو أنه فعلاً يحظى بتأييد ٧ آلاف صوت، لكان سيسعى إلى تأليف لائحة وحده ولا يبحث عن تحالف مع القوات. ويجب الانتباه إلى أنّ عائلة خليل كبيرة ولديها وجود في مختلف البلدات الكسروانية، لكن لكلّ منها توجهات سياسية مختلفة، ولا تصب كلها لدى طرف واحد. لذلك لا توجد عصبية عائلية تُميز النائب الطبيب». يوافق مسؤول عوني على ذلك، لكنه يُضيف أنّ «انتقال خليل إلى القوات سيُزعجنا بالتأكيد. والضرر الأكبر سيقع إذا لم نتبنَّ ترشيح أحد من هذه المنطقة». يُصّر المصدر على أنّ الوضع في الجرد «جيد. هذه المناطق كانت خزاناً لنا وستبقى»، رغم اعترافه بوجود «خلافات ناجمة عن الانتخابات البلدية، ونقص في الخدمات والتواصل، نحاول حالياً سدّ كلّ الثغَر قبل الاستحقاق». دفع هذا الوضع بعض العونيين غير الحزبيين «إلى اللجوء إلى أطراف سياسية أخرى». وفي حين تؤكد مصادر في كسروان أنّ أغلب الحردانين ذهبوا إلى النائب السابق فريد هيكل الخازن، يُصر المصدر العوني على أنّ «من غير الواضح من الذي استمالهم، ولكن نحن أقوى من الخازن في الجرد».
زوين حليفة فريد هيكل الخازن؟
لن يكون يوسف خليل، النائب الوحيد الذي سيبحث عن مرجعية سياسية أخرى، في حال لم يتبناه التيار العوني. تؤكد مديرة مكتب النائبة جيلبيرت زوين، فيفيان مهنا، أنّ «البيكة» مُرشحة إلى الانتخابات النيابية «ولكن لم تُحسم بعد الترشيحات مع أي طرف»، وذلك رداً على سؤال عما يُحكى عن تنسيق بين زوين وفريد هيكل الخازن. جُلّ ما هو محسوم أنّ زوين «ما رح تسكّر هالبيت». ماذا عن إمكانية زيارة معراب؟ تُجيب مهنا ضاحكةً: «نحنا ما منطلع محل، هنّي بيجوا لعنّا». ولكن، ما هو الانعكاس السلبي لعدم ترشيح زوين مع «التيار»؟ يُجيب رئيس جمعية آل زوين، المُرشح العوني، إيلي زوين أنّه «جرت العادة أن لا يترشح أحد بوجه مُرشح بيت جورج زوين (جدّ النائبة)، ولكن حالياً تخطينا هذا الأمر. لا تستحوذ زوين إلا على نسبة قليلة من العائلة، التي لا يُحركها قرار موحد».
أما بالنسبة إلى النائب نعمة الله أبي نصر، فيُنقل عنه حسمه عدم الترشح مرّة أخرى. إلا أنّ لقاءات عدّة جمعت نجله فارس مع الوزير السابق يوسف سلامة، مع ترجيح أن يُشكلا معاً نواة لائحة تحت تسمية «مُجتمع مدني». بيد أنّ مالك نعمة الله أبي نصر يؤكد في اتصال مع «الأخبار» التزامه سياسة التيار الوطني الحر.
بدوره، النائب فريد الخازن يقول: «ما زلت مُرشحاً إلى الانتخابات، ولكن خريطة الطريق للمرحلة المقبلة، كحسابات القانون والتحالفات وخطة العمل، لا تزال غير واضحة. فأنا إما أن أكون شريكاً في اللائحة، أو يكون لي خيار آخر». إلا أنّ الأكيد «أنني لست بوارد الانتقال من موقع سياسي إلى آخر. إضافة إلى الموقف السياسي، أنا أُقدر الرئيس عون وأحترمه».
«انتفاضة» عونية داخلية
تشكيل لائحة في كسروان تُهمش الكوادر الحزبية، أثار نقمة في القضاء. المسؤول العوني يصف الأمر بأنّه «حرتقة داخلية سيجري تقويضها فور حسم قصة المرشحين»، مُقللاً من أهمية الحركة المعترضة «لأنّ دائرة كسروان لديها وضع خاص، وهناك العهد الجديد وهالة الرئيس عون». وهناك اتهامات تُساق ضدّ أحد المُرشحين المُحتملين في فتوح كسروان، بأنّه «حاول، من أحد مطاعم السمك في العقيبة، تحريض عدد من منسقي البلدات لمقاطعة اجتماع المنسقية قبل أيام. لكن لم يستجب له سوى عدد قليل لم يتخطّ السبعة منسقين». التقليل من أهمية الحالة الاعتراضية لدى المصادر الرسمية يتعارض مع معلومات «الأخبار» بأنّ لقاءً «وطنياً» يُحضّر لتشكيل لائحة في وجه التيار الوطني الحر «من أعضائه الناقمين». وكان إيلي زوين قد استقال، لكنه تراجع عن استقالته «بضغط من هيئة القضاء التي وعدت بمتابعة ملفّي»، كما يقول. ويضيف لـ«الأخبار» بأنّه بعدما «تسلمنا نتيجة استطلاع المرحلة الثالثة، وقارناها مع إحصاء أجراه لنا الخبير الانتخابي كمال فغالي، تبين لنا عدم وجود شفافية. إضافة إلى عدم احترام آلية الترشيح الداخلية»، غامزاً من قناة احتمال ترشيح رجل الأعمال روجيه عازار.
لن يكون أعضاء لائحة «المعارضة العونية» أيتاماً في كسروان، بل سيكون لهم امتداد إلى جبيل. يقول القيادي في «التيار» بسام الهاشم إنّ تشكيل لائحة «أمر وارد جداً. هناك انتهاكات تُمارس وقد برهنت أنّ الاستطلاعات كانت مزوّرة». يتحدث بإيجابية عن الوزير السابق شربل نحاس، «هناك جو عارم في التيار ناقم، نحن قادرون على تأليف لائحة تُمثله، بالتفاهم مع كلّ من لديه توجهات وطنية». في جبيل، يبرز أيضاً اسم العوني الذي قدّم استقالته من الحزب روبير زعرور، ولكن يوضح الهاشم أنّ «زعرور صديق، إلا أننا لم نبحث في تشكيل لائحة معاً». وكان الهاشم خلال خلوة إطلاق الماكينة الحزبية لـ«التيار» في قضاء جبيل، الأسبوع الماضي، قد أعلن أنّه «باقٍ في التيار، لكنني قدّمت طعناً بنتائج الاستطلاع بقي محجوزاً لدى أمانة السرّ. وبما أنّه لم يُبتّ بطعني، أعتبر أنّ أي قرار انتخابي يفتقر إلى المشروعية باطل، يستوجب المقاومة وليس الطاعة».